المد اليميني المتطرف يعصف بالنمسا... ويقلق الجوار الأوروبي

30 ابريل 2016
اعتبر هوفر الإسلام لا ينتمي للثقافة النمساوية(ديتر ناغل/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد جمهورية النمسا نقطة تحوّل سياسية للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على صعيد منصب رئاسة الجمهورية، الذي قد تتولاه شخصية من خارج الحزبين الرئيسيين، الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الشعب المحافظ، اللذين تراجع رصيدهما بشكل لافت، مقابل تحقيق حزب "الحرية" اليميني الشعبوي نصراً حاسماً في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد الماضي، عبر حصول مرشحه نوربرت هوفر على أكثر من 35 في المائة من الأصوات، مقابل 21 في المائة لأقرب منافسيه المرشح المدعوم من حزب الخضر الأستاذ الجامعي السابق ألكسندر فان دير بيلين.
وتتوجّه الأنظار الآن إلى الجولة الثانية من الانتخابات المقررة في 22 مايو/أيار المقبل، بعدما لم يتمكن أي طرف من حسم المعركة لصالحه بنسبة تفوق 50 في المائة من الأصوات في المرحلة الأولى، بعدما أعطى أكثر من 1,5 مليون مواطن من أصل 6,4 ملايين نمساوي أصواتهم لليمين، خصوصاً أن هناك العديد من الناخبين المترددين وبالتالي لا يمكن استبعاد المفاجآت حتى اللحظة الأخيرة.
ويبدو أن السياسات التي تحملها الأحزاب التقليدية وعدم إصغاء العديد من المسؤولين الأوروبيين إلى مطالب مواطنيهم، سمحت لليمين المتطرف باستمالة عدد كبير منهم، فيما يبقى الخوف من أن تواصل هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة تمددها في البلدان الأوروبية، ما يهدد بتداعيات خطيرة. ويرى مراقبون أن وصول مرشح رئاسي من غير الأحزاب التقليدية، دليل على فشل الحكومة الائتلافية المكوّنة من الحزبين الرئيسيين في البلاد، وعدم قدرتها على تحقيق إنجازات ونقمة النمساويين عليها بعدما وصلت معدلات البطالة إلى أعلى مستوياتها منذ عقود.
ويبقى الخوف من انسحاب التحوّل السياسي المتوقّع في النمسا إلى الدول المجاورة، من ألمانيا وبولندا إلى سويسرا والدانمارك وهولندا، وهو ما يشير إليه مراقبون، معتبرين أنه في حال تمكّن المرشح هوفر الذي يمثل الجناح الليبرالي لليمين المتطرف من الوصول إلى الرئاسة، فإن هذا الأمر سيشكّل ضربة قوية للمستشار الحالي فارنر فايمان الاشتراكي الديمقراطي، والذي تمتد ولايته حتى العام 2018.
هذه النتيجة ألقت بصداها لدى الجارة الألمانية، إذ عبّر عدد من السياسيين الألمان عن قلقهم من نتائج الانتخابات النمساوية، مشيرين إلى ضرورة منع المرشح اليميني نوربرت هوفر من الفوز بالمنصب وبالتالي ضمان وصول المرشّح الذي يحظى بدعم حزب "الخضر" في الجولة الثانية. واعتبروا أن الجولة الأولى يجب أن تكون "بمثابة صرخة معركة"، علماً أن "اليمين الشعبوي" كان قد ارتكز في حملته على مناهضة اللجوء واللاجئين، واللعب على وتر المخاوف من الإسلام والمسلمين.
وفي هذا الإطار، قال نائب رئيس الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" في ألمانيا رالف ستيغنر، لصحيفة "شتوتغارت تسايتونغ"، إن النجاح الانتخابي الذي حققه الحزب اليميني في النمسا "دعوة لأوروبا إلى الاستيقاذ، وعلينا منع تحقيق نتائج مماثلة في ألمانيا"، مضيفاً: "ما يحدث في النمسا يمكن أن يهددنا في ألمانيا قريباً". فيما دعا ساسة آخرون إلى ضرورة تقييم نتائج انتخابات فيينا، وهي دليل على تنامي قوة اليمين المتطرف بعدما حمل شعارات الخوف على الحقوق في ألمانيا وأوروبا.


وقاد المرشح اليميني المتطرف نوربرت هوفر، حملته متحاملاً على الإسلام، الذي اعتبره لا ينتمي إلى الثقافة النمساوية، واصفاً حركة اللاجئين بالغزو من قِبل المسلمين. وعندما سئل عما إذا كان الإسلام جزءاً من النمسا، أجاب بالنفي، مشيراً إلى أن "هذه هي الحقيقة بكل بساطة". كما دعا إلى وقف الهجرة ووقف تأثير الاتحاد الأوروبي على بلاده بشكل جذري، مطالباً باستبعاد العمال الأجانب من النظام الاجتماعي. وليس من المستبعد في حال فوزه أن يعمد هوفر إلى إقالة الحكومة الحالية، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة إذا امتنعت الأكثرية عن التقيّد بتوجيهاته بذريعة الإصلاح.
وهوفر (45 عاماً)، مهندس ميكانيك طيران يعاني من إصابة في العمود الفقري نتيجة حادث سقوط طيران شراعي قبل 13 عاماً، أجبره على الاستعانة بكرسي متحرك لعدة أشهر، قبل أن يتخطى إصابته، على الرغم من أنه لا يزال يعاني من صعوبة في المشي، ويستخدم العكاز خلال تنقلاته.
في المقابل، يعمل المرشح المنافس بيلين على حشد الناخبين ضد هوفر خلال الجولة الثانية من الانتخابات، عاقداً الآمال على أنصار اليسار واليمين المعتدل. وتشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن بيلين يحتاج إلى 70 في المائة من أصوات المرشحة المستقلة الرئيسة السابقة للمحكمة العليا ارمغارد غريس، والتي حلت ثالثة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بنسبة 18,8 في المائة، للفوز بمنصب الرئيس.
وهللت الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا للفوز الذي حققه حزب "الحرية" اليميني النمساوي، الذي تلقّى التهاني من جهات عدّة، في مقدمهم "البديل من أجل ألمانيا" الذي وصف الفوز بـ"الساحق"، فيما وصفت زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني الفرنسي مارين لوبن النتيجة بـ"الرائعة". من جهته تحدث السياسي الشعبوي الهولندي غيرت فيلدرز عن "هزيمة مخزية" للحكومة النمساوية. فيما وصفت العديد من الصحف الأوروبية ما حدث في النمسا بـ"التسونامي" أو "الزلزال السياسي" الذي ضرب فيينا، مرجّحة أن يكون له تداعيات في الاتحاد الأوروبي بشكل عام. مع الإشارة إلى أن الرئيس في النمسا الذي يتولى ولايته لمدة ست سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، يعتبر منصبه منصباً فخرياً، إلا أن لديه عددا من الصلاحيات، وتتمثل باختيار المستشار وتنصيب الحكومة، وهو القائد الأعلى للجيش ويحق له حل البرلمان في بعض الظروف الاستثنائية.


المساهمون