درعا... عدّ عكسي لإعادة افتتاح "نصيب" وإحباط من التهدئة

05 أكتوبر 2017
معبر نصيب من الجانب الأردني (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
تعيش المنطقة الجنوبية في سورية، ومحافظة درعا على وجه التحديد، حالة من "عدم التوازن" نتيجة توقف المعارك بين قوات المعارضة والنظام، مع عدم بروز نتائج إيجابية لحالة الهدوء هذه، على الرغم من التوقف النسبي لعمليات القصف. فما زال المهجرون خارج ديارهم، كما أن الآلاف من أبناء المحافظة يرزحون في سجون النظام الذي يركز جهده على فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن ليستفيد سياسياً واقتصادياً، متجاهلاً مطالب الأهالي عبر المماطلة والتسويف، ومحاولاً توسيع سيطرته بكل وسائل الترغيب والترهيب.

وفي إطار سياسة التمدد التدريجي وبالتوافق كما يبدو مع الأردن، بسطت قوات النظام سيطرتها على مزيد من النقاط الحدودية مع الأردن، إذ سيطرت على تسعة مخافر حدودية ابتداءً من النقطة 177 إلى النقطة 185، إضافة إلى تل أم أذن شمال شرق سد الزلف في ريف دمشق الجنوبي الشرقي، وذلك بعد اشتباكات خفيفة مع فصائل المعارضة في المنطقة. وكانت قوات النظام سيطرت، مطلع الشهر الماضي، على النقاط 173 و174 و175 و176 على الحدود الأردنية. وقالت مصادر المعارضة السورية إن التراجع على الحدود مع الأردن سببه انسحاب "جيش أحرار العشائر" المدعوم من الأردن من المنطقة بشكل مفاجئ. وتُعدّ هذه المناطق آخر نفوذ للمعارضة السورية جنوب شرق السويداء.

يأتي ذلك في وقت، تتعثر فيه المفاوضات غير المباشرة بين النظام والمعارضة بشأن إعادة فتح معبر نصيب الحدودي والتي ترعاها الحكومة الأردنية، إذ يسعى كل طرف إلى إدارة المعبر لوحده من دون مشاركة الطرف الآخر، وسط تسريبات عن ضغوط مختلفة من الحكومة الأردنية على فصائل الجنوب لـ"تطبيع" العلاقة مع النظام وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 2011. وحسب هذه التسريبات التي تتناقلها أوساط المعارضة في المحافظة، فإن فصائل الجيش الحر العاملة في درعا رفضت طلباً من الحكومة الأردنية بأن تتحوّل للقيام بمهام مدنية في المنطقة على شكل شرطة مجتمعية وقوة تنفيذية ودفاع مدني، وليس فصائل عسكرية مزودة بأسلحة ثقيلة. وقالت مصادر محلية، إن الفصائل رفضت الطلب الأردني، واعتبرته تقليماً لأظافر الجيش الحر، وتسليماً مجانياً لمناطق المعارضة إلى نظام بشار الأسد.

وبعد ما تواتر عن فشل الاجتماع الأول الذي عُقد في عمان بشأن معبر نصيب ومن المنتظر عقد اجتماع ثانٍ قريباً، ذكرت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام السوري أن الأخير أبلغ الوسيط الأردني رفضه الشروط التي وضعتها فصائل المعارضة بشأن المعبر، متمسكاً بإدارة المعبر منفرداً ورفع علمه عليه، وفي حال الرفض ستفرض قواته سيطرتها على المعبر بالقوة العسكرية.

وتقول بعض أوساط المعارضة السورية إن الأردن أمهل الفصائل في درعا عشرة أيام لتسليم معبر نصيب الحدودي إلى قوات النظام، وإلا سيقوم بالتنسيق مع النظام بفتح معبر آخر مع الأردن من الحدود الإدارية لمحافظة السويداء الواقعة تحت سيطرة قوات النظام. ورأى عضو القيادة العسكرية في المنطقة الجنوبية، أيمن العاسمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المعبر سيفتح في نهاية المطاف، لكن يتم الآن بلورة المطالب والشروط الخاصة بكل طرف.
واعتبر أن المستفيد الأول من فتح المعبر هو النظام من الناحيتين السيادية والاقتصادية، أما المستفيد الثاني فهو لبنان الذي توقفت تجارته مع الأردن والخليج العربي منذ إغلاق المعبر، والمستفيد الثالث هو الأردن والرابع والأخير محافظة درعا والفصائل الممسكة بالمعبر على وجه التحديد. أما أبناء المحافظة، فسوف تكون استفادتهم أقل، أو هي غير مباشرة، إذ قد يحصلون على مزيد من الهدوء خاصة في القرى والمناطق التي تسلكها الحافلات في طريقها للمعبر بسبب حرص النظام المفترض على عدم تعطيل الحركة على هذا الطريق.

وبالنسبة لموقف الأردن، قال العاسمي إنه يمارس ضغوطاً على الفصائل والفاعليات المدنية في درعا للموافقة على فتح المعبر، لافتاً إلى رفض عمّان فتح المعبر بعد سيطرة الفصائل عليه قبل نحو عامين ونصف العام. وأشار إلى أنه فضلاً عن مصالحه الاقتصادية، يركز الأردن على الجانب الأمني، ليكون هناك هدوء في المعبر والمناطق المجاورة له مع محاولة إزالة أسباب الاحتقان لدى أبناء المناطق القريبة من المعبر من أجل ضمان سير العمل فيه بأريحية ودون حدوث اضطرابات أو محاولات لاعتراض القوافل التجارية. واستبعد العاسمي أن تقبل الفصائل بتسليم المعبر للنظام من دون مقابل، لأنها لا تسيطر على المعبر فقط، بل أيضا على الطريق الواصل بين المعبر وحتى خربة غزالة لمسافة تزيد عن 15 كيلومتراً، ومرور القوافل التجارية والمسافرين على هذه الطريق يحتاج إلى موافقة تلك الفصائل.

وتتفاعل قضية المعبر على نطاق واسع في المحافظة، خصوصاً في القرى والبلدات الحدودية مع الأردن القريبة من المعبر أو تلك التي يمر منها الطريق الدولي بين دمشق وعمان، إذ يعتقد الاهالي أنها باتت ورقة الضغط الوحيدة بيد المعارضة للمساعدة على تحقيق مطالبهم في العودة إلى ديارهم والإفراج عن أبنائهم المعتقلين في سجون النظام، بعد أن أخفقت الفصائل العسكرية والمجتمع الدولي وكل الاتفاقيات الموقّعة مع النظام في إطلاق سراح سجين واحد أو تأمين عودة آمنة للمهجرين في الأردن أو في القرى الداخلية.


وبعد سلسلة اعتصامات قام بها أهالي المناطق المهجرة قرب المعبر لتحقيق تلك المطالب، عقدت الفعاليات في العديد من البلدات والقرى اجتماعات تشاورية لتحديد موقفها من شروط فتح المعبر، داعية الفصائل والمفاوضين مع النظام إلى عدم التفريط بهذه الورقة بسهولة. وفي هذا الإطار، حثت الفصائل العسكرية والفعاليات المدنية في بلدة النعيمة بريف درعا خلال اجتماع لها، على التمسك بثوابت الثورة السورية، وبحث مصير عشرات الآلاف من المعتقلين، والاتفاق على خروجهم من سجون نظام الأسد. وشدد المجتمعون على "ضرورة عودة مُهَجَّري البلدات المحتلة من قوات الأسد إلى مناطقهم". وأكد بيان صادر عن الاجتماع وجوب إدارة معبر نصيب من خلال سلطة مدنية تتبع لمجلس محافظة درعا الحرة وليس نظام الأسد ولا حتى الفصائل العسكرية.

وقال نائب محافظ درعا السابق (ضمن هيكلية المحافظة التابعة للحكومة السورية المؤقتة) أسامة بردان أبو زيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه مع التوافق بين كل القوى على أهمية وضرورة فتح معبر نصيب، لكن يبقى الخلاف الجوهري حول مسألة السيادة على المعبر. واستبعد أبو زيد أن يتم فتحه ضمن الشروط التي تم تقديمها إلى ممثلي الجبهة الجنوبية من جانب الأردن، بسبب الرفض الشعبي الواسع لهذه الشروط، "خصوصاً أن المعبر تمت استعادته بعد تقديم عدد كبير من الشهداء، ولا يمكن التفريط بدمائهم من دون مقابل". وأكد أبو زيد أن الفصائل ترفض أيضاً أن تكون مجرد حارس للقوافل التي تستخدم المعبر بين نصيب وخربة غزالة لمسافة نحو 18 كيلومتراً من دون أن تكون لها سيادة فعلية على المعبر، إضافة إلى ضرورة إطلاق المعتقلين وعودة المهجرين.

ومع حالة المراوحة وعدم تحقيق تقدّم في أي ملف يخص أبناء المحافظة بعد نحو ثلاثة أشهر من دخول اتفاق "خفض التصعيد" حيز التطبيق، إضافة إلى الخلافات بين الفصائل، وكثرة عمليات الاغتيال والفوضى الأمنية بشكل عام، وما يشاع عن حالات فساد وتكسب من جانب بعض قادة الفصائل جراء هذه الحالة، يسعى النظام إلى استغلال حالة الإحباط هذه عبر ما يسميه "المصالحات الوطنية"، والتي تتضمن عودة المنطقة إلى "حضن النظام" وتسليم أسلحة والتحاق المتخلفين عن الخدمة العسكرية بقوات النظام وتسوية أوضاع العسكريين المنشقين وغيرها.

ولاقت جهود النظام لتحريك ملفات "المصالحة" نوعاً من الاستجابة لدى بعض الفاعليات في عدد من بلدات وقرى المحافظة على أمل أن يساعد ذلك في عودة المهجرين وإطلاق سراح المعتقلين، خصوصاً مع غياب أي فرصة في الوقت الحاضر للقيام بتحرك عسكري ضد قوات النظام يجبر الأخيرة على اتخاذ خطوات بهذا الاتجاه. وتُعتبر مدينة الشيخ مسكين وبلدات خربة غزالة وعتمان ونامر ودير العدس، من أبرز المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام في محافظة درعا في الفترات الأخيرة، وترافق ذلك مع تهجير كامل لأهلها، وتوزعهم بين قرى وبلدات المحافظة أو مغادرة بعضهم باتجاه الأردن.

وعقد وفد التفاوض عن أهالي مدينة الشيخ مسكين اجتماعاً أخيراً مع ممثلين عن النظام في مدينة إزرع، قدّم فيه وفد النظام شروطه، والتي تتضمن تسليم كميات من الأسلحة، وتطويع عدد من أبناء البلدة في صفوف مليشيا "الدفاع الوطني"، وعودة المنشقين للخدمة في قوات النظام من جديد، من دون أن يقدّم في المقابل سوى وعود مبهمة حول مطالب الأهالي يرتبط تحقيقها بحصول "المصالحة" بشكل كامل، أي تحقيق كل مطالب النظام. وإلى جانب خيبة أمل وفد التفاوض من موقف النظام، قوبلت خطوته بالاستنكار والرفض من فصائل المعارضة ودار العدل في المحافظة، التي بادرت إلى اعتقال أعضاء الوفد فور عودتهم من الاجتماع مع وفد النظام قبل أن تطلق سراحهم بعد دفعهم كفالات مالية.

كما تدور أحاديث عن خطوات مماثلة قد يقوم بها وجهاء في بلدات أخرى مثل إنخل وكفر شمس وداعل، الأمر الذي دفع المجالس المحلية والفصائل العسكرية في هذه البلدات إلى إصدار بيانات شديدة اللهجة لنفي هذه الشائعات. وحول هذه النقطة، قال أبو زيد إنه لنجاح مثل هذه الخطوات يجب أن تكون هناك ضمانات وبوادر حسن نية أهمها إطلاق سراح المعتقلين، إذ لا ثقة بالنظام أبداً. وأعرب عن اعتقاده أنه لا يمكن أن تحصل مصالحات بوجود نظام الأسد لأن الكارثة التي ألحقها بالشعب السوري كبيرة ولا يمكن تجاوزها.