ماكسيم بيرنييه: ترامب الكندي

30 اغسطس 2019
انشقّ عن المحافظين العام الماضي وأسس حزبه(جيوف روبنز/فرانس برس)
+ الخط -
منذ 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 باتت الولايات المتحدة في حالة ضجيج لا يبدو أنه سينتهي قريباً، مع انتخاب دونالد ترامب رئيساً. الوضع نفسه يتكرر في بريطانيا منذ أصبح بوريس جونسون رئيساً للوزراء في 24 يوليو/ تموز الماضي. بينهما كانت كندا هادئة، تقوم بعملها في استيعاب المهاجرين من شتّى أنحاء العالم، تحت قيادة رئيس وزرائها جاستن ترودو، أصبح كل شيء في عين الإعصار. ماكسيم بيرنييه رئيس حزب الشعب الكندي اليميني المتطرّف، حديث النشأة (تأسس في 14 سبتمبر/ أيلول 2018)، قرّر أن يجعل بلاده بمثابة أمة "ترامبية"، في حال نجاحه في الانتخابات الفيدرالية الكندية في 21 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. الفوضوي في وسط مستقرّ، اختار درب الجنون في حملته الانتخابية، بما يعكس شخصيته. معروف عنه أنه "ترامب الكندي"، ويقول عن نفسه "يمكنكم أن تدعوني كما تشاؤون، المحافظ، أو محافظ يؤمن بالحرية، أو ليبرالي واقعي، ماكسيم أو ماكس. يمكنكم أن تدعوني ماكس المجنون (مادماكس نسبة لسلسلة أفلام سينمائية اشتهرت في السبعينيات والثمانينيات و2015)".

لم يجد بيرنييه مدخلاً للانتخابات سوى برفع شعار "محاربة المهاجرين". ففي 25 يوليو الماضي، أعلن اعتزامه على طرد المهاجرين غير النظاميين خارج كندا وبناء أسوار حدودية لمنع طالبي اللجوء من السير عبر الحدود الكندية إذا تم انتخابه رئيساً للوزراء. وفي خطاب ألقاه في مدينة تورونتو، كشف أنه سيخفض إجمالي المهاجرين واللاجئين إلى ما يراوح بين 100 ألف و150 ألفاً سنوياً، وفقاً للظروف الاقتصادية، وهي نسبة أقل بكثير من النسبة التي وعد بها الحزب الليبرالي الحاكم وهي 350 ألفاً سنوياً. وأضاف أنه سوف يحظر سياحة الولادة التي يقوم من خلالها المسافرون الأجانب بالقدوم إلى الأراضي الكندية لإنجاب أطفالهم فيها، كوسيلة لتأمين المواطنة، كما طالب المتقدمين للهجرة بالقيام بمقابلات وجهاً لوجه لتقييم مدى توافقهم مع القيم الكندية. ورأى أنه يتعين على كندا أن تتوقف عن الاعتماد على الأمم المتحدة لاختيار اللاجئين الذين يأتون إليها، معتبراً أنه بدلاً من ذلك ستعطى الأولوية للاجئين المنتمين إلى الجماعات المضطهدة الذين ليس لديهم مكان يذهبون إليه في البلدان المجاورة لبلدانهم.

لم تعتبر السلطات الكندية أن الرجل بوسعه النجاح، فهو رئيس لحزب صغير، غير قادر بالمبدأ على منافسة الليبراليين والمحافظين في أي انتخابات. غير أن السلطات استشعرت خطره، إذ قام أخيراً صاحب شركة للوحات الإعلانات بحذف الإعلان الذي يظهر وجه بيرنييه مع شعاره الرافض للهجرة الجماعية، وذلك بعد موجة من الانتقادات التي لحقت بها، فقد انتشرت العرائض المطالبة بحذف الإعلانات، بحجة أنها تنتهك قواعد السلوك الخاصة بالشركة. وقد تمت إزالة واحدة من اللوحات الإعلانية من أحد الشوارع، صباح يوم الاثنين الماضي، بعدما خضعت الشركة للضغوط. اعترض بيرنييه على الخطوة متهماً من سمّاهم "اليساريين الاستبداديين" في اتخاذ قرار إزالة اللوحات الإعلانية، وغرّد على "تويتر": الرسالة على لوحة الإعلانات ليست مثيرة للجدل لثلثي الكنديين الذين يوافقون عليها، ولأولئك الذين يختلفون ولكن يدعمون حرية التعبير والمناقشة المفتوحة. وقال إن العدد الحالي للمهاجرين الذين تقبلهم كندا سنوياً هو عدد مرتفع جداً ونحتاج إلى تقليصه. وأضاف: بالنسبة لي، سأكون ضد الهجرة الجماعية التي تبلغ 350 ألف شخص في السنة.



مع ذلك تمّ إقصاء بيرنييه من المناظرات التلفزيونية لزعماء الأحزاب، المقررة يومي 7 أكتوبر و10 منه، لعدم استيفائه المعايير المطلوبة. إذ يجب أن يستوفي زعيم الحزب الذي يرغب في المشاركة في المناظرة اثنين من ثلاثة معايير: أن يكون لحزبه نائب واحد على الأقل في البرلمان (بيرنييه نائب بالفعل)، ومرشحون في 90 في المائة على الأقل من الدوائر الانتخابية (وهو ما لم يتمكن من تحقيقه بعد)، وأن يكون الحزب قد حصل على 4 في المائة على الأقل من الأصوات في الانتخابات السابقة (عام 2015، لم يكن حزب الشعب موجوداً).

بيرنييه لم يكن معروفاً كثيراً في الوسط العالمي، فقد كان وزير دولة للأعمال الصغيرة والسياحة والزراعة بين عامي 2011 و2015، ووزيراً للخارجية بين عامي 2007 و2008، ووزيراً للصناعة بين عامي 2006 و2007، ورئيساً للجنة الدفاع الوطني البرلمانية بين عامي 2009 و2011. يتحدّر بيرنييه من عائلة سياسية محافظة. والده جيل، كان نائباً عن منطقة بوس في مقاطعة كيبيك بين عامي 1984 و1997، وأضحى سفيراً في هايتي بين عامي 1997 و2001. تخرّج في التجارة من جامعة كيبيك في مونريال، وفي الحقوق من جامعة أوتاوا. عمل في قطاعات عدة في المحاماة والتجارة وفي المصرف المركزي الكندي. أصبح نائباً لمنطقة بوس في عام 2006، وما زال يمثلها في البرلمان الكندي، على الرغم من أنه نجح بصفته منتسباً إلى حزب المحافظين، قبل أن يصبح مستقلاً بين عامي 2016 و2018، ثم رئيساً لحزب الشعب الكندي. ويرى كثر أن فوزه مضمون في الانتخابات المقبلة، لكون المنطقة التي يمثلها، بوس، تضمّ 99.4 في المائة من الإثنية القوقازية. لم يتمكن بيرنييه من البقاء في الظلّ طويلاً، فكان العام 2016 بداية رحلة سياسية مغايرة له. انشقّ عن المحافظين بعد سلسلة من الصدامات مع رئيس الحزب، أندرو شير، خصوصاً بعد خسارته معركة رئاسة الحزب عام 2017. عمل بيرنييه على تأليف كتاب "القيام بالسياسة بشكل مختلف: رؤيتي لكندا"، ينتقد فيه المحافظين، واعتبر أنهم غير قادرين على مجاراة الحزب الليبرالي، فضلاً عن خروجهم عن ثوابتهم.

وكعادة كل شخص تصاحبه الضوضاء، كانت لبيرنييه مواقف جدلية عدة، عدا المهاجرين، فقد اعتبر أن في الصين "حكومة أقل وحرية أكثر" من كندا، منتقداً من اعتقد بأنه يؤيد الديكتاتورية الصينية، وألقى بالملامة على اليساريين بتحوير كلامه بحسب وصفه. وعلى الرغم من التقاء بيرنييه مع ترامب في مواقف عدة، كالمهاجرين وموضوع السلاح، إلا أنه يقرّ بسلبية النشاط البشري المؤدي إلى التغيّر المناخي، كما شارك في مسيرات مؤيدة للمثليين.

مرّ بفضيحة أثناء علاقته مع جولي كويّار، بين عامي 2007 و2008، أدت إلى استقالته من منصبه وزيراً للخارجية. ويعود السبب إلى بروز وثائق تكشف دفع "مجموعة كيفلار" لكويّار نحو بيرنييه، من أجل حصول المجموعة على دعم لعقد إيجار بقيمة 300 مليون دولار عن طريق نقل 700 موظف اتحادي إلى مشروع للمجموعة في كيبيك. ومع أن استطلاعات الرأي تمنحه 3 في المائة فقط من نوايا التصويت، إلا أن بيرنييه نجح في كسب 40 ألف منتسب لحزبه في وقتٍ قصير، كما أن أنصاره في مقاطعة كيبيك نجحوا في تحويله إلى بطل يحاربه الجميع.


دلالات
المساهمون