أهالي الأنبار يتطوعون لقتال "داعش": سبيل العودة للديار

22 نوفمبر 2015
تطوع الآلاف من أبناء العشائر لقتال "داعش"(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
يقضي عامر خلف جل وقته متحصناً خلف سلاحه القناص، وعيناه تراقبان نحو البعيد، وهو يعتلي تلة ترابية مستتراً بأكياس من الرمل، متحيناً لحظة من الوقت يلمح فيها من خلال ناظور سلاحه رأس عنصر من عناصر "أعدائه"، ليحيله جثة هامدة بطلقة واحدة، كما عرف عنه. 

اقرأ أيضاً: عشائر الأنبار تشكّل قوة ضاربة لتنفيذ مهمّات ضدّ "داعش" 

هناك في مناطق المواجهة بمدينة الأنبار، غرب العراق، لا تهدأ أصوات الرصاص، إلا في فترات قليلة. وحده عامر، وبعض القناصين أيضاً، لا يطلقون الرصاص إلا على هدف مؤكد، فيما الغضب الذي يغلي في داخل صدور بقية المقاتلين من الحشد العشائري، المكون من أبناء الأنبار، يجعل أحدهم لا يكترث إن أطلق وابلاً من الرصاص نحو أي حركة يرقبها من بعيد، فهمّهم الأكبر الثأر للأرض والمدينة وأهلها المهجرين. 
 
وبالتزامن مع الانتصارات التي حققتها القوات العراقية المسنودة بقوات عشائرية في مدينة الأنبار على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، يصرّ أهالي المدينة الذين نزحت عوائلهم طلباً للأمان بعد سيطرة التنظيم على مناطقهم، على مواصلة القتال سعياً إلى تأمين مدينتهم لعودتهم إليها. 
 
ووفقاً لذلك، تطوّع عدد كبير من شباب الأنبار ضمن فصائل للحشد الشعبي مكوّنة من سكان المدينة، والتي تخضع أجزاء واسعة منها لسيطرة التنظيم منذ صيف 2014، فيما يؤكد النازحون من المدينة ألا طاقة لهم بالعيش خارجها، وسيقاتلون لأجل العودة وإن كلفهم ذلك حياتهم، وحياة عوائلهم. 
 
حامد الزوبعي، أحد الشيوخ القبليين في الأنبار، ما انفك يحشد شباب مدينته للتطوع والمشاركة في القتال لاستعادة مناطقهم، ورجوعهم إلى مزاولة حياتهم الطبيعية فيها. ونجح في إقناع الكثير من الشباب الذين نزحوا من مدينتهم، بالتطوع لقتال التنظيم. 
 
"واجبنا أن نعيد بيوتنا وأراضينا، وأعمالنا، نموت دفاعاً عن مدينتنا خير من أن نعيش أذلاء خارجها"، يقول الزوبعي لـ"العربي الجديد" وهو الكلام نفسه الذي يُسمعه لأبناء مدينته وهو يشحذ هممهم. 


في الليالي الطويلة التي تخلو من القتال تصدح هواتف مقاتلي عشائر الأنبار، بمواويل وأغانٍ تنتمي إلى تلك الأرض التي عشق أبناؤها "العتابة والسويحلي والنايل"، وهي مواويل تحمل طابع المنطقة الغربية من العراق، تمتزج معها أحياناً عبارات ودموع المقاتلين؛ فهي تذكرهم بمنازلهم التي هجروها مكرهين، وجلسات الليل في مقاهيها ودواوين أريافها، والفرات، حين يضرب ماؤه أرجلهم وهي تتدلى من فوق صخرة على الشاطئ في جلسة اعتادوها منذ الصغر. 
 
"ذكرياتنا تزيدنا إصراراً على القتال"، يقول ياسين فاضل العبيدي، أحد المتطوعين في صفوف مقاتلي الأنبار في حديثه لـ"العربي الجديد"، مستطرداً بالقول إلى أن "كل واحد منا يحمل معه ذكرى من مدينتنا، قد تكون حصى صغيرة، أو حبات تمر من نخلة في الدار، أو صورة أو شيئاً من أثر المنازل". ويتابع "لن يهدأ لنا بال حتى نعود ونعيد عوائلنا التي ذاقت ألم الفراق والنزوح". 
 
بدوره، يؤكد النقيب في القوات العراقية محمد الجبوري، لـ"العربي الجديد"، أن "لمقاتلي أبناء الأنبار الذين تطوعوا لقتال (داعش) أثر كبير في الانتصارات التي حققناها على الأرض. إنهم يصرّون على المواجهة ويتقدمون بحماس ويقاتلون بشراسة"، موضحاً "نعلم جيداً أنهم يشعرون بالإهانة إن لم يستعيدوا مدينتهم وبيوتهم، ولولا قيام "داعش" بتفخيخ البيوت وزرع العبوات في الطرق، والتي تبطئ من عمليات استعادة الأنبار لكان هؤلاء المقاتلون حققوا ما يسعون إليه ورجعوا إلى بيوتهم بأمان". 


يذكر أن نحو ألف متطوع من أهالي الأنبار يستعدون لخوض معركة تحرير مدينتهم بعد إكمال معسكرهم التدريبي الأسبوع المقبل، يأتي ذلك في الوقت الذي أكد مجلس الأنبار المحلي أن القوات الأمنية أحكمت السيطرة تماماً على منطقة الخمسة كيلو، من المحور الغربي، ومقر قيادة عمليات الأنبار، وأنها تستعد للدخول إلى مركز المدينة. 
 
وكانت قيادة القوات الأمنية قد أعلنت في تصريحات سابقة أنها ألحقت بتنظيم "داعش" خسائر كبيرة بالأرواح والمعدات، في هجمات برية وطلعات جوية، أدت إلى تراجع التنظيم وإخلائه مناطق واسعة ومقرات عديدة كانت تحت سيطرته.
ويقول المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية العميد الركن يحيى رسول لـ"العربي الجديد" إن "إقبال الشبان على التطوع بشكل عفوي زاد أخيراً وهدفهم تحرير أراضيهم من داعش". ويضيف أن "معسكرات تدريب افتتحها الجيش العراقي لتدريبهم، كما تشرف فرق المستشارين الأميركيين على بعض من تلك المعسكرات".

كذلك يؤكد القائد العسكري لقوات العشائر محمد الدليمي ارتفاع عدد من ترك مخيمات النزوح شمال العراق وعاد إلى الأنبار لقتال (داعش) في شهر واحد إلى أكثر من ألف مقاتل. ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "الجميع مؤمن أن التحرير يجب أن يكون على يد أبناء المدن، والذين سيكونون أحرص الناس عليها ويجنبونها مصير تكريت السابق، عندما تعرضت المدينة لحرق ونهب على يد مليشيات الحشد الشعبي"، مبيناً أن "القوات الأميركية باتت تتولى عملية ترتيب صفوف المتطوعين الجدد وتدربهم وتسلحهم ببنادق الـ"M16" مع خوذة ودرع واقٍ من الرصاص فضلاً عن وجبات الطعام"، لافتاً إلى أن تحرير الأنبار سيكون بسواعد أبنائها، وهو مطلب شعبي يشجع الأهالي على التعاون مع العشائر والجيش على عكس السابق، بحيث كانوا يرفضون التعاون مع مليشيات (الحشد) ويرونها تنفذ أجندة إيرانية.

اقرأ أيضاً: مسؤول أميركي يؤكد معلومات "العربي الجديد" حول نفط "داعش"