هكذا تجاوز التونسيون "الخميس الأسود"

02 يوليو 2019
استعاد التونسيون حياتهم الطبيعية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
استعاد التونسيون بسرعة توازنهم بعد صدمتين تلقوهما في 27 يونيو/ حزيران الماضي، أطلقوا عليه اسم "الخميس الأسود". الصدمة الأولى إرهابية، عبر اعتداءات ضربت العاصمة وتبنّاها تنظيم "داعش". والصدمة الثانية عندما بلغتهم أخبار الوعكة الصحية التي لا يزال يمرّ بها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي. امتصّوا الصدمة الأولى، واليوم هم يحاولون التحكّم في احتمالات التحدي الثاني الذي كشف عن سيناريوهات عديدة.

تمكّن الإرهابيون في ذلك اليوم من تنفيذ ثلاث عمليات في تونس، من بينها اثنتان نفذها انتحاريان في مكانين حيويين، لكن الحصيلة جاءت خلافاً لتوقعات من خطط ونفّذ. ضحية وحيدة تنتمي إلى المؤسسة الأمنية وستة جرحى، مقابل موت المنفذين. وأثبتت المعطيات المتوفرة أن تونس لا تزال عرضة للمخاطر الإرهابية، لكن النتائج الواقعية أكدت فشل الهجمات وعدم تمكن أصحابها من تحقيق أهدافهم. فالمؤسسة الأمنية كانت جاهزة للرد واحتواء ما حدث، كما تأكد التفاف التونسيين حولها، ورفضهم المطلق لكل الذين رفعوا السلاح في وجه الدولة منذ سبع سنوات من دون التمكن من إضعاف الدولة وقلب موازين القوى.

يمكن القول إن الدولة أصبحت قادرة على مواجهة الخطر الإرهابي بفضل جاهزية مؤسستيها الأمنية والعسكرية. وعلى الرغم من عامل المفاجأة الذي أربك الرأي العام بصفة مؤقتة، إلا أن التونسيين سرعان ما تجاوزوا الحدث، واستعادوا حياتهم اليومية. لا يعني ذلك أن الخطر قد زال، في ظلّ توترات الساحة الليبية. فالحرب الدائرة في طرابلس وحولها تشكل تهديداً فعلياً للأمن القومي التونسي. لهذا السبب قررت وزارة الدفاع منذ شهر إبريل/ نيسان الماضي تعزيز "احتياطاتها العسكرية على الحدود مع ليبيا، تحسباً لتطور الأوضاع في هذا البلد"، و"تحسباً لما قد ينتج عنه من انعكاسات على المناطق المتاخمة للحدود". في هذا السياق شرعت تونس مطلع شهر مارس/ آذار الماضي في استخدام الجزء الأول من نظام مراقبة إلكتروني. وهو المشروع الذي تم وضعه منذ سنة 2018 بدعم من ألمانيا والولايات المتحدة. مع ذلك لا يزال الخبراء التونسيون متخوفين من احتمال تدهور الأوضاع العسكرية في ليبيا، على الرغم من تمكن حكومة الوفاق الليبية من التصدي لمليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

أما الحدث الثاني الذي تزامن مع العمليات الإرهابية في العاصمة التونسية، فمتعلق بالوعكة الصحية التي تعرض لها السبسي وأجبرته على العودة من جديد إلى المستشفى العسكري. توجس التونسيون كثيراً من هذا الخبر، وخصوصاً أن البلاغ الذي صدر عن رئاسة الجمهورية وصف الوعكة بـ"الحادة". وهو ما فتح المجال لتأويلات شتى بلغت درجة ترويج إشاعة "موت الرئيس"، وتلقفها البعض ممن يعرفون بقوى الثورة المضادة، وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي وتورط بعض الصحافيين المحليين في تداولها قبل أن يتم تصحيح الخبر من قبل الجهات الرسمية.

ولّد مرض الرئيس تعاطفاً واسعاً من قبل عموم التونسيين، بمن في ذلك المختلفون معه سياسياً. ولم يسبق أن تلقى السبسي كل هذه المشاعر من قبل. شعر الجميع بمكانة الرجل وبدوره في هذا الظرف الصعب. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى أنه على الرغم من استمرار الخلافات بين الرجلين، فقد تمنى الرئيس السابق منصف المرزوقي "الشفاء العاجل لرئيس الجمهورية واستعادة صحته".

في مقابل ذلك، تخوّف التونسيون من احتمال فقدان رئيسهم وهم على أبواب تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في الخريف المقبل، ستكون مفصلية في عملية الانتقال الديمقراطي المتواصلة منذ ثماني سنوات. ويعتبر دور الرئيس محورياً في هذه الانتخابات لأنه سيعلن بعد أيام بداية تقديم قوائم المرشحين، كما أنه سيتولى التوقيع على التعديلات التي أدخلت على القانون الانتخابي. وهي التعديلات التي لا تزال تثير جدلاً واسعاً بين مختلف الأطراف التي تنتظر رأي الهيئة الموقتة المختصة في دستورية القوانين، وذلك بعد فشل البرلمان في تأسيس المحكمة الدستورية. كما أن قرارات السبسي من شأنها أن تضع حداً لمحاولات بعض الأطراف تأجيل الانتخابات. وهي الدعوة التي يصفها المختصون في القانون الدستوري بـ"الانقلاب على الدستور وعلى الديمقراطية".

ما حدث خلال الأيام الأخيرة يؤكد أنه على الرغم من المخاطر، إلا أن القطار التونسي يتقدم نحو الهدف على الرغم من سيره البطيء. تخوّف البعض من احتمال أن تتكتم الدائرة الضيقة القريبة من السبسي حول تطورات حالته الصحية، لكن المناخ الجديد القائم على الشفافية وحق المواطنين في الوصول إلى المعلومة، جعل رئاسة الجمهورية وعائلة الرئيس يتعاملان بحذر مع هذا الموضوع الحساس. ففتح المجال أمام النظر في سيناريوهات مرحلة ما بعد السبسي لا يمسّ من شخصه ولا يقلل من مكانته. فاستمرارية الدولة هي الأهم قبل كل شيء. لهذا تطرق مؤسسو الدستور إلى مختلف الفرضيات الخاصة بهذه المسألة، لكنهم ربطوها بالمحكمة الدستورية، ونظراً لغيابها يتوجه التونسيون اليوم إلى فقهاء القانون الدستوري بحثاً عن آلية بديلة، وهذه الآلية يجب أن تكون توافقية، وأن تقبل بها جميع الأطراف.

المساهمون