وقصفت قوات النظام، أمس الخميس، بالصواريخ والمدفعية، بلدات كنصفرة ومعرة حرمة وكفرنبل في ريف إدلب الجنوبي. كما طاول القصف بلدات حيش وكفرسجنة والشيخ مصطفى وبداما والناجية، ومواقع ومناطق أخرى بأرياف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي والغربي، إضافة إلى استهداف محور كبينة بريف اللاذقية الشمالي بعشرات القذائف، بالتزامن مع رفع الجاهزية القتالية لقوات النظام والمسلحين الموالين لها.
بالتزامن، وفي مؤشر على نيّة الجانبين التركي والروسي الشروع بخطوات جدّية باتجاه فتح الطرق الدولية في الشمال الغربي من سورية، سيّر الجيش التركي برفقة آليات عسكرية، أمس الخميس، دورية على طريق حلب - دمشق الدولي بالقرب من بلدة برقوم بريف حلب الجنوبي، وفق موقع "بلدي نيوز"، والذي أشار إلى أن "عناصر من الجيش التركي برفقة عددٍ من عناصر فصائل المعارضة انتشروا بالقرب من مفرق بلدة برقوم بريف حلب الجنوبي على طريق حلب - دمشق الدولي المعروف بطريق إم 5". وأشار الموقع إلى "أن الدورية التركية استمرت لساعات عدة، قبل أن تعود إلى النقاط التركية"، المنتشرة في المنطقة.
ويأتي تسيير الدورية التركية بعد يومٍ واحد من تأكيد القيادي في "الجيش السوري الحر" مصطفى سيجري أن الطرفين التركي والروسي "اتفقا على إنشاء منطقة عازلة جديدة بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية، خالية من السلاح الثقيل. كذلك نصّ الاتفاق على تحديد مسار الدوريات التركية الروسية المشتركة، وإبعاد الشخصيات المصنّفة على لوائح الإرهاب الدولية"، على أن تدخل الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني السوري إلى المنطقة، لتقديم الخدمات مع استئناف الدعم الإنساني الدولي. وينصّ الاتفاق الجديد، الذي أُبرم وفق سيجري خلال قمة أنقرة الثلاثية، على "استكمال الخطوات النهائية بما يخص اللجنة الدستورية، ووضع قانون انتخابات جديد". وأضاف أن من بنود اتفاق أنقرة حلّ ما يسمى بـ"حكومة الإنقاذ"، التي شكّلتها "هيئة تحرير الشام" ("هيئة النصرة" سابقاً).
وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" وجود مؤشرات على نيّة "تحرير الشام" سحب عناصرها من ريف إدلب الجنوبي، في تمهيدٍ على ما يبدو لفتح الطريقين الدوليين اللذين يربطان حلب، كبرى مدن الشمال السوري، بالساحل السوري وحماة. وكان اتفاق سوتشي المبرم بين الأتراك والروس العام الماضي قد نصّ على استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين "إم 4" (حلب - اللاذقية) و"إم 5" (حلب - حماة) بحلول نهاية عام 2018، مع تعهّد الطرفين بتأمين الحماية اللازمة لهذين الطريقين. ومن الواضح أن موسكو وأنقرة بصدد إعادة الحياة إلى هذا الاتفاق الذي لم ينفذ بحذافيره بسبب انعدام الثقة بين الأطراف. ولم يحقق اتفاق سوتشي الكثير، بل إن النظام والجانب الروسي قتلا مئات المدنيين، وشرّدا أكثر من مليون مدني منذ توقيعه، ما يعني عدم جدية موسكو في التوصل إلى حلول سياسية للأزمة المستحكمة في محافظة إدلب التي ينتظر المدنيون فيها نتائج التفاهم التركي الروسي الجديد.
من جهته، قال القيادي في "الجيش السوري الحر"، العميد فاتح حسون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الاتفاق القائم بين روسيا وتركيا حول إدلب هو اتفاق قمة سوتشي"، مضيفاً أن "روسيا تعمل على تطبيقه بالقوة، إن لم يتم تطبيقه بالتراضي". وتابع قائلاً إن "تشكيلات غرفة عمليات "وحرض المؤمنين" (تضم تنظيمات متشددة)، لن تقبل أن تطبق الاتفاق سلمياً، وهيئة تحرير الشام قالت بعد اجتماع القمة الثلاثية الأخير إنه لا يعنيها، والسؤال القائم هل لدى غرفتي عمليات "وحرض المؤمنين" و"هيئة تحرير الشام" خطط تواجهان بها معركة شاملة لروسيا إن تمت؟ وهل لدى الفصائل الثورية خططٌ خاصة بها لذلك؟ بالتأكيد نعم، لكن التكلفة في حال عدم النجاح ستكون كارثية".
على الرغم من ذلك، رأى حسون أنه "لا حلّ أمام التعنّت الروسي إلا بالمواجهة العسكرية التقليدية والأمنية"، مؤكداً أن "لدى فصائل قوى الثورة خططها، ولدى فصائل المعارضة خططها كذلك، وتنوع التكتيك المستخدم، والتركيز على العمل خلف خطوط التماس، والعمليات المحدودة في العمق وفي مناطق سيطرة النظام الجديدة، سلاحٌ فعّال ستتم العودة لاستخدامه في حال تمّ نسف كل التفاهمات والاتفاقيات". وأشار القيادي في "السوري الحر" إلى أن "روسيا تهدد بجدية بالاجتياح كوسيلة ضغط على الاتحاد الأوربي لابتزازه، وليكون أكثر تجاوباً معها في اجتماع القمة الرباعية الذي سيعُقد في أنقرة حول إدلب بمشاركة ألمانيا وفرنسا، إضافة لروسيا وتركيا".
الى ذلك، لا يزال الترقب الحذر سيد الموقف في شمال غربي سورية في ظلّ استمرار حالة الغموض التي تلف التفاهم الروسي التركي. وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن هناك ريبة وشكاً لدى نحو أربعة ملايين مدني إزاء كل الاتفاقات والتفاهمات، لافتة إلى أنه "لم تعد هناك ثقة بكل التفاهمات الدولية والإقليمية حيال سورية، إذ بيّنت التجارب أنها ظرفية وهشة، وقابلة للانهيار في أي لحظة". وقالت "نحن نبحث عن حلول جذرية وثابتة، ليس للوضع في إدلب فحسب، بل لكل القضية السورية، وترحيل الأزمات من قمة إلى قمة يدفع ثمنه المدنيون الذين يعيشون في ظروف كارثية في ظل انقطاع الدعم من أغلب المنظمات الدولية الإنسانية".
وأكدت المصادر أن هناك تحسباً بين المدنيين لاستمرار العمليات العسكرية في القريب العاجل من قبل قوات النظام والطيران الروسي، لافتة إلى "حشدٍ من قبل النظام والروس في منطقة سنجار في ريف إدلب الشرقي، ما يعني أن أي اتفاق، قديماً كان أم جديداً، يمكن أن ينهار لأوهن الأسباب". وقالت: "لم تثبت موسكو حتى اليوم أنها ضامنة عهد، بل على العكس فإن الروس يتعهدون دائماً، وهم دائماً أيضاً الجهة البادئة بالغدر وبالتنصل من الاتفاقات".
في غضون ذلك، فشلت محاولة النظام في دفع مدنيين في محافظة إدلب للخروج إلى مناطق سيطرته من خلال معبر افتتحه في منطقة أبو الظهور في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، إذ لم يخرج أحد عبر المعبر من المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة، خشية تعرضهم لعمليات انتقامية. وزعم النظام أن "تحرير الشام" تمنع المدنيين من الخروج، في حين تؤكد مصادر محلية أنه لا يوجد في الشمال الغربي من سورية "من هو مستعد للعودة مرة أخرى لسيطرة النظام"، مشيرة إلى "فتك الأخير بكل المدنيين بالمناطق التي استعاد السيطرة عليها سواء بالقوة أو عبر ما يسمى بالمصالحات، ما يعني أن هذا النظام يبيّت الغدر بكل من خرج عن سيطرته".