دوامة الحل السياسي في ليبيا

07 نوفمبر 2019
تتواصل المعارك جنوب العاصمة طرابلس (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
"الحل السياسي للأزمة في ليبيا"، عبارة لطالما كررها وطالب بها قادة من العالم وآخرون في الداخل الليبي أيضاً، وبصيغ عديدة كـ"الحل السلمي" للأزمة وغيرها، وذلك على الرغم من أنّ آلة حرب اللواء المتقاعد خليفة حفتر تدكّ العاصمة طرابلس في كل دقيقة، ضاربة عرض الحائط بتلك المطالب.

ولكن أيّ حلّ سياسي؟ فأزمة ليبيا عمرها 42 سنة من عمر حكم الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي الاستبدادي، الذي صحر البلاد من أي كيانات أو رموز سياسية، ما أدى إلى طفح كيل الناس وخروجهم للميادين والشوارع عام 2011، وقد دفعوا ثمن تلك الشجاعة دماءً بسبب عسكرة ثورتهم. من أبرز آثار السنين الثماني التي أعقبت حكم القذافي أنّ "لا قدسية سياسية" على أحد، بما في ذلك حفتر. فعلى الرغم من امتلاكه للسلاح وفرضه قبضة أمنية جائرة مستبدة، إلا أنّ الرفض له كان ضمنياً عندما قررت القبائل ألا تكون خزاناً بشرياً جديداً لحربه على طرابلس، ويدلّ على ذلك بشكل أوضح لجوؤه للاستعانة بمرتزقة من خارج البلاد لمواصلة القتال جنوب العاصمة.

العالم كله أجمع على ضرورة التركيز على خيار الحلّ السياسي لتعقبه انتخابات ودستور، حتى البرلمان المرتهن لحفتر والأخير نفسه أيضاً. لكن أي انتخابات في ظلّ سيطرة اللواء المتقاعد بقوة السلاح على أغلب أجزاء البلاد؟

من دون شكّ أنّ تلك الدعوات كلام سياسي للبيع فقط، فالليبي جرّب الانتخابات بعد نجاح ثورته، والنتيجة كانت سرقتها. فرؤوس السلطات الثلاث، المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى والبرلمان، يراهم المواطن كمن يتفرّج على "مسرح عرائس" تنظّم حركتها بنود اتفاق الصخيرات المؤسس على المحاصصة السياسية والمناطقية، لينتهي الأمر ببقائهم رهن الخلاف على المادة الثامنة من الاتفاق، والتي تحوّلت من عرقلة لحفتر إلى هامش كبير ليتحرك بحريته حتى أصبحت كلمة ثلثي البلاد رهينة سلاحه.

وتبقى الأسئلة المبنية على واقع الليبي والتي توجه لساسة العالم عدة وأبرزها: "ما شكل الحل السياسي؟"، و"وكيف يكون حلاً سياسياً إذا لم يفضِ إلى انتخابات؟"، و"كيف للمواطن أن يحتكم إلى صندوق الاقتراع إذا لم يلبِّ مطالبه؟"، وكذلك "كيف يصار إلى صيغة وطنية موحدة تفضي إلى إجماع سياسي ومجتمعي ليبي بعد أن تشظّت البلاد إلى شرق وغرب، فيما تتصارع أعراق في الجنوب؟". والحال أنّ من صنعوا الأزمة ويدعمون قتل الليبيين أنفسهم كل يوم جنوب طرابلس، هم أنفسهم من يصنعون الحل السياسي في برلين.

هناك بعيداً في العراق، الشبيهة ظروفها بظروف البلاد هنا، تتشكّل حركة شعبية واسعة تطالب بدولة مدنية، ومن دون شكّ سيولد في ليبيا من رحم المعاناة، وإن طال الوقت كما في لبنان، حلاً سليماً وطنياً. فإرادة الشعوب لا تموت.

المساهمون