معركة الضالع تحدّد مصير عدن

09 مايو 2019
هناك فارق بين معارك 2015 ومعارك 2019 في الضالع(الأناضول)
+ الخط -
تفرض معركة التنافس على محافظة الضالع، جنوبي اليمن، نفسها على حسابات المتصارعين، سواء حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً، والتحالف بوجه الحوثيين من جهة، أو الإمارات وحلفائها بوجه حكومة هادي من جهة أخرى. وتمتدّ تأثيرات المعركة إلى عدن، وسط اعتقاد بأنها قد تحدّد مصير الصراع على العاصمة المؤقتة، وهو ما يجعل من المعارك التي تحصل على حدود الضالع مع محافظة إب أكثر أهمية. ويتضح مدى أهمية معركة الضالع بشكل أكبر من خلال تأثيراتها على سير الوضع في المناطق المحررة ومختلف الجبهات، لا سيما أنّ الحوثيين اختاروا مهاجمة هذه المحافظة دون غيرها من جديد، ويلقون بكل قوتهم للسيطرة عليها، لعلمهم بمدى استراتيجيتها.

وشهدت الساعات الماضية مواجهات عسكرية هي الأكثر سخونة في جبهات شمال الضالع، بين القوات المشتركة التابعة للشرعية والتحالف وبين الحوثيين، في حرب مستمرة منذ ما يقارب الشهرين على طول هذه الجبهات. فقد شنّ الحوثيون هجمات كبيرة خلال الساعات الماضية لاستعادة مناطق خسروها في حجر وحمر وقردح شمال وغرب قعطبة، كما شنوا هجومين كبيرين منفصلين على الجبهة الأكثر اشتعالاً شمال الضالع، وهي مريس.

وحاول الحوثيون شنّ هجوم كبير على جبهة مريس من الجهة الجنوبية، قبل أن يشنوا هجوماً آخر من الجهة الشرقية عبر محور القهرة دمت، لكن تم صدّ الهجومين وكسرهما. وشنّ طيران التحالف غارات استهدفت جماعة "أنصار الله" في قردح وحمر وحجر، فضلاً عن استهداف تعزيزات لها في بيت الشوكي وشخب. وتكبّد الحوثيون خسائر في الأرواح والعتاد، فيما خسرت القوات المشتركة عددا من مقاتليها في هذه المعارك، التي يسعى الحوثيون فيها لاقتحام منطقة مريس، مفتاح الضالع وإحدى أهم مناطق "المقاومة"، منذ أربع سنوات، والتي فشلوا حتى اللحظة في دخولها والسيطرة عليها. ودفع الطرفان بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى مناطق المواجهات، من مقاتلين وعتاد وآليات عسكرية.

وكان إحراز الحوثيين تقدماً غرب قعطبة الواقعة شمال الضالع، وسيطرتهم على عدد من القرى، شكّلا ناقوس خطر بالنسبة للشرعية والتحالف، خصوصاً أنّ الحوثيين دفعوا بقوات كبيرة، وفتحوا جبهات مع الضالع من إب وتعز والبيضاء، في أكبر تهديد لأكبر مخزون بشري في مناطق جنوب اليمن، ومفتاح المرور إلى قاعدة العند الجوية في محافظة لحج. كما أن الضالع تعدّ البوابة الشمالية للجنوب.

وتهدف هجمات الحوثيين الكبيرة ورمي كل ثقلهم للسيطرة على الضالع، إلى تحقيق عدد من المكاسب، أهمها تهديد المخزون البشري لكل من حكومة هادي والإمارات وحلفائها في المحافظة، وذلك لما تشكله من أهمية بالنسبة للقوات الموجودة في مناطق وجبهات جنوب اليمن، وصولاً إلى الساحل الغربي في محافظة الحديدة غربي البلاد. كما أنّ الحوثيين يسعون لتجاوز أول هزيمة لهم في الحرب المستمرة منذ العام 2015، والتي كانت في الضالع، إذ إنها أول محافظة تحرّرت من الحوثيين وهزمتهم. وفي حال تمكّن الأخيرون من تحقيق النصر، فإنّ ذلك قد يهدد قاعدة العند الجوية الاستراتيجية، إضافة إلى تهديد عدن. وفي الوقت نفسه، تساعد المعارك في المحافظة الحوثيين على سحب ولو كان جزءا من قوات حكومة هادي والتحالف من الساحل الغربي في الحديدة إلى جبهات الضالع.

يقول أحد الخبراء العسكريين اليمنيين في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الحوثيين يسعون لقطع خطوط إمداد جبهات محافظة إب وتأمينها، بعد تهديدها من قبل حكومة هادي والتحالف، وذلك نظراً لأهميتها الاستراتيجية وتأثيرها على خارطة الصراع العسكري. لذلك، فبقدر ما هي محاولة من الحوثيين للعودة ومهاجمة الجنوب من بوابته الشمالية، فإنّها أيضاً عمل عسكري لتأمين إب.

في المقابل، فإنّ معركة الضالع تلقي بظلالها أيضاً على الصراع القائم على عدن بين "الشرعية" من جهة والإمارات وحلفائها في المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة ثانية. وقد بدا واضحاً أنّ موقف حكومة هادي من هجمات الحوثيين على الضالع، أربك الإمارات وحلفاءها، إذ تململت قوات الحكومة في البداية في التعامل مع الهجوم الكبير للحوثيين، واكتفت بتصريحات إعلامية متفرقة. ويبدو ذلك مبرراً، إذ إنّ الضالع هي الخزّان البشري لخصوم "الشرعية" في مناطق سيطرتها، والإمارات تعتمد عليها لبسط نفوذها في مناطق جنوب اليمن، فضلاً عن اعتمادها على الموالين لها في المحافظة للتوسّع ومواجهة نفوذ الحكومة. وتقول مصادر عسكرية خاصة في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الإمارات تمكّنت من تجنيد ما بين 40 ألفاً إلى 50 ألف شخص من الضالع وحدها، وهذا العدد قد يزيد، فيما يتواجد هؤلاء في معظم المناطق المحررة، وتتركز الأغلبية منهم في عدن.

لذلك، فإنّ عودة الحوثيين لمهاجمة الضالع ستكون تهديداً للإمارات ولحلفائها، وهي بمثابة اختبار لجدية العلاقة والتحالف بين أبو ظبي والمجلس الانتقالي الجنوبي، إذا ما كان تحالفاً حقيقياً أو أنّ الأخير مجرّد أداة من أدوات الإمارات فقط. وقد سارع المجلس الانتقالي إلى إرسال قوات كبيرة من الموالين له إلى الضالع، وحاول إقناع الإمارات بدعمه، وتبني هذه الجبهة عبر المساندة الجوية والعسكرية. وفي الوقت الذي يتخوّف الحليفان فيه من أن سحب قوات من عدن يخدم الحكومة في بسط نفوذها، إلا أنهما يحتاطان بشأن عدم الهزيمة في الضالع، ويدفعان بقوات كبيرة للظفر بالنصر لما قد يؤثر ذلك على المشهد في المناطق المحررة، خصوصاً على وضعهما في عدن.

ووفق مصادر عسكرية تحدّثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ الإمارات وحلفاءها يدركون أنّ خسارتهم الحقيقية ليست في سحب قواتهم من عدن، بل في خسارتهم معركة الضالع، لأنها قد تضعف دورهم في الجنوب، وتهدد العلاقة فيما بينهم، وهو ما قد يساعد الحكومة على مدّ نفوذها أكثر، مستغلةً ضعف خصومها. غير أنّ الهزيمة ستؤثّر حتماً على الحكومة أيضاً وتضعفها أمام الحوثيين. لذلك، بدأت الأخيرة تتدارك الوضع وتسعى لأن تكون جزءاً من المعركة، وقد دفعت بقوات من المنطقة العسكرية الرابعة ومن قوات الحماية الرئاسية إلى جبهات الضالع خلال الأيام الأخيرة، لعدم ترك ساحة المعركة للإمارات وحلفائها.

وكان الصراع القائم بين الحكومة والإمارات في عدن قد أثّر بشكل كبير على الضالع، حيث بات ينظر الكثيرون في الجنوب إلى المحافظة على أنها باتت بفضل وقوفها خلف الإمارات، ظالمة بعد أن كانت مظلومة، وتحوّلت إلى أداة لأبو ظبي تمارس القمع ضدّ خصوم الأخيرة من الجنوبيين.
وهناك فرق بين معارك 2015 ومعارك 2019 في الضالع. ففي بداية الحرب لم تكن المحافظة لديها الإمكانات الموجودة من سلاح وقوات مدربة فضلاً عن آليات عسكرية حديثة، كما أنها ليست محاصرة اليوم كما كانت في الحرب الأولى، عندما فرض الحوثيون عليها حصاراً من جميع الجبهات، وتمكنت رغم ذلك من هزيمتهم.

المساهمون