وعقدت أمس في بروكسل أعمال الدورة الخامسة للاجتماع الوزاري العربي - الأوروبي، المخصص لبحث أوجه التعاون بين الجانبين من أجل إرساء الأمن والسلم الدوليين، وتمهيداً للقمة "العربية - الأوروبية" الأولى المقررة في مصر في الـ24 من شهر فبراير/شباط الحالي. لكن الملف السوري حضر كبند رئيسي وسط رغبة أوروبية في وقف اندفاعة بعض الدول العربية تجاه التطبيع مع نظام الأسد. وعقب انتهاء أعمال الاجتماع خروج الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، ليعلن في مؤتمر صحافي، أنه لا يوجد توافق عربي على عودة سورية إلى الجامعة. من جهته، قال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، "نتشاور مع الأشقاء العرب من أجل نتيجة تضمن تطبيق القرار الدولي 2254"، في إشارة إلى القرار الذي تبناه مجلس الأمن في عام 2015، الذي اعتمد بيان جنيف ودعم بيانات فيينا الخاصة بسورية، باعتبارها الأرضية الأساسية لتحقيق عملية الانتقال السياسي.
أما وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، فشددت أمس الاثنين، على أهمية الحل السياسي في سورية، معيدة التذكير بأن الاتحاد سيعقد مؤتمراً حول مستقبل سورية في الفترة بين 12 و14 مارس/آذار المقبل في بروكسل.
من جهتهم، يجري مسؤولون أتراك، اليوم الثلاثاء، في واشنطن، مباحثات مع مسؤولين أميركيين، تتمحور حول الشأن السوري ولا سيما بعد قرار الانسحاب الأميركي. وبعدما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن أول من أمس الأحد أن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، سيعقد اليوم الثلاثاء، في واشنطن، مباحثات مع مسؤولين أميركيين، تتمحور حول الشأن السوري، أعلنت الخارجية التركية، أمس الاثنين، أن اجتماع مجموعة العمل التركية الأميركية المشتركة سيعقد في واشنطن اليوم. وقالت الوزارة في بيان إن نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال سيترأس الجانب التركي في حين سيترأس وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل وفد الولايات المتحدة بالاجتماع، من دون كشف المزيد من التفاصيل حول الاجتماع. مع العلم أن وزير الخارجية التركي أعلن أول من أمس أن تركيا تحاول التنسيق مع الولايات المتحدة حول ما ستفعله في شمال سورية بعد قرار الانسحاب الأميركي. ولفت إلى أن "الحديث في هذه الآونة يجري عن كيفية إدارة عملية الانسحاب الأميركي وتحقيق الاستقرار الدائم في سورية من خلال التنسيق مع الدول المجاورة والمعنية، بما في ذلك روسيا وإيران".
قمة سوتشي
ويشكل اجتماع قادة الثلاثي الضامن في سورية (روسيا وتركيا وإيران) في سوتشي الروسية يوم 14 فبراير/شباط، بحسب ما أعلن الكرملين، للتباحث حول العديد من الملفات السورية، مؤشراً حول مدى قدرة الأطراف الثلاثة على إيجاد حد أدنى من التفاهمات بشأن الملف السوري للمرحلة المقبلة، أخذاً بعين الاعتبار التطورات المتسارعة بعد قرار الانسحاب الأميركي. وبينما لا يتوقع أن تخرج قمة سوتشي بحلول لجميع القضايا السورية المطروحة على جدول المباحثات، تتقاطع تصريحات المسؤولين الروس والأتراك التي تفيد بالتوصل إلى حل وسط في ما يتعلق باللجنة الدستورية.
وتسعى العواصم الثلاث الى تجسير الهوة الواسعة بين رؤاها حيال الحل السياسي في سورية، إذ يتمترس كل طرف خلف ما يراه الأنسب لمصالحه في سورية التي تحولت الى مناطق نفوذ للقوى الإقليمية والدولية، في ظل العجز الواضح من قبل النظام والمعارضة عن التأثير المباشر في المشهد.
ومن المتوقع أن يكون تشكيل اللجنة الدستورية السورية المنوط بها وضع دستور سوري دائم تجري على أساسه انتخابات يأمل المجتمع الدولي أن تكون بوابة حل سياسي جاد للأزمة السورية على رأس أولويات القادة الثلاثة ولا سيما بعد المؤشرات التي تفيد بقرب الانتهاء منها، الأمر الذي يرجح الإعلان عن تشكيلتها النهائية والمتوافق عليها في ختام مباحثات سوتشي.
وجاءت الإشارة الأبرز بشأن التقدم في ملف اللجنة الدستورية على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أعلن أمس الاثنين، قرب الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية. وقال لافروف، متحدثاً أمام طلاب الجامعة الروسية في بيشكيك، إنه "بالتوازي مع محاربة الإرهاب، هناك مسار سياسي طرحت في إطاره روسيا وتركيا وإيران مبادرة لتشكيل اللجنة الدستورية السورية، بناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عقد العام الماضي في سوتشي"، مشيراً إلى أن "العمل على تشكيل اللجنة شارف على الانتهاء".
بدوره، كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أوضح الأحد الماضي، أنه تقرر تشكيل اللجنة الدستورية السورية في غضون بضعة أيام، مضيفاً "خلال الأيام القليلة المقبلة سنشكل اللجنة الدستورية السورية بمشاركة ممثلي المجتمع المدني، والنظام السوري والمعارضة، وسنقدم المساعدة في صياغة مشروع الدستور السوري". وبدت هذه الحلحلة نتيجة للمشاورات المكثفة خلال الأيام الماضية. وبينما زار وفد تركي العاصمة الروسية الأسبوع الماضي، و"عقد مباحثات إيجابية" على حد تعبير أردوغان، زار وفد روسي رفيع المستوى العاصمة الإيرانية طهران السبت الماضي للعمل على تشكيل اللجنة الدستورية السورية "وإطلاق عملها في أسرع وقت ممكن"، حسب الخارجية الروسية.
وعرقل النظام وحلفاؤه طوال الفترة الماضية تشكيل اللجنة مخافة أن تكون بداية تطبيق القرارات الدولية التي تعتبرها المعارضة مرجعاً التفاوض مع النظام وتدعو إلى انتقال سياسي جاد يرفضه النظام. ويعدّ مبدأ اللجنة الدستورية نتاج مؤتمر "سوتشي" أو ما سمي بـ"مؤتمر الحوار الوطني السوري" الذي عقد مطلع 2018 بحضور وفد موسّع يمثّل النظام والموالين له وبعضهم من قادة المعارضة المتباينة المواقف. وكان المبعوث الأممي السابق الى سورية، ستيفان دي ميستورا، قد أقرّ في الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف، بالاتفاق مع المعارضة والنظام، مبدأ التفاوض على أربع سلال، هي: الحكم، الدستور، الانتخابات، ومحاربة الإرهاب. ولكن دي ميستورا رضخ لضغوط روسية لتقديم المسألة الدستورية على ما عداها من المسائل، كما أن المعارضة لم تستطع مقاومة ضغوط إقليمية مماثلة للدخول في مفاوضات الدستور قبل الانتقال السياسي.
ويُفترض أن تتألّف اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور سوري جديد، من 150 عضواً، ثلثهم من المعارضة التي تمثّلها الهيئة العليا للتفاوض، وثلث آخر من النظام السوري، والثلث الأخير من المجتمع المدني السوري تعمل الأمم المتحدة على اختيارهم مناصفة من النظام والمعارضة، على أن يتم اختيار 15 عضواً منهم لصياغة دستور دائم لسورية.
وبقي الثلث الأخير من اللجنة الدستورية الخاص بالمجتمع المدني عنواناً للخلاف طوال الأشهر الماضية، إذ رفض النظام أي تدخّل من المبعوث الأممي في وضع أسماء مرشحي المجتمع المدني، في محاولة منه لتعطيل تشكيل اللجنة، فيما حاول الروس ترشيح أسماء تميل للنظام لضمان نسبة أكبر موالية للأخير في اللجنة، وهو ما عرقل تشكيلها حتى الوقت الراهن.
وكانت المعارضة قد قدّمت في يوليو/ تموز من العام الفائت، قائمة بمرشحيها إلى اللجنة الدستورية، وضمت ممثلين عن مكوّنات الهيئة العليا للتفاوض، من "الائتلاف الوطني السوري"، و"هيئة التنسيق الوطنية" التي ينظر إليها باعتبارها ممثلة لمعارضة الداخل السوري، ومنصتي "موسكو" و"القاهرة"، والفصائل العسكرية، ومستقلين.
بدوره، قدّم نظام بشار الأسد تحت ضغط روسي، في أواخر مايو/ أيار من العام الفائت، قائمته إلى المبعوث الأممي التي ضمّت أعضاء وفد النظام التفاوضي إلى جنيف، ما عدا رئيس الوفد بشار الجعفري، بالإضافة إلى عدد كبير من أعضاء حزب "البعث" الحاكم منذ عام 1963.
وأشار المتحدث الرسمي باسم هيئة المفاوضات السورية، يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن اللجنة الدستورية بـ"أبعادها الثلاثة جاهزة". وأوضح أنه "كانت هناك خلافات حول أسماء ستة أعضاء في اللجنة وتحديداً في الثلث الخاص بالأمم المتحدة"، قبل أن يضيف "أعتقد أنه جرت حلحلة في هذا الجانب". كما أشار إلى أنه "توجد نقاط عديدة كانت محل خلاف، خصوصاً رئاسة اللجنة وآليات عملها، وكيفية اتخاذ القرار وآلية التصويت، وأمور أخرى كانت بمثابة إضافات تعقيدية، أي أن الأمر لا يقتصر على الأسماء فقط". وأشار إلى أنه "ربما هناك حلحلة على هذا الصعيد، خصوصاً من الجانب الروسي".
وبرأيه فإن "روسيا بدأت تكتشف يوماً بعد يوم أن الحل السياسي هو الأساس في سورية، وأنها ليست قادرة على الإنجاز إلا عبر هذه البوابة، ومن هنا تنبع الحماسة الروسية لتشكيل اللجنة". وأشار العريضي إلى أن "وجود مبعوث أممي جديد (غير بيدرسون) يسهم في الدفع باتجاه تشكيل اللجنة الدستورية". وفيما ذكّر بأنه لدى بيدرسون "إحاطة" في مجلس الأمن الدولي منتصف الشهر الحالي، رجّح أن تعقد اللجنة الدستورية أولى اجتماعاتها في نهاية الشهر الحالي. لكن العريضي شدد على أن اللجنة الدستورية "لا تحل القضية السورية" أخذاً بعين الاعتبار أن "المسألة أعمق من ذلك ولا تحل إلا عبر تطبيق فعلي للقرارات الدولية بدءاً ببيان جنيف1 وانتهاء بالقرار الدولي 2254". وبالنسبة إليه لا يوجد من يمتلك القدرة على القفز فوق هذه القرارات الدولية لإنهاء الصراع في سورية.
منبج والمنطقة الآمنة
وإلى جانب اللجنة الدستورية، يتوقع أن يتوقف قادة البلدان الثلاثة المؤثرة في الصراع السوري عند مصير شمال غربي سورية على ضوء اتفاق سوتشي بين أنقرة وموسكو والذي جنب المنطقة الحرب، ولكنه بدأ يترنح أخيراً. وقد عاد النظام للتهديد والوعيد بشن هجوم على محافظة إدلب بالتوازي مع تواصل إرسال التعزيزات العسكرية إلى محيط المحافظة متخذاً من تمدد هيئة تحرير الشام التي تعتبر "جبهة النصرة" عمودها الفقري ذريعة.
كذلك ينتظر أن يبحث القادة الثلاثة عن حل يرضي الجميع لمشكلة منبج غربي نهر الفرات، والمعلقة منذ عامين، حيث يصر الجانب التركي على السيطرة عليها عقب الانسحاب الأميركي من المنطقة وذلك للقضاء على أي وجود للوحدات الكردية غربي نهر الفرات، خصوصاً أن انسحاب الوحدات من منبج يعني بالضرورة الانسحاب من مناطق شمال حلب بما في ذلك مدينة تل رفعت التي يسعى الروس إلى أن تكون من نصيب قوات النظام لتأمين الأخير أكثر في مدينة حلب.
كذلك يحضر مصير المنطقة الآمنة التي تصر تركيا على إقامتها بعمق يتراوح بين 30 و32 كيلومتراً من الحدود التركية باتجاه الداخل السوري. وقد استبق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القمة الثلاثية بتأكيده أول من أمس تمسك تركيا بإنشاء المنطقة لافتاً إلى أن أنقرة تدرج المنطقة الممتدة من مدينة عين العرب إلى مدينة القامشلي شمالي سورية.
ولا يستبعد بعضهم أن تحدث "مقايضة سياسية" بين العواصم الثلاث، حول حزمة من الملفات، حيث يبحث الأتراك عن موقف روسي وإيراني داعم لإنشاء منطقة آمنة في شمال شرقي سورية تبعد الخطر الكردي عن حدودها الجنوبية، فيما يريد الروس والإيرانيون مكاسب للنظام على الأرض في شمال غربي سورية.