هل تواجه مصر تنظيماً مسلحاً جديداً غرب النيل؟

28 أكتوبر 2017
تعول الشرطة على حملتها للانتقام لقتلى الواحات (أحمد جميل/الأناضول)
+ الخط -

شهدت الصحراء الغربية في مصر اشتباكات عنيفة، أمس الجمعة، بين قوات الأمن وعناصر من مجموعة إرهابية، لم تعلن وزارة الداخلية عن هويتها، لكنها أعلنت عن مقتل 13 من أفراد المجموعة على الأقل، بعضهم يرتدي ملابس عسكرية، ولم تعلن عن مقتل أي من أفراد الأمن المصري. وبدأت الاشتباكات منذ الصباح الباكر، بدعم جوي، على الطريق الواصل بين محافظتي أسيوط والوادي الجديد، أي جنوب منطقة وادي الحيتان بالقرب من الواحات البحرية التي شهدت العملية الإرهابية ضد قوات الأمن في 20 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، والتي أودت بحياة عشرات الضباط والمجندين، وكشفت قصوراً أمنياً كبيراً في التعامل مع الجماعات المسلحة.

والمنطقة التي جرت فيها اشتباكات الأمس تبعد كيلومترات قليلة عن كمين النقب، الذي هاجمه مسلحون، في يناير/ كانون الثاني الماضي، وقالت وزارة الداخلية وتحقيقات النيابة العسكرية إنهم عناصر من خلية جديدة تسمى "جنود الخلافة"، تابعة لوجستياً وفكرياً لتنظيم "ولاية سيناء"، الذي أعلن، قبل نحو عامين، مبايعته لتنظيم "داعش". وترجح مصادر أمنية متعددة أن تكون هذه الخلية هي نفسها التي نفذت عملية الواحات الأخيرة، وكذلك استهداف حافلة مكتظة بالمواطنين الأقباط في أغسطس/ آب الماضي بين محافظتي المنيا وبني سويف. وقال مصدر أمني، لـ"العربي الجديد"، إن الشرطة تعول كثيراً على الحملة التي تشنها هذه الأيام بالتنسيق مع الجيش والاستخبارات العامة، لتمشيط الصحراء الغربية، ليس فقط للثأر لصورتها وللضباط والأفراد الذين قتلوا في عملية الواحات، ولكن أيضاً لفهم طبيعة العلاقات بين المجموعات "التكفيرية" المختلفة التي تجوب الصحراء الغربية، وتنتقل عبر طرفي الحدود مع ليبيا، وتنشط في محافظة الوادي الجديد، وتنجح أحياناً في التسلل إلى داخل وادي النيل. وأضاف المصدر أن وزير الداخلية أصدر تعليمات مشددة لإدارة الأدلة الجنائية بإعداد عمليات مضاهاة سريعة ودقيقة بين الأدلة التي خلّفتها آثار اشتباكات الأمس بعملية الواحات، وما سبقها من عمليات، على أمل إيجاد صلات واضحة بين الأشخاص المتورطين والأسلحة المستخدمة في كل من تلك الوقائع.
وأشارت وزارة الداخلية المصرية، في بيان، إلى أنه "تم تنشيط المصادر المتعاونة، ودفعهم لرصد أية معلومات حول أماكن تردد وتمركز العناصر المشتبه بها، خصوصاً الواقعة بمزارع الاستصلاح الكائنة بالمناطق النائية بمحافظات الجيزة، والوجه القبلي، باعتبارها ملاذاً آمناً لاختفاء وتدريب العناصر المسلحة، والانطلاق نحو تنفيذ مخططاتها"، موضحة أن "قطاع الأمن الوطني تلقى معلومات عن تمركز مجموعة من العناصر الإرهابية، واتخاذهم من أحد المنازل مأوى مؤقتاً لهم، بعيداً عن الرصد الأمني، لاستقبال العناصر المستقطبة حديثاً لتدريبهم على استخدام الأسلحة، وإعداد العبوات قبل تنفيذ عملياتهم العدائية".

وعن المستجدات التي تحدد على أساسها الأجهزة الأمنية السيناريوهات المحتملة لهوية تلك المجموعات، أكد المصدر أن جميع الاحتمالات ما زالت مفتوحة، لكن المحققين لم يعودوا يستبعدون خيارين آخرين، إلى جانب ضلوع مجموعة تابعة لـ"داعش" أو مجموعة "المرابطين"، التي يقودها الضابط السابق هشام عشماوي. أولهما أن يكون هناك تنظيم جديد قد تكوَّن هذا العام في الصحراء الغربية، غير معلن الاسم حتى الآن، يضم عدداً من "فلول" مجموعات "داعش" انفصلوا عن "ولاية سيناء" لأسباب غير معروفة، وفي الوقت ذاته لم ينضموا إلى هشام عشماوي بأفكاره "القاعدية"، أو أن يكون هذا التنظيم يتبع "داعش" فعلاً، لكن لم يتم الإعلان عنه لأسباب أمنية أو لإرباك أجهزة الأمن المصرية، في إطار خطة "ولاية سيناء" لتخفيف الضغط عليها في المنطقة الأساسية لممارسة نشاطها. أما الخيار الثاني الذي تدرسه الأجهزة الأمنية حالياً فيتمثل في وجود "تكفيريين عابرين للتنظيمات المختلفة"، بمعنى أن يكون غرب وادي النيل مكاناً لنشاط عدد من الإرهابيين الذين ينفذون العمليات ضد كمائن الجيش والشرطة لحساب عدة تنظيمات وليس تنظيماً واحداً. وعلى الرغم من أن هذا الأمر ليس شائعاً في ممارسات تلك الجماعات، خصوصاً في مصر، إلّا أن هناك عدة أدلة مادية تجعله احتمالاً وارداً.


فبحسب المصدر، تبين أن هناك تطابقاً بين أنواع الأسلحة المستخدمة في حادث استهداف كمين الفرافرة، وحادث استهداف كمين النقب، وحادث الواحات الأخير، بل إن التحقيقات أكدت استخدام قطع سلاح بعينها في الحادثين الأولين، رغم أن المعلومات والشهادات التي جمعتها الشرطة تؤكد أن الحادث الأول كان من تدبير وتنفيذ هشام عشماوي قبل انفصاله عن تنظيم "أنصار بيت المقدس"، الذي غير اسمه لاحقاً إلى "ولاية سيناء". أما الثاني فهو من تدبير وتنفيذ التكفيريين عمرو سعد وعزت محمد لحساب "داعش". والأخير، وهو الشهير بلقب "عزت الأحمر"، كان أحد مساعدي عشماوي قبل انفصاله، فضلاً عن التقارب بين خطتي الاقتحام في الحادثين، والسيارات المستخدمة فيهما. ويشير هذا الأمر إلى احتمال وجود "تكفيريين" يمتلكون أسلحة ويستعين بهم التنظيم، أو المجموعة التي ترغب في مهاجمة الأمن. كما يطرح احتمالاً آخر هو أن عشماوي، عندما أقدم على الانفصال عن "أنصار بيت المقدس"، بعد مبايعته "داعش" وتوجهه إلى ليبيا، لم يصطحب معه أياً من مساعديه أو أسلحته ومعداته.

وعن تأثير عدم إعلان تنظيم "داعش"، في عدد هذا الأسبوع من صحيفته "النبأ"، مسؤوليته عن حادث الواحات على البحث الجنائي، أكد المصدر أن "التنظيم لم يعلن تبنيه للعديد من العمليات رغم ارتباط خلاياه بها، وعلى رأسها استهداف كمين النقب، كما أنه تأخر في إعلان مسؤوليته عن عمليات أخرى"، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية ما زالت تبحث في جميع الاحتمالات، ولن تستبعد أياً منها إلى حين ظهور دلائل حاسمة. وسبق وذكر مصدر أمني، لـ"العربي الجديد"، أن الإرهابيين في عملية الواحات استخدموا أسلحة مماثلة للتي استخدمتها خلية "جنود الخلافة"، التابعة لـ"داعش"، في يناير/ كانون الثاني الماضي في كمين النقب، وهي قذائف "آر بي جي" ورشاشات "بي كيه" و"غرينوف" سوفييتية الصنع، تم تثبيتها على ظهر آليات نصف نقل. وأن شهادات بعض الأهالي في مناطق مختلفة في الواحات البحرية ومحافظة الفيوم كشفت تحرك مثل هذه السيارات على أبعاد تراوح بين 20 و50 كيلومتراً من منطقة الاشتباك قبل العملية بعدة أيام.