لبنان: بيان أميركي يسرّع حلّ الأزمة السياسية

10 اغسطس 2019
عقدت المصالحة بعد أكثر من شهر على الأزمة(حسين بيضون)
+ الخط -
كان كافياً البيان المقتضب الصادر عن السفارة الأميركية في بيروت، يوم الأربعاء الماضي، لدفع الحركة السياسية في لبنان، وتبديل المشهد المتأزم برمته، ونقله من حالة المراوحة والتعطيل، إلى الحوار والاتصالات ومحاولة البحث عن مخرج للأزمة الأخيرة المتمثلة في حادثة قبرشمون، والتي شلّت عمل الحكومة، وعطّلت البلد. وفعل البيان المكون من بضعة أسطر فِعلَه، بعدما بدا أن الإدارة الأميركية استشعرت محاولةً لاستهداف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، فأبصر الحل النور، وكان لقاء مصالحة في القصر الجمهوري أمس، أعقبه إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري عن جلسة للحكومة صباح اليوم السبت، وتشديده على فتح صفحة جديدة. وتبيّن فور عودة سعد الحريري من إجازته الخاصة، وبعد اللقاء الذي جمعه برئيس الجمهورية ميشال عون أول من أمس الخميس، أن ثمة إشارات دولية وصلت إلى لبنان، مفادها أن الاستقرار فيه يشكل ضرورة بهذه اللحظة الإقليمية المتوترة. ووفق هذه الرسالة (البيان الأميركي)، التي لامست التحذير من مغبة استهداف جنبلاط على خلفية حادثة قبرشمون – البساتين (جبل لبنان)، التي وقعت في 30 من شهر يونيو/ حزيران الماضي (وقُتل فيها شخصان من مرافقي الوزير صالح الغريب الحليف لحزب الله والنظام السوري وطلال أرسلان)، ما يعني استهدافاً لفريق سياسي مقرب من المحور الأميركي-السعودي، تَحرك الحريري ناقلاً الأجواء الدولية.

وبحسب مصادر حكومية لبنانية لـ"العربي الجديد"، فقد انقسمت التحذيرات التي وصلت إلى قسمين: الأول مرتبط بالأوضاع في المنطقة عموماً والكباش الأميركي-الإيراني، وبضرورة الحفاظ على التوازنات اللبنانية - اللبنانية، وعدم جرّ لبنان إلى اصطفاف إقليمي معين، ومنع استغلال الحادثة للتصويب على جنبلاط. أما التحذير الثاني، فمرتبط بلبنان الذي يشارف على الانهيار ما لم يتم تفعيل عمل الحكومة، وبالتالي تفعيل مخرجات مؤتمر "سيدر".

وفق هذه الأجواء، بدا واضحاً التركيز في لبنان على الوضع المالي والاقتصادي، خصوصاً في ظلّ الاجتماعين اللذين عقدا أمس الجمعة، أولاً في "بيت الوسط" (مقر إقامة الحريري)، بين رئيس الحكومة ووزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وثانياً في قصر بعبدا (مقر رئاسة الجمهورية) بين رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري وسلامة وخليل، بحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير ورئيس لجنة المال النيابية النائب إبراهيم كنعان.

وكان الحريري سارع فور عودته من الإجازة الخاصة إلى التواصل مع عون بالتنسيق مع بري، الذي كان قد روّج لمبادرة حلحلة للأزمة ترتكز على تنازلات مشتركة من قبل الجميع. وتتضمن المبادرة التي طرحت من قبل بري في الأساس، واستند إليها الحريري، عقد لقاء مصالحة في بعبدا، وهو ما حصل أمس عصراً، وضمّه إلى عون والحريري والنائب (الدرزي) طلال أرسلان وجنبلاط، على أن تليه جلسة حكومية اليوم تلتزم جدول أعمال الجلسة السابقة من دون طرح موضوع إحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي، وعلى أن يسلك الملف المسار القضائي.

وكان الحريري التقى في السراي الحكومي قبل اليوم الطويل في بعبدا، السفيرة الأميركية في لبنان إليزابيث ريتشارد، وعرض معها آخر التطورات، والانفراجة التي تحققت، وفق ما أكدته مصادر قيادية في تيار "المستقبل" لـ"العربي الجديد"، إضافة إلى الزيارة المرتقبة للحريري إلى واشنطن للقاء وزير الخارجية مايك بومبيو، وهي زيارة طلبها الأخير، الذي ينتظر لبنان ما سينقله للحريري، على الرغم من توقع أن تكون الأولوية للتحذيرات من الأوضاع في المنطقة.


ووقعت حادثة قبرشمون في 30 يونيو/حزيران الماضي، وراح ضحيتها اثنان من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، ونتج منها انقسام في الحكومة اللبنانية (التي لم تعقد أي جلسة منذ ذلك التاريخ)، بين مطالب بإحالة الملف إلى المجلس العدلي (محكمة استثنائية)، وبين رافض وداعٍ إلى أن تأخذ التحقيقات والمسار القضائي طريقها. ويُحسب الغريب على أرسلان المتحالف مع "التيار الوطني الحر" برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل، ويتهم أنصار الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بمحاولة اغتياله حينما كان في طريقه للانضمام إلى باسيل في جولة على قرى واقعة في منطقة جبل لبنان، تخللتها مواقف طائفية، أدت إلى توتر الأوضاع وقطع مناصري جنبلاط طرقات المنطقة لمنع مرور موكب رئيس "التيار".

ويحتاج إحالة أي ملف على المجلس العدلي في لبنان إلى قرار من الحكومة اللبنانية، وهو ما أدى إلى شلّ عملها، خصوصاً أن جنبلاط وأفرقاء الفريق السياسي السابق "14 آذار" اتهموا علانية الفريق الآخر بمحاولة استهداف الزعيم الدرزي وحزبه، عبر محاولة لصق تهمة الإرهاب بـ"التقدمي".
المساهمون