مصر: نزلة السمان مهددة بسلاح "نزع الملكية"

23 يناير 2019
أهالي نزلة السمان يخشون مصيراً مشابهاً للوراق(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
قمعت الأجهزة الأمنية اعتراض أهالي منطقة نزلة السمان المجاورة لأهرامات الجيزة على إزالة منازل ومحال تجارية وبازارات خلال الحملة التي نفذتها الشرطة أول من أمس الإثنين، كجزء من الموجة الثانية عشرة من إزالة التعديات على أراضي الدولة المعروفة إعلامياً بـ"استرداد حق الشعب"، والتي يسعى من خلالها النظام الحاكم إلى استعادة ملايين الأفدنة التي أقيمت عليها منازل بشكل مخالف لقواعد البناء، حتى وإن كان قد تم تقنينها بعد بنائها، مع تخيير أصحابها بين إزالتها أو التصالح بدفع الغرامة.

أحداث نزلة السمان التي أسفرت عن اعتقال نحو 40 شخصاً، خرج بعضهم من قسم الهرم بعد قضاء ساعات من دون تحقيق، فيما سيتم توجيه اتهام بمقاومة السلطات إلى البعض الآخر، بحسب محامين ناشطين في القضية، أخذت بُعداً آخر، أعمق من مسألة إزالة المباني المخالفة، وأقرب إلى ملفات شائكة كالتطوير المزعوم لمناطق بولاق أبوالعلا في القاهرة والوراق في الجيزة ورأس الحكمة في مطروح. فقد تداول المتضررون من أهالي نزلة السمان، والذين يعملون جميعاً في الأنشطة السياحية، معلومات تفيد بأن المناطق التي ستشملها الإزالات من النزلة مدروسة ومختارة بعناية، لضمها إلى مشروع تطوير منطقة الأهرامات سياحياً، على خلفية اتفاق وزارة الآثار مع شركة أوراسكوم على إدارة المنطقة بالكامل.

هذه المعلومات وإن كانت غير موثقة حتى الآن، إلا أن هناك ما يرجحها من البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الآثار في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بمناسبة اتخاذ قرار إسناد تشغيل خدمات منطقة الأهرامات للشركة التي تملكها عائلة ساويرس الثرية. فمن بين الخدمات التي يشملها التعاقد: التسويق والترويج للمنطقة، وتشغيل ساحة انتظار الحافلات في المدخل الجنوبي الجديد للمنطقة، وهو بعيد عن نزلة السمان، وتشغيل وصيانة الخدمات المقدّمة في مركز الزوار الجديد بنفس المدخل الذي سيضم مجموعة من المحال والكافيتريات وقاعة عرض سينمائي. لكن في باقي المنطقة المتاخمة لنزلة السمان، من المقرر أن تُقام عدة منشآت جديدة كدورات مياه ومراكز طبية ومحال لبيع الوجبات السريعة والمشروبات والمأكولات، في أماكن معينة يقررها المجلس الأعلى للآثار.

والواقع أن مساحات الأرض المتاخمة لحرم الأهرامات في نزلة السمان كانت تابعة للدولة، وما زالت لا تمنح عقود تمليك بها، لكن الأهالي الذين توسعوا بصورة كبيرة ناحية الأهرامات لمواكبة زيادتهم السكانية وتمسكهم بالبقاء في المنطقة لضمان مزاولة أنشطتهم السياحية التي لا يجيدون غيرها من تسيير الخيول والجمال وبيع القطع الفنية والبرديات، استغلوا لعقود طويلة سماح الحكومات المتعاقبة لهم بوضع أيديهم على تلك المساحات، ما أدى لتضخيم المساحة الإجمالية لنزلة السمان. ونظراً لعلاقة الأهالي الوطيدة بالأجهزة الأمنية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك تحديداً، وعلاقات المصاهرة بينهم وبين عدد كبير من نواب البرلمان الممثلين للجيزة، تم توصيل المرافق والخدمات لكل مناطق النزلة، سواء كانت مخططة أو عشوائية، كما تم حصر كل العقارات لتحصيل الضريبة العقارية.


وسبق للقضاء المصري التصدي لمواضيع مشابهة، تنازعت فيها الحكومة مع الأهالي على مدى صحة بقائهم في أراضٍ مملوكة للدولة أو مخالفة لنظم البناء، أشهرها على الإطلاق قضية جزيرة القرصاية، التي أصدرت فيها المحكمة الإدارية العليا حكماً أكد في مبادئه أن مصلحة الأفراد في الاستقرار والحياة الكريمة يجب أن تُقدّم على مصلحة الدولة في استغلال أملاكها الخاصة، حتى إذا كان هذا الاستغلال يزعم به تحقيق مصلحة عامة، خصوصاً عندما تكون الدولة نفسها هي المسؤولة عن وجود الأفراد في مكان معين واستمرار إقامتهم ومد المرافق إليهم وبالتالي موافقتها ضمنياً لعقود على ذلك.

ويحاول حالياً أهل جزيرة الوراق الواقعة في قلب النيل، استغلال تلك المبادئ لانتزاع حكم من مجلس الدولة ببطلان قرار نزع ملكية أراضيهم على جانبي محور روض الفرج وعلى مسافة 30 متراً في محيط الجزيرة لإقامة طريق وكورنيش، مع اعتبار المشروع من أعمال المنفعة العامة، وذلك في إطار استغلال الجزيرة سياحياً، وطرد سكانها منها، خصوصاً بعدما انصاع جميع الملاك الكبار للأراضي والمستثمرين فيها على الجزيرة لتعليمات الدولة وتنازلوا عن أراضيهم فيها للحكومة مقابل مبالغ مالية محددة. كما وافق 15 في المائة من أهالي الجزيرة على الانتقال إلى مساكن بديلة، فيما ما زالت الأغلبية العظمى ترفض ذلك لبُعد المساكن البديلة عن أماكن نشاطهم وضعف التعويض المادي المعروض من الدولة.

ويلقي ما يحدث في جزيرة الوراق بظلاله على أهالي نزلة السمان، فعلى الرغم من أن الأجهزة الأمنية تعمّدت نفي الشائعات المتواترة عن رغبة الدولة في إزالة المنطقة بكاملها لإعادة استغلالها سياحياً، إلا أن الأهالي ما زالوا غير مطمئنين، ويخشون أن تكون أعمال الإزالة الحالية تمهيداً لعملية أكبر تستخدم فيها الدولة قوتها القاهرة. ولا يُقصد بذلك الذراع الأمنية، بل إن الأهالي يتخوفون في المقام الأول من أن يصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أو رئيس وزرائه مصطفى مدبولي قراراً بنزع ملكية المساحات المتنازع عليها أو المملوكة للأشخاص، بحجة إقامة مشروع للمنفعة العامة في المنطقة.

ويتشابه هذا المصير المرعب لسكان نزلة السمان مع ما حدث بين الحكومة وأهالي بولاق أبوالعلا، فبعد سنوات من التفاوض تارة وادعاء الحكومة تارة أخرى بأنها تملك الأرض، صدر منذ أيام قرار من مدبولي بنزع ملكية 67 ألف متر مربع في مثلث ماسبيرو، على الرغم من سابقة صدور أحكام قضائية لصالح الأهالي بمنع تهجيرهم وأحقيتهم في البقاء في مساكنهم. وكانت الحكومة قد فشلت في إقناع الملاك بالتنازل والتعويض عن 915 أرضاً وعقاراً، مقابل توصلها إلى اتفاق مع أصحاب 130 قطعة فقط، أي أن نزع الملكية أصبح الحل النهائي لإغلاق الملفات العالقة وتجاوز جهود التفاوض ومحاولة رفع أسعار التعويض وتوفير البدائل الجيدة.

وتكرر الأمر بتفاصيل مختلفة قليلاً مع أهالي منطقة رأس الحكمة شرق مدينة مرسى مطروح شمال غربي مصر، بعد صدور قرار الحكومة بنزع ملكية آلاف الأفدنة من الساحل وبعمق يصل إلى 17 كيلومتراً لإقامة مشاريع سياحية وسكنية وتسويقها لمستثمرين خليجيين، ما أثار غضب الأهالي واحتجاجهم المستمر لأكثر من شهرين على بدء إجراءات إخلاء 460 ألف متر مربع يقطنها حوالي 25 ألف نسمة يعمل معظمهم في الزراعة والري.
وكان السيسي قد أصدر في إبريل/ نيسان 2018 قانوناً بتعديلات واسعة على قانون تنظيم نزع ملكية الأراضي من المواطنين لصالح المنفعة العامة للدولة، تجيز لأول مرة لرئيس الجمهورية أن يفوض أحد وزرائه أو المحافظين أو أي جهة أخرى لإصدار قرار نزع الملكية من المواطنين للمنفعة العامة، بعدما كان هذا الأمر مقتصراً على رئيس الجمهورية وحده، وأن يرفق الرئيس أو من يفوضه بقرار النزع مذكرة ببيان المشروع المطلوب تنفيذه، ورسماً بالتخطيط الإجمالي للمشروع والعقارات اللازم هدمها.
ويتيح هذا التعديل سرعة إجراءات نزع ملكية الأراضي وعدم مركزيتها، فلن تحتاج الحكومة مستقبلاً إلى انتظار صدور قرار من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء لاعتماد المشروع المخطط له ثم نزع الأراضي المطلوبة، بل سيتمتع كل مسؤول يفوضه رئيس الجمهورية بسلطة الاعتماد والنزع بصورة أقرب للامركزية.