اليمن: محاولة جديدة لعودة الأحزاب إلى واجهة الأحداث

15 نوفمبر 2017
محاولات سابقة جرت لتفعيل دور الأحزاب السياسية (Getty)
+ الخط -
انعكس تغييب الأحزاب السياسية عن المشهد السياسي اليمني، منذ حرب 2015 وقبلها انقلاب المليشيات، سلباً على إدارة الدولة في المناطق المحررة، فظهرت الخلافات الداخلية بين المكونات المساندة للشرعية، ما أثّر على الجانب العسكري والميداني على الأرض.

وحاولت الأحزاب والمكونات السياسية المساندة للشرعية التي وجدت نفسها خارج دائرة صناعة القرار، البحث أكثر من مرة عن طرق للمشاركة في رسم توجهات التحول السياسي والعودة إلى واجهة المشهد السياسي، فوجدت في التحالفات السياسية المساندة للشرعية طريقاً لها، فأعلنت من محافظة تعز اليمنية في 28 أغسطس/آب الماضي، قيام تحالف القوى السياسية لإسناد الشرعية، ووقعت على مشروع برنامج مشترك للقيام بمسؤولياتها وتوحيد جهودها.


إلا أنّ هذه الخطوة لم تلاق اهتمام الحكومة الشرعية وقيادة التحالف العربي الداعم لها، فتعثّر تحالف إسناد الشرعية في تعز بتفاصيل قضايا جزئية ومناكفات بينية، ولم يقم بخطوات فعلية لجهة تنفيذ البرنامج الذي وجد التحالف السياسي من أجله، ما دفع حزب المؤتمر الشعبي العام (الشق المؤيد منه للشرعية) الأسبوع الماضي إلى إعلان تجميد عضويته فيه إلى أن يتم التأكّد من مصداقية أحزاب التحالف السياسي في التزامها بالرؤية المشتركة للتحالف، والتوجّه الحقيقي نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة، بحسب بيان صحافي صادر عنه.

ورأى المحلل السياسي، عبد الملك عزيز في حديث لــ "العربي الجديد " أنّ "البرنامج المرحلي لتحالف القوى والمكونات المؤيدة للشرعية في تعز توقّف عند الجانب النظري، على الرغم من استيعابه لحلول مشاكل تعز وتشخيصها. وتحوّل التحالف السياسي الوليد إلى نسخة مكررة من التحالفات السابقة التي تحصر العمل السياسي بإصدار البيانات السياسية وتكتفي بالشجب والتنديد لكل قضية تواجهها، بينما كان الأصل كما يقول المتابعون، أن يتم إعداد آلية تنفيذية مزمنة مدعومة من التحالف العربي والشرعية لتنفيذ الحلول التي اقترحها البرنامج وتحديد وتسمية الجهات المعنية بالتنفيذ، وهو ما لم يحدث، حتى الآن، ما يجعل التحالف الجديد يعيش موتاً سريرياً في ظلّ تعارض مصالح القوى المشاركة فيه، واستمرار عجز هذه الأحزاب في ترجمة  برنامجها على أرض الواقع بما يحقّق التغيير الذي ينشده المواطن في المحافظة اليمنية الأكثر تضرراً من الحرب".

وكانت محاولات سابقة قد جرت بهدف تفعيل دور الأحزاب السياسية. فقبل إعلان تحالف القوى السياسية في تعز، كانت أحزاب اليسار اليمني أعلنت من القاهرة، في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، عن تحالف سياسي يدخل في إطاره الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الناصري، إلى جانب أحزاب أخرى. وكان هذا التحالف دعا القوى السياسية والاجتماعية كافة والحراك الجنوبي، "إلى استنهاض الجهود والحوار على قاعدة الشراكة الوطنية واستعادة العملية السياسية في إطار المرجعيات التي حكمت المرحلة الانتقالية والقرارات الدولية ذات الصلة والشراكة الفاعلة مع الرئاسة والحكومة في اتخاذ القرار". 

وتعمّد تحالف اليسار في القاهرة توجيه رسائل ضغط سياسية للشرعية وقيادة التحالف، من خلال حديثه للمرة الأولى عن أهمية مشاركة القوى السياسية في أي مفاوضات مقبلة إلى جانب الحكومة الشرعية، باعتبار أن المسارين الأمني والسياسي مطروحان على طاولة البحث والتفاوض.

وبحسب المتابعين، فإن تحالف القاهرة مثّل ضغطاً سياسياً على الحكومة الشرعية والمكوّنات السياسية والحزبية في العاصمة السعودية الرياض، لإنجاز التحالف الوطني الواسع الذي توقّف عند مرحلة ما قبل الإشهار، إذ كان يفترض الإعلان عنه قبل أشهر عدة. 

ومنذ أسبوعين، عاد الحديث عن استئناف الأحزاب والمكونات السياسية والاجتماعية المصطفة مع الحكومة الشرعية، للحوارات السياسية في العاصمة السعودية الرياض بهدف الاتفاق على حلول للقضايا الخلافية التي جمّدت عملية إشهار التحالف الوطني الواسع في وقت سابق، وعودة المكونات السياسية لمحاولة إيجاد تحالف وطني واسع بدعم وتنسيق من قيادة التحالف العربي التي كانت سبباً في تعطيل دور الأحزاب، فوجدت نفسها في متاهات يصعب تجاوزها بدون مشاركة المكونات السياسية، وفقاً للمحللين.


وقال مصدر يمني في العاصمة السعودية الرياض طلب عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد" إن "خيار إشهار تحالف وطني واسع يضم القوى السياسية والاجتماعية كافة، أصبح ضرورة حتمية لاستعادة الدور الحيوي والفاعل لهذه القوى"، مؤكداً أن "المكونات السياسية باستثناء المجلس الانتقالي (تحفّظ)، قرّرت إحالة وثيقة البرنامج المرحلي لهذا التحالف إلى الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لحسم القضايا الخلافية بين المكونات"، وهو ما حصل بالفعل إذ أطلع وفد من قيادات الأحزاب، هادي، في لقاء جمعهم يوم الإثنين الماضي، على مسودة وثيقة التحالف. وأوضح الوفد له نقاط التوافق والاختلاف بين المكونات السياسية التي من المقرر أن تعلن عن هذا التحالف السياسي.

وبحسب المصدر، فإن "أبرز النقاط الخلافية، تمثّلت باشتراط المجلس الانتقالي الجنوبي بالتعامل معه باعتباره الممثل الوحيد للقضية الجنوبية"، وهذا ما اعترضت عليه معظم الأحزاب والمكونات السياسية لما يترتّب عنه من نتائج سياسية. كما اعترضت بعض هذه المكونات على بعض النقاط المتضمّنة في رؤية تقدّم بها التنظيم الناصري للرئيس هادي، حدّد فيها أولويات المرحلة والمهام الأساسية التي يجب إنجازها بما يحقّق التلازم بين إنجاز مهمة إسقاط الانقلاب واستعادة الدولة وإعادة بناء المؤسسات وفق مضامين مخرجات الحوار، وتصويب الأخطاء ومعالجة الاختلال وأوجه القصور الناجمة عن غياب الرؤية المشتركة، والقيادة الموحدة من الشرعية والتحالف الداعم لها، للتعامل مع الأزمة وإدارتها.

وعارضت بعض المكونات المقترحات المتعلّقة بالتوافق على رئيس وزراء يقوم بتشكيل حكومة كفاءات بعدد لا يتجاوز عشرة وزراء من أحزاب المكونات السياسية أو من خارجها، وأن تعمل هذه الحكومة بشكل مؤسسي من العاصمة الموقّتة عدن، كون إشهار تحالف وطني من دون تشكيل حكومة مصغّرة للقيام بدور مرحلي، يعدّ غطاءً على الفساد القائم في مفصل الحكومة الحالية. وهذه النقطة اعترضت عليها بعض الأحزاب وطرحت في المقابل إجراء تعديل وزاري على الحكومة القائمة فقط.

كما اعترضت بعض الأحزاب على مقترحات في رؤية الناصري تتعلّق بتشكيل هيئة استشارية من قبل الرئاسة بالتنسيق مع التحالف الوطني، تشمل عدداً من الضباط المحترفين والمشهود لهم بالقدرة والكفاءة والمهنية، تتولى وضع إجراءات موحّدة لعملية دمج واستيعاب المجاميع المسلحة ووضع برامج موحّدة للتدريب والتأهيل والإعداد النفسي وبناء العقيدة القتالية على أساس وطني. كما تقوم هذه الهيئة بترشيح القيادات العسكرية والأمنية لشغل المواقع القيادية في الألوية العسكرية والأمنية والقيادات العليا في أجهزتها وتشكيلاتها العليا، ويكون لهذه الهيئة لجان تابعة على مستوى المركز والمحافظات تتولّى التنفيذ والإشراف على عملية الدمج والاستيعاب والتأهيل والتدريب، وطرحت الأحزاب المعترضة فكرة تفعيل مجلس الدفاع الوطني.

كما تختلف المكونات السياسية والاجتماعية حول نقطة تمّ تضمينها في وثيقة التحالف التي سيتم التوقيع عليها من قبل القوى المكونة للتحالف الوطني الواسع وستكون هذه الوثيقة بمثابة برنامج مرحلي، نصّت على" إلغاء القرارات والتعينات والتكليفات الصادرة منذ 21 سبتمبر/أيلول 2014 بالمخالفة للقانون والدستور ومخرجات الحوار الوطني والتوافق السياسي الحاكم للمرحلة"، إذ تطالب بعض الأحزاب ألا يشمل هذا النص القرارات في المناصب العليا.

كذلك تباينت مواقف الأحزاب حول مكان إشهار التحالف الوطني، إذ ترى بعض الأحزاب أن يكون في مدينة عدن أو تعز (وهذا هو الخيار المرجح وفق بيان الأحزاب الأخير)، وتقول إنه من غير المقبول أن نطالب الرئاسة بالعودة إلى الداخل، بينما تمارس الأحزاب السياسية نشاطها من خارج اليمن، فيما يرى بعضهم الآخر أن يكون إشهار التحالف من العاصمة السعودية الرياض.

وقال مصدر في الحكومة اليمنية، لـ "العربي الجديد" إن "رئيس الجمهورية تسلّم يوم الإثنين، بعد لقاء مع قيادات حزبية في العاصمة السعودية الرياض، الوثيقة المشتركة التي اتفقت عليها المكونات السياسية والاجتماعية المكوّنة للتحالف الوطني الواسع والتي تضمّنت إحالة المسائل الخلافية إلى الرئيس"، مؤكداً أن هادي "أقرّ باستيعاب ما تضمنته رؤية الناصري باستثناء ما يتعلّق بتشكيل حكومة جديدة". كما أنه رفض أن يكون المجلس الانتقالي الجنوبي ممثلاً وحيداً للقضية الجنوبية. وأكد المصدر أن الرئيس هادي استدعى أمناء عموم الأحزاب لعقد لقاء في الرياض تشارك فيه قيادة التحالف العربي لمناقشة وثيقة التحالف الوطني والبت في موضوع المجلس الانتقالي الجنوبي.

وذكر المصدر الذي فضّل عدم ذكر هويته، أن "قيادة التحالف العربي وسفراء الدول الراعية للمبادرة الخليجية وصلت إلى قناعة بضرورة وجود تحالف وطني من جميع القوى السياسية والاجتماعية، يشارك الحكومة اليمنية في إدارة الدولة وصناعة القرار السياسي والحضور الفاعل في ملف الأزمة اليمنية"، مضيفاً أنّ "قيادة التحالف تدعم توجّه مكونات إسناد الشرعية للوصول إلى اتفاق إشهار التحالف الوطني المرتقب، إلا أنّ ما يؤخّر ذلك هو المحاولات التي تبذلها قيادة التحالف العربي لإقناع الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح بالقبول بمغادرة اليمن بهدف توحيد حزب المؤتمر تحت قيادة الرئيس هادي، وتحقيق توازن بين مكونات التحالف الوطني". وكانت ألمانيا وافقت في وقت سابق على استقبال صالح في أراضيها، لكنه رفض هذا العرض قبل خلافه مع شركائه الحوثيين.