نقل السفارة الأميركية: أدوات السلطة الفلسطينية للمواجهة بلا فعالية

14 مايو 2019
لم يكن التحرك الشعبي بحجم القرار الأميركي(جعفر اشتيه/فرانس برس)
+ الخط -
بعد عام على نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، يحتفل الاحتلال الإسرائيلي بما يعتبره "إنجازاً" تحقق بدعم أميركي غير مسبوق في ظل إدارة دونالد ترامب. في المقابل، تتكرر الإدانات الفلسطينية للقرار، لكنها تصدر مثقلة بالانقسام الداخلي وتراجع الدعم العربي واستشراء الضغوط الاقتصادية من قبل الاحتلال والسياسية من قبل الولايات المتحدة، التي تحاول فرض خطة الإملاءات لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، وسط تساؤلات حول مدى قدرة السلطة الفلسطينية على التأثير أو التغيير في المشهد القائم والموقف الأميركي الذي يزداد انحيازاً للاحتلال، ومدى نجاعة الأدوات التي تستخدمها، لا سيما في ظل استمرار رهانها على الحراك الدبلوماسي الدولي، على الرغم من إقرارها بأن الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل عمدت إلى خطوات غير مسبوقة في خطورتها، تتمثل في تجاوز حل الدولتين ومحاولة تصفية قضايا الحل النهائي (اللاجئين، وحق العودة، والمستوطنات والقدس والدولة والحدود) واستبدال مرجعيات الصراع السياسي بمرجعيات الصراع الديني.

وترى أوساط سياسية تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن الوضع الفلسطيني يمر بأسوأ مراحله، إذ تسود حالة من الترقب والانتظار على المستوى الرسمي، الذي واجه نقل السفارة وقبلها الاعتراف الأميركي بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل بتحركات دبلوماسية إقليمية ودولية، وسط إقليم غارق في نزاعاته ومشاكله الداخلية، وحالة الاستقطاب والتحالفات العربية التي أصبحت إسرائيل جزءاً منها ضد إيران، وتطبيع عربي لم يعد خجولاً أو مستتراً.
وتشير هذه الأوساط إلى أن القيادة الفلسطينية "لا تمتلك خطة سياسية حقيقية داخلية وخارجية لمواجهة نقل السفارة الأميركية إلى القدس وغيرها من الإجراءات الأميركية وقبلها الإسرائيلية، إذ ما زالت تركز على الإنجازات الخارجية عبر الحراك الدبلوماسي الدولي الذي تراهن عليه منذ أكثر من عقد، من دون نتائج تُذكر، في حين أدارت ظهرها للشارع الفلسطيني الذي زادت الهوة بينه وبين قيادته، ما يفسر عدم قدرة الأخيرة على تعبئة الشارع ضد القرارات الأميركية والإسرائيلية بالمستوى المطلوب".

في المقابل، يؤكد مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الخارجية والدولية، نبيل شعث، لـ"العربي الجديد"، أن "القيادة الفلسطينية لديها خطة وتقوم بتنفيذها، ونجحت هذه الخطة حتى الآن".
ويوضح شعث كيف واجهت القيادة الفلسطينية نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة وقبلها الاعتراف الأميركي بالمدينة المحتلة عاصمة لإسرائيل، قائلاً: "لقد واجهت القيادة الإجراءات الأميركية بالرفض الكامل والمطلق وغير المتردد، ولم ندع فرصة لأحد أن يعتقد أن القيادة مترددة وتفكر ويمكن أن تقرر لاحقاً، أو أننا ننتظر أن نرى النص النهائي لصفقة القرن، وكان الرئيس محمود عباس واضحاً بأنه لا يريد دوراً أحادياً للولايات المتحدة مسيطراً ومهيمناً على عملية السلام". ويضيف: "هذا الرفض الكامل والواضح كان له مفعول بعدم وقوف أي دولة عربية إلى جانب هذا المشروع، ولا توجد دولة أجنبية قالت إنها مع صفقة القرن غير إدارة ترامب، وهذا نتيجة الموقف الحاسم الواضح من قيادة منظمة التحرير".

ويرى شعث أن القيادة الفلسطينية ترجمت رفضها في المحافل العربية والإسلامية والدولية، شارحاً أن "القيادة الفلسطينية ترجمت هذا الرفض إلى حراك، في القمتين العربيتين اللتين عُقدتا في السعودية وتونس وفي القمة الإسلامية، وعبر حراك مكثف على مستوى كل دول العالم، شرحنا خلاله لماذا نرفض هذه الصفقة، وفي المقابل أوضحنا ما نحن مستعدون للقيام به من أجل السلام، وهو مؤتمر متعدد الأطراف ينبثق عن الأمم المتحدة ويلتزم بحقوقنا وحل الدولتين"، مشدداً على "أننا لم نكن سلبيين بالوقوف ضد أي عملية سلام، لكن ما يقترحه ترامب مرفوض".


وفي استعراضه لخطوات القيادة الفلسطينية، يقول شعث "تصدينا لكل محاولات التطبيع، وكان هناك ضغط من الولايات المتحدة التي روّجت أن هذه فرصة لخلق علاقات إيجابية مع إسرائيل، التي ستتحالف مع بعض الدول العربية ضد إيران، لكن القيادة الفلسطينية وقفت بشجاعة ووضوح تام أمام التطبيع العربي، وكل هذه الخطوات كان لها أثرها".
ويشدد شعث على أنه "لدينا خطة ونقوم بتنفيذها، ونجحت هذه الخطة، فعلى الرغم من كل الضغوط والإغراءات الأميركية لا يوجد أي موقف عربي يقول نحن نتبنّى صفقة القرن، وبالتالي أرى أن حراكنا العربي كان إيجابياً وأنتج قمتين، قمة الظهران وكانت تسميتها قمة القدس وقرارها: لا يمكن فرض أي حل لقضية الشرق الأوسط لا يقبل به الشعب الفلسطيني بكامله، وقمة تونس خرجت بقرارات واضحة ضد التطبيع وضد القبول بالمشروع الأميركي، والقمة الإسلامية الشيء نفسه"، مضيفاً "لا أرى احتمال أن ينجح ترامب في إغراء القيادات العربية أو بعضها في تبنّي صفقة القرن، ونحن نمشي في الطريق الصحيح لمواجهة ترامب".
ويتمسك شعث بأن القيادة الفلسطينية تمتلك خطة متكاملة لمواجهة "صفقة القرن"، مضيفاً "طرحتُ برنامجاً من أربع عشرة نقطة (تمثل رؤية القيادة لهذه الخطة)، أبرزها أن التصدي للإجراءات الأميركية وصفقة القرن يتطلب وحدة فلسطينية كاملة وعودة للديمقراطية الانتخابية، وإعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني وتحقيق المزيد من الاستقلال له عن الاقتصاد الإسرائيلي، وإعادة النظر في اتفاقية أوسلو ونتائجها".

ويبدو التقاطع الكبير بين ما يطرحه شعث وقرارات المجلسين الوطني والمركزي التي لم تنفذ حتى الآن، على الرغم من أن الإعلان عنها قد بدأ في ربيع العام 2015، والذي شهد لأول مرة الحديث عن وقف التنسيق الأمني في المجلس المركزي. ويعلّق شعث على ذلك بالقول: "هناك ضرورة لتطبيق كل ما توصلنا إليه من قرارات في المجلسين الوطني والمركزي، فضلاً عن ضرورة الاستمرار في محاولة تحقيق الوحدة الوطنية".

خطة القيادة السياسية لا يوازيها أي حراك في الشارع الفلسطيني، بل تبدو الفجوة كبيرة ما بين القيادة والشارع في مواجهة الإجراءات الأميركية. وتقول مصادر لـ"العربي الجديد"، إن هناك انتقادات حادة في الأطر الداخلية لحركة "فتح"، تناقش ضعف الشارع وعدم قدرة الحركة على تعبئته ودفعه للخروج بمسيرات غاضبة، سواء ضد الإجراءات الأميركية المتعلقة بالاعتراف بالقدس، أو نقل السفارة الأميركية، أو ضد قرصنة الاحتلال عائدات الضرائب الفلسطينية والتي خلقت أزمة اقتصادية ترتب عليها صرف 50 في المائة من رواتب موظفي السلطة طيلة الأشهر الثلاثة الماضية.
وتلفت المصادر إلى أن "هناك أسئلة مستحقة تتم إثارتها، مثل لماذا يصطف الشارع بالمئات والآلاف ضد قانون الضمان الاجتماعي ونجح بإسقاطه، وتستمر فعاليات الموظفين الذين تم فرض التقاعد القسري عليهم منذ أكثر من عام، فيما لم تنجح فتح والفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة في تعبئة الشارع للخروج بالمستوى نفسه ضد الإجراءات الأميركية؟".

وعن سبب عدم قدرة "فتح" على تحريك الشارع، يقول عضو اللجنة المركزية للحركة، مسؤول الملف العربي والصين فيها، عباس زكي، إنه "في ظل تسوية أوسلو، تحريك الشارع ليس أمراً سهلاً، وهناك مشكلة في غياب الوحدة، وغياب مفهوم سياسي مشترك، وغياب المصطلحات الثورية، وهناك من بات معرضاً للاعتقال إذا وصف الاحتلال بـ(العدو)، وهناك من يطلق على الاحتلال الطرف الآخر". ويضيف في تصريح لـ"العربي الجديد": "إذا أردنا للشارع أن يلتهب، يجب أن نقرر، بما أننا أعطينا السلام كل شيء، يجب أن نعطي الخيارات الأخرى المفتوحة ما لدينا أيضاً".

من جهته، يقول منسق القوى الوطنية والإسلامية في محافظة رام الله والبيرة، عصام بكر، لـ"العربي الجديد"، إن "التحرك لم يكن يرتقي لما جرى من نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، والتحركات كانت خجولة، كانت هناك بعض الفعاليات المتنوعة والمتقطعة في بداية نقل السفارة ولكنها لم تشهد استمرارية في هذا الفعل". ووفق بكر، فإن ذلك يعود إلى أسباب عدة، منها "الحالة السياسية المركّبة للنظام السياسي الفلسطيني، من جهة هناك الانقسام الفلسطيني الداخلي، ومن جهة أخرى هناك فجوة بين مكوّنات النظام السياسي الفلسطيني والجماهير والقطاعات الشعبية المختلفة، ما أثّر على إمكانية استدامة هذه الفعاليات".

ويضيف بكر: "نحن أمام حالة عدم الثقة ما بين النظام السياسي بكل مكوّناته والجماهير الفلسطينية، وحالة الترقب والانتظار التي تتسم بها الحالة الفلسطينية على مدار السنوات الماضية، بدل أن تكون هناك مبادرة لفعل جماهيري للمواجهة". ويتابع: "كان يجب على القوى الوطنية والإسلامية أن تكون متسلحة بقرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، هذه القرارات التي تحدثت عن رفض كل الإجراءات الأميركية، لكنها لم تنفذ حتى الآن".