العراق: مشروع "التسوية التاريخية" في موت سريري

12 يناير 2017
الدمار الذي لحق بأحد أحياء الموصل(ديميتار ديلكوف/فرانس برس)
+ الخط -
بعد نحو شهرين على إطلاق مشروع التسوية السياسية في العراق من قبل زعيم "التحالف الوطني"، عمار الحكيم، والذي يهدف إلى تصفير الأزمات وفتح حوار مع قوى عراقية معارضة خارج البلاد، يواجه المشروع موتاً سريرياً بعد تعرضه لنكسات كبيرة. فـ"التحالف الوطني" الذي من المفترض أن يكون الراعي الأول له، يشهد تباينات داخلية بشأنه، في حين رفضت قوى سياسية عديدة، من خارج هذا التحالف، صيغة مبادرة التسوية والنقاط الموجودة فيها.

وذكرت مصادر سياسية مقربة من "التحالف الوطني" أن "مشروع التسوية السياسية وصل إلى طريق مسدود بسبب خلافات بشأنه تعصف بالتحالف الوطني نفسه قبل غيره".

وقال مصدر لـ"العربي الجديد"، إن الاجتماع الأخير للتحالف تناول مشروع التسوية، وكانت كتلة "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، فضلاً عن كتلة "بدر"، بزعامة هادي العامري، وكتلة "الفضيلة" وكتلة "الصدر" رافضة للمشروع، لأسباب تختلف بين كتلة وأخرى. وأكد أن "المالكي اعتبرها تسوية غير مجدية وقد تذهب بتضحيات 13 عاماً من تأسيس الدولة التي كانوا يطمحون لها"، وفقاً للمالكي. ولفت المصدر إلى أن كتلة "الفضيلة" اعتبرت التسوية محاولة لكسب انتخابي لصالح كتلة المجلس الأعلى الذي يترأسه عمار الحكيم نفسه.

في المقابل، تابع المصدر، أن أغلب قوى المعارضة التي تم التواصل معها في الأردن أو في عاصمة كردستان العراق، أربيل، رفضت الكثير من بنود التسوية وطالبت هي الأخرى بأن تقدم ورقتها الخاصة، مع أنها وافقت من حيث المبدأ على التسوية، بحسب المصدر. وأضاف أن "المشروع وحراكه وصل لطريق مسدود في الوقت الحالي"، لكنه أكد أن بعض الشخصيات التي تواصل معها الحكيم، والتي تقيم في الخارج، أبدت ترحيبها بالخطوة.

ومنذ الاجتماع الأخير الذي عقده الحكيم مع "اتحاد القوى" الذي يمثل أطرافاً سنية في منزل رئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري، لم يطرأ أي تغيير على الموقف السني الذي كان يطالب بمنحه وقتاً إضافياً لبلورة ورقة خاصة وتوسيع جبهة المشاركين ومشاركة الأمم المتحدة لضمان نجاح هذا المشروع. وبعد أيام من الاجتماع المذكور، وجهت المرجعيات الشيعية رسالة اعتبرت سلبية ضد مشروع التسوية. وكشف حزب "الدعوة" الحاكم ومن ورائه رئيس الوزراء، حيدر العبادي، عن مشروع خاص يعكف على إعداده لمرحلة ما بعد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، من دون الإعلان عن تفاصيله، كما ينتظر حزب "الدعوة" تغيير أغلب وجوه القوى السنية في العملية السياسية بعد الانتخابات التشريعية المقبلة.

إلى ذلك، أكد النائب في كتلة "دولة القانون"، عباس البياتي، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أن "مشروع التسوية يتجه نحو الفشل بسبب طرحه في توقيت سيئ"، كاشفاً عن أن المتحمسين للمشروع لا يؤيدون الحديث في التسوية إلا بعد تحرير مدينة الموصل، شمال العراق. وأشار إلى أن العبادي لم يؤمن بالتسوية السياسية، ويبحث عن مصالحة مجتمعية بين العشائر والسكان بعد الخلاص من "داعش".

أما القوى السنية فقد وجهت انتقاداتها لـ"التحالف الوطني" للقوى الشيعية، وطالبته بتوحيد موقفه قبل أن يقوم بعرض التسوية على الفرقاء السياسيين. وقالت النائبة عن تحالف "القوى العراقية" السنية، انتصار الجبوري، إن "تحالف القوى يشعر بوجود انقسام كبير داخل التحالف الوطني من خلال ملاحظات الزعيم مقتدى الصدر". وأضافت في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التسوية ولدت ميتة لأنها عاجزة عن حل أزمات كثيرة تواجه البلاد منذ سنوات".

وأعلن النائب كاظم الشمري، عضو ائتلاف "الوطنية" الذي يتزعمه نائب الرئيس العراقي، إياد علاوي، رفض ائتلافه مشروع التسوية السياسية، لأنها لن يكتب لها النجاح لجملة من الأسباب، منها عدم استقلال القائمين عليها وغياب الرؤية الحقيقية للمشروع وعدم إعلان الأطراف التي ستتم معها التسوية. وأكد أن التسوية السياسية وفي حال كتب لها النجاح وتم تطبيقها فلن يتعدى ذلك الأشهر، معتبراً أنه بعد الانتخابات ستبرز الاستحقاقات ويحصل الخلاف وعودة العملية السياسية في العراق إلى المربع الأول، وهذا ما تخشاه القوى السنية، بحسب قوله.

وتنص ورقة التسوية المطروحة التي تم تسليمها للأمم المتحدة كراع لها، على جملة من البنود التي تهدف إلى إنهاء الحالة الصراعية في العراق، والمستمرة منذ نحو 13 عاماً، وذلك من خلال عدة اتفاقات مكتوبة بين الأطراف المتناحرة في ظل ضمانات أممية.

وسخر ائتلاف "العربية" الذي يتزعمه نائب الرئيس العراقي السابق، صالح المطلك، الأسبوع الماضي، من مشروع "التسوية التاريخية" التي أطلقها عمار الحكيم، داعياً لعقدها مع تنظيم "داعش" إذا ما استمر مطلقوها في مطالبتهم أطراف التسوية بوقف السيارات المفخخات. وأعلن ائتلاف المطلك في بيان، أنه "طالما أكدنا أن التدهور الأمني الذي شهده العراق كان نتاج البناء الخاطئ للأجهزة الأمنية والاستخباراتية والسياسات الحكومية الخاطئة التي جعلت المجتمع العراقي بيئة هشة استغلتها التنظيمات الإرهابية، ومجاميع الجريمة المنظمة، والخارجين على القانون". وبيّن أن التسوية يجب أن تعمل على تصحيح جميع الأخطاء السابقة، وإنهاء الثقافة التي تتهم مكونات مجتمعية بالإرهاب.

وأشار البيان إلى أن حديث الحكيم عن أن لا تسوية إلا بعد انتهاء "المفخخات" يمثل اتهاماً لأطراف مشمولة بالتسوية بمسؤوليتها عن الإرهاب الذي استهدف الواقع العراقي. ورأى ائتلاف "العربية" أن هذا الأمر يؤكد استمرار منهجية الاتهامات والتشكيك بالآخر التي لا تزال تسيطر على عقلية الكثيرين، على حد وصفه. ولفت إلى أن من يريد إيقاف المفخخات عليه أن يعتمد على ضباط أكفاء ومهنيين لحفظ الأمن والاستقرار، وانتهاج سياسة صحيحة بشأن بناء الأجهزة الأمنية، وبخلاف ذلك فعلى من يريد التسوية لإنهاء المفخخات التوجه نحو تنظيم "داعش" والعصابات الإرهابية ليتفق معهم على تسوية، وفق تعبيره. وأكد أن إرهاب "داعش" استهدف المحافظات الغربية، ونتج عن ذلك تدمير للأرض، ونزوح قرابة أربعة ملايين شخص.
المساهمون