أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل يومين، اتصالاً بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ركز، بحسب البيان المصري، على تبادل التهاني بمناسبة العام الجديد وبحث تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، خصوصاً في ليبيا وسورية واليمن، وتطوير العلاقات العسكرية وملف مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.
إلّا أن مصادر دبلوماسية مصرية كشفت، لـ"العربي الجديد"، عن أن الاتصال ارتبط بملفين أساسيين؛ الأول وهو العاجل، والذي لا يمثل قلقاً كبيراً للسيسي، ويتمثل في التباحث حول التنسيق الإقليمي بين الولايات المتحدة ومصر والإمارات والسعودية والاحتلال الإسرائيلي حول فرص نشر قوات عربية في سورية بدلاً من القوات الأميركية التي ستنسحب من سورية خلال أربعة أشهر بحسب المصادر الأميركية، وذلك بناء على مبادرة طرحها ترامب. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن دراسة تنفيذ هذه العملية التنسيقية قد بدأت، بزيارة ضباط مصريين وإماراتيين إلى مدينة منبج شمال سورية. أما الملف الثاني، والأكثر أهمية وارتباطاً بالمستجدات السياسية التي تجري في مصر، فهو الخاص بالتعديلات الدستورية، إذ بلغ الترويج الإعلامي في مصر ذروته، بنشر رئيس مجلس إدارة مؤسسة "الأخبار"، المقرب من الرئيس، ياسر رزق، مقالاً الأحد الماضي تحدث فيه عن ضرورة إجراء التعديل في العام 2019، بزعم أنه سيحقق لمصر الإصلاح السياسي والتشريعي المنشود.
وكشفت مصادر دبلوماسية أن وزارة الخارجية المصرية تلقت، خلال الأسابيع الأربعة الماضية، تساؤلات عدة من واشنطن عن مصير الدستور، مع تزايد تناول وسائل الإعلام، ومنها "العربي الجديد"، معلومات عن طبيعة المواد التي سيشملها التعديل والنية الأكيدة لزيادة فترة رئاسة السيسي الحالية، التي من المقرر أن تنتهي في 2022 لتنتهي في 2024، وتغيير إجراءات تشكيل الحكومة وتعديلها لتقليل دور البرلمان، وتغيير إجراءات تعديل الدستور، وإلغاء المادة الضامنة إصدار تشريعات العدالة الانتقالية، فضلاً عن اقتراح بعض الدوائر بتشكيل مجلس لحماية الدولة يباشر السيسي على رأسه مهام الرئاسة حتى بعد انتهاء فترة ولايته الثانية.
وأضافت المصادر أن 3 أجهزة تعكف حالياً على إعداد تصورات للتعديلات الدستورية، هي رئاسة الجمهورية، ممثلة في عدد من المستشارين القانونيين من داخل القصر الجمهوري وخارجه، والاستخبارات العامة، التي يعقد رئيسها اللواء عباس كامل اجتماعات شبه يومية لوضع "أفكار" لا نصوص ويلعب دور المنسق للترويج العلني والسري للاستحقاق المرتقب. أما الجهة الثالثة فهي مجلس النواب، ممثلة في لجنة يرأسها رئيس المجلس أستاذ القانون، علي عبد العال، ويعاونه عدد من القضاة والمحامين البارزين.
وبينما تعمل هذه الأجهزة الثلاثة بكامل قوتها لـ"فلترة عدد كبير من التصورات"، بحسب تعبير المصادر، فإن "السيسي مشغول بشكل خاص بردود الفعل الغربية، والأميركية تحديداً، حيال ما ينشر في الإعلام المعارض والموالي على حد سواء"، مؤكدة أن نشر مقال ياسر رزق الأخير جزء من عملية "إلقاء بالون تجريبي لمعرفة رأي واشنطن في التعديلات الدستورية، وما إذا كان ترامب مستعداً لتمرير المسألة من دون ضغوط كما حدث في مشاكل أخرى سابقاً، أم أنه قد يرضخ لضغوط الدوائر السياسية التي تطالبه دائماً باتخاذ إجراءات أكثر صرامة حيال السيسي، خصوصاً في الكونغرس الجديد الذي يعج بنواب لهم باع في محاربة سياسات القاهرة منذ 2013". وأوضحت المصادر أن اتصال السيسي الأخير بترامب يأتي في إطار محاولته الحصول على تطمينات بعدم ممارسة أي ضغوط جديدة عليه، وتأكيد استعداده لتلبية مطالب الرئيس الأميركي على المستوى الإقليمي من ناحية، بما في ذلك الانخراط في التنسيق الجديد بشأن حفظ الأمن في سورية، ومن ناحية أخرى الوفاء بالعهود التي قطعها بشأن معاملة منظمات المجتمع المدني الأميركية والغربية وتبرئة المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي.
وكان الترويج الإعلامي لضرورة تعديل الدستور قد بدأ في مصر منذ عامين، لكنه تراجع بشكل واضح في أعقاب القرار الأميركي بتجميد جزء وتأجيل جزء آخر من المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر، إلى درجة خروج بعض قيادات الأكثرية النيابية الداعمة للسيسي بتصريحات تنتقد التعديل الدستوري وتحذر منه، بعد أيام معدودة من ترويج نفس الأشخاص له، وعلى رأسهم اللواء السابق كمال عامر رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان والمعروف بصداقته مع السيسي، إذ كان قائده لفترة في الاستخبارات الحربية. وأكدت مصادر حكومية أخرى، ما نشرته "العربي الجديد" في 8 سبتمبر/أيلول الماضي، وتداولته بعدها وسائل إعلام أخرى، عن أن السيسي تلقى تقارير استخباراتية توصي بضرورة الإسراع في إجراء استفتاء تعديل الدستور واتباعه إجراءات لتقليل القيود على المجال العام، قد تصل إلى حد تخصيص نسبة من المقاعد لفصيل معارض، يُنصح بأن يكون ناصرياً، وذلك لتحقيق هدفين؛ الأول هو استغلال وجود ترامب وإدارته التي لا تبدي حتى الآن ممانعة تُذكر لتعديل الدستور أو زيادة صلاحيات السيسي، بخلاف سلفه باراك أوباما الذي لم يكن يقبل بالسيسي رئيساً للجمهورية، أو منافسته السابقة هيلاري كلينتون. أما الهدف الثاني، فهو كسب ثقة الدول التي تلاحق النظام بالملاحظات والتساؤلات المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ورسم صورة جديدة للنظام تغاير ما كرسته ممارسات السنوات الخمس الماضية، من خلال الإجراءات "الانفتاحية" التي ستتبع الاستفتاء.
وأوضحت المصادر الحكومية أن التلويح بفكرة إنشاء مجلس رئاسي انتقالي، بعد انتهاء فترة السيسي الثانية التي ستمد إلى 2024، "يهدف لإظهار أن السيسي لن يطلق فترات الرئاسة إلى الأبد، وأنه مع أن تظل أقصى فترة لرئيس الجمهورية مدتين متتاليتين، كل منهما 6 سنوات"، مؤكدة أن هذا الحل "غير واقعي وغير متصور في الحالة المصرية والسمات الشخصية للسيسي"، مرجحة أن يتم التراجع عن هذه الفكرة في حال تمّ الحصول على دعم أميركي كامل للتعديلات. وأشارت المصادر إلى أنه حتى الآن لم يصدر السيسي تعليمات واضحة لأي جهة بتحديد موعد للاستفتاء، مشيرة إلى أن الإجراءات اللازمة قد تستغرق نحو شهرين من تقديم مذكرة بالتعديلات المقترحة بواسطة الأكثرية النيابية "دعم مصر" خلال النصف الأول من العام الحالي، على الأرجح. ولفتت المصادر إلى معلومة جديدة في سياق التعديلات، إذ تحدثت لـ"العربي الجديد" عن أنه "من الوارد إجراء تعديلات على مواد انتخاب مجلس النواب، في إطار تعديل تنظيم الأحزاب، وليس فقط إنشاء غرفة برلمانية جديدة (مجلس الشورى أو الشيوخ)، وأن بعض التعديلات على مواد البرلمان قد تؤدي إلى حل البرلمان الحالي، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة".
وكانت انتشرت في الأيام الأخيرة في بعض المصالح الحكومية بمحافظات الوجه البحري، دعوات للتوقيع الجماعي على استمارات للمطالبة بتعديل الدستور، بما يسمح بإعادة انتخاب السيسي مرة أخرى على الأقل بعد نهاية ولايته الثانية في العام 2022، عبر إلغاء القيد الدستوري على الترشح لولاية رئاسية ثالثة، وعدم زيادة مدة الفترة الرئاسية الواحدة عن 4 سنوات. كذلك تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، في يوليو/تموز الماضي، صوراً لتلك الاستمارات، تختلف عن بعضها في التصميم الخارجي، لكنها تتفق في المضمون، ما يعكس تحريك هذه المبادرة، بحسب وصف بعض الصفحات المؤيدة للسيسي، بواسطة إدارة موحدة تهدف لإحداث حراك سياسي في اتجاه تأييد السيسي وزيادة شعبيته بعد القرارات الاقتصادية الصعبة التي استهل بها ولايته الثانية، وكذلك لحثّ السلطة التشريعية على دراسة مشروع تعديل الدستور المجمد منذ عام تقريباً، قبل نهاية الفصل التشريعي الحالي في العام 2020. ومن المتوقع ألّا يقتصر أي تعديل دستوري على مد فترة الرئاسة، بل سيمتد أيضاً لإزالة العوائق التي تحول دون ممارسته سلطة مباشرة على جميع سلطات الدولة ومرافقها، وأبرزها السلطة القضائية، فضلاً عن حذف بعض الضمانات التي يمنحها الدستور الحالي لوسائل الإعلام والصحافيين، وإعادة صياغة المواد المنظمة لميزانية الدولة، بما يزيل شروط زيادة نصيب التعليم والصحة منها، وحذف التنظيم الخاص بالعدالة الانتقالية.