يسأل الجزائريون في عز الأزمة الوبائية، كيف يمكن صب مقدار من الديمقراطية في كيس طحين وكمية من الحريات في كأس حليب؟ وبشكل أكثر وضوحاً، يخاطب أحد سكان منطقة البليدة المعزولة بسبب وباء كورونا الحكومة "تملكون القوة وتحسنون استعمالها فقط لقمعنا، لكنها تغيب عندما نكون في أمسّ الحاجة إليها".
يقارن هذا المواطن بين قوة الدولة في صيغتها الأمنية، وبين قوة مؤسساتها الحكومية المفترض أن تقوم على رعاية المواطنين وتوفير حاجياتهم التموينية، خصوصاً في عز الأزمة الوبائية، وفاعلية مؤسسات التمثيل الديمقراطي (المجالس المنتخبة والبرلمان). في الغالب كان مفهوم قوة الدولة في الجزائر محصوراً في نطاق استخدام ما يسمى (العنف الشرعي) لقمع التظاهرات وملاحقة المعارضين للسلطة والمعارضين للسرد والرواية الرسمية، أكثر منها لتطبيق القانون وحسن تسيير المال والشأن العام ومنع النهب المنظم، بل إن الحكومة في حد ذاتها تحوّلت إلى شبكة من المخربين (33 وزيراً ملاحقاً و28 في السجون).
المشكلة أن الجزائريين لم يحصلوا على الدولة الرادعة التي تمنع نهب المال العام، ولا على الدولة الراعية التي توفر لهم الغذاء، لا على الديمقراطية الموعودة ولا على كيس طحين وكأس حليب. مع كل مرحلة كان كأس الجزائريين من الديمقراطية والتمثيلية يملأ بالهواء والريح، فقد كانت هذه الكأس مثقوبة فلم تمتلئ قط، ولا قاعدتها حتى، وفي كل مرحلة تستعيد المدن الجزائرية طوابير تعيد إلى الذاكرة صور أزمة ندرة المواد التموينية خلال الأزمة النفطية عام 1986، كما يحصل الآن مع طوابير الطحين (وبالمناسبة لا تحترم فيها حتى تدابير الوقاية).
في الأزمة يظهر الفرق والفارق بين الدولة القوية وقوة الدولة، وبين التدبّر الحكومي لحل الأزمة وملاحقة آثارها المترتبة في حياة المواطنين، وبين مسايرة الأزمة ومعايشتها كيفما كانت، لأن الدولة التي تسقط في امتحان توزيع الطحين على المواطنين والكمامات للأطباء، تصغر كثيراً في عين المواطن وتصغر أكثر في عين الطبيب، خصوصاً عندما يشاهد مواطن في مدينة مثل البليدة وأحمر العين قرب العاصمة الجزائرية رئيس الحكومة يزور المستشفى ومؤسسات خدمية، ولا يتفقد الإنسان الذي في المدينة ليسأل عن أحواله.
في الجزائر لا تملك السلطة الكثير من الخيارات بشأن توفير قوت الناس، لم يكن قط الاقتصاد الجزائري، الذي يرضع من معين واحد هو النفط، مؤهلاً لمواجهة أزمة كهذه، لكنها ربما انتبهت إلى أن ثمة خللاً في الأساس القاعدي للديمقراطية نتيجة التزوير المستمر لانتخابات المجالس المحلية، فقررت العودة إلى الديمقراطية البسيطة (اللجان الشعبية في الأحياء لإدارة الأزمة). يُفترض أن يعطي ذلك السلطة قناعة تامة بالتوبة عن التزوير وترك الجزائريين يختارون ممثليهم في البلديات.
ثمة بُعد آخر للأزمة الوبائية التي نزلت على الأنظمة الشمولية كلقمة سائغة، تدابير مواجهة الوباء تمنح هذه الأنظمة المفعمة بالعقل الأمني كالجزائر فرصة تمرين ثمينة لكيفية استعادة السطوة على الفضاء العام وتقييد الحريات العامة ولجم المعارضين، بعد فترة ارتجاج، بمبرر الحفاظ على الصحة العامة، وكذلك إزاحة كل المساحيق الديمقراطية والتفرد بالقرار بعيداً عن رقابة البرلمان الذي دخل في عطلة أمومة مبكرة والأحزاب التي أخلت الساحة، ويُخشى أن تقرأ السلطة من كل دروس الوباء هذا الدرس فقط.
يقارن هذا المواطن بين قوة الدولة في صيغتها الأمنية، وبين قوة مؤسساتها الحكومية المفترض أن تقوم على رعاية المواطنين وتوفير حاجياتهم التموينية، خصوصاً في عز الأزمة الوبائية، وفاعلية مؤسسات التمثيل الديمقراطي (المجالس المنتخبة والبرلمان). في الغالب كان مفهوم قوة الدولة في الجزائر محصوراً في نطاق استخدام ما يسمى (العنف الشرعي) لقمع التظاهرات وملاحقة المعارضين للسلطة والمعارضين للسرد والرواية الرسمية، أكثر منها لتطبيق القانون وحسن تسيير المال والشأن العام ومنع النهب المنظم، بل إن الحكومة في حد ذاتها تحوّلت إلى شبكة من المخربين (33 وزيراً ملاحقاً و28 في السجون).
المشكلة أن الجزائريين لم يحصلوا على الدولة الرادعة التي تمنع نهب المال العام، ولا على الدولة الراعية التي توفر لهم الغذاء، لا على الديمقراطية الموعودة ولا على كيس طحين وكأس حليب. مع كل مرحلة كان كأس الجزائريين من الديمقراطية والتمثيلية يملأ بالهواء والريح، فقد كانت هذه الكأس مثقوبة فلم تمتلئ قط، ولا قاعدتها حتى، وفي كل مرحلة تستعيد المدن الجزائرية طوابير تعيد إلى الذاكرة صور أزمة ندرة المواد التموينية خلال الأزمة النفطية عام 1986، كما يحصل الآن مع طوابير الطحين (وبالمناسبة لا تحترم فيها حتى تدابير الوقاية).
في الأزمة يظهر الفرق والفارق بين الدولة القوية وقوة الدولة، وبين التدبّر الحكومي لحل الأزمة وملاحقة آثارها المترتبة في حياة المواطنين، وبين مسايرة الأزمة ومعايشتها كيفما كانت، لأن الدولة التي تسقط في امتحان توزيع الطحين على المواطنين والكمامات للأطباء، تصغر كثيراً في عين المواطن وتصغر أكثر في عين الطبيب، خصوصاً عندما يشاهد مواطن في مدينة مثل البليدة وأحمر العين قرب العاصمة الجزائرية رئيس الحكومة يزور المستشفى ومؤسسات خدمية، ولا يتفقد الإنسان الذي في المدينة ليسأل عن أحواله.
في الجزائر لا تملك السلطة الكثير من الخيارات بشأن توفير قوت الناس، لم يكن قط الاقتصاد الجزائري، الذي يرضع من معين واحد هو النفط، مؤهلاً لمواجهة أزمة كهذه، لكنها ربما انتبهت إلى أن ثمة خللاً في الأساس القاعدي للديمقراطية نتيجة التزوير المستمر لانتخابات المجالس المحلية، فقررت العودة إلى الديمقراطية البسيطة (اللجان الشعبية في الأحياء لإدارة الأزمة). يُفترض أن يعطي ذلك السلطة قناعة تامة بالتوبة عن التزوير وترك الجزائريين يختارون ممثليهم في البلديات.
ثمة بُعد آخر للأزمة الوبائية التي نزلت على الأنظمة الشمولية كلقمة سائغة، تدابير مواجهة الوباء تمنح هذه الأنظمة المفعمة بالعقل الأمني كالجزائر فرصة تمرين ثمينة لكيفية استعادة السطوة على الفضاء العام وتقييد الحريات العامة ولجم المعارضين، بعد فترة ارتجاج، بمبرر الحفاظ على الصحة العامة، وكذلك إزاحة كل المساحيق الديمقراطية والتفرد بالقرار بعيداً عن رقابة البرلمان الذي دخل في عطلة أمومة مبكرة والأحزاب التي أخلت الساحة، ويُخشى أن تقرأ السلطة من كل دروس الوباء هذا الدرس فقط.