تعديلات السلطة السعودية: إعادة تدوير ترسخ هيمنة بن سلمان

27 ديسمبر 2018
تعديلات شكلية تصبّ في صالح سلطة بن سلمان (Getty)
+ الخط -
جاءت الأوامر الملكية مساء اليوم الخميس في السعودية، التي أعيد بموجبها تشكيل مجلس الوزراء وما يرتبط به من مناصب عديدة، لتكون من بين كبرى عمليات التعيين والإقالة في السنوات الأخيرة. أوامر حملت في الظاهر تعديلات جذرية، لكنها في الحقيقة لا تبدو أكثر من عملية "إعادة تدوير" سياسية لشخصيات سياسية، ربما يريد الحكم في الرياض من خلالها الإيحاء للعالم بأن هناك تغييرات تحصل بالفعل في المملكة، وذلك في إطار التخفيف من الضغوط الخارجية الممارسة على الرياض حالياً، على خلفية مجموعة من الإخفاقات والفضائح والملفات، من بينها قضية قتل جمال خاشقجي، وحرب اليمن، والسياسة الخارجية السعودية إزاء الجوار القريب والبعيد، وباتت سمتها في نظر المجتمع الدولي التسبب بعدم الاستقرار في الإقليم.


لكن التعيينات والإقالات لا تخلو طبعاً من الأبعاد الداخلية البحتة، وفيها ما يتعلق بإرضاء شخصيات كان "مغضوباً عليها" في الفترة الماضية، وما يتصل بحسابات عائلية قبلية تتعلق بالعائلة الحاكمة وبتوازنات محلية أخرى، من دون الحديث عن تخلص من شخصيات تعاني من استياء شعبي مثل وزير التعليم المقال أحمد العيسى. أما وزير الخارجية عادل الجبير، فظل اسمه الأبرز بين المقالين، لكنه بقي في الوزارة فعلياً بتسليمه منصب وزير دولة للشؤون الخارجية، ربما لإعانة خليفته، وزير المالية السابق إبراهيم العساف، المعروف بأنه كان مسؤولاً عن الأموال السعودية في العالم، قبل أن يزجّ به وليّ العهد محمد بن سلمان لفترة وجيزة في فندق ــ معتقل الريتز ــ كارلتون خريف السنة الماضية.

وقد أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، مجموعة من الأوامر الملكية تضمنت إعادة تشكيل مجلس الوزراء، وإعادة تشكيل مجلس الشؤون السياسية والأمنية الذي يرأسه ابنه ولي العهد محمد بن سلمان، وإعادة تشكيل مجلس الشؤون الاقتصادية، كما جرى إعفاء العشرات من الوزراء والمسؤولين وتدويرهم، عبر منحهم وزارات وهيئات أخرى أو استحداث هيئات وإدارات جديدة لتعيينهم فيها.


وكان من أبرز من قام العاهل السعودي بإعفائهم وزير الخارجية عادل الجبير، وتعيينه في وزارة سميت وزارة الدولة للشؤون الخارجية، كما تم تعيينه عضواً في مجلس الوزراء، بينما عيّن إبراهيم العساف، وزير الدولة الحالي ووزير المالية لأكثر من 20 سنة، وزيراً للخارجية بديلاً عن الجبير. وأعفي وزير التعليم أحمد العيسى، وعيّن في منصب رئيس مجلس إدارة هيئة تقويم التعليم والتدريب، وعيّن بدلاً منه حمد آل شيخ وزيراً للتعليم، وأعفي عواد العواد من منصبه وزيراً للإعلام وعيّن تركي الشبانة بديلاً منه، كما أعفي الأمير خالد بن عيال آل مقرن من منصبه وزيراً للحرس الوطني، وعيّن بدلاً منه الأمير عبدلله بن بندر آل سعود، وأعفي مدير الأمن العام سعود الهلال وتعيين خالد قرار الحربي بديلاً له.


وشملت قائمة التدوير ذراع بن سلمان اليمنى تركي آل شيخ الذي تحوّل من رئاسة هيئة الرياضة إلى هيئة الترفيه، فيما تحوّل الأمير سلطان بن سلمان (أحمد أبناء الملك) من رئاسة هيئة السياحة التي منحت لأحمد الخطيب إلى رئاسة هيئة الفضاء التي استحدثت له.

كما عيّن مساعد العيبان، رئيس الهيئة الوطنية للأمن السيبراني وأحد رجال محمد بن سلمان المهمين، مستشاراً للأمن الوطني. ولم تشمل القائمة الطويلة أي عقوبات أو طرد لوزراء وسجنهم، على خلفية تورط الكثير منهم في قضايا انتهاك حقوق الإنسان داخل البلاد وخارجها، في ظل وجود شبهات تحوم حول البعض منهم في قضية قتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول؛ بل على العكس استمرت الوجوه الموالية لبن سلمان حاضرة، فيما حصل أبرز الوزراء الذين تم إعفاؤهم، وهم وزير الخارجية الجبير ووزير التعليم العيسى ووزير الإعلام العواد، على مناصب توازي في أهميتها مناصبهم الحالية، كما أن سفير السعودية في بريطانيا الأمير محمد بن نواف، حصل بعد إعفائه من منصبه على مرتبة مستشار في الديوان الملكي.

ويهدف النظام السعودي، من خلال الترويج لعملية إعادة تشكيل مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك بنفسه، ومجلسي السياسة والاقتصاد اللذين يرأسهما ابنه محمد، إلى الإيحاء بوجود تغيير حقيقي في مؤسسات الدولة، وفي نهجها بعد تشوه صورتها بشكل كبير لدى دوائر صناعة القرار الغربية والضغط الدولي عليها بعد مقتل خاشقجي، وتسرّب أخبار عن وجود عمليات تعذيب كبيرة واغتصاب تجري ضد الناشطات الحقوقيات المسجونات في أماكن مجهولة.

واختار النظام السعودي إخفاء الجبير، الذي كان أحد أبرز الأصوات المرتبطة بحرب اليمن والعداء مع إيران وحصار قطر، ومنحه وزارة تختص بالشؤون الخارجية، لكن من جهة أكثر استخباراتية، كما هو الحال مع وزارة الدولة لشؤون الخليج العربي، التي يرأسها المثير للجدل ثامر السبهان.


وجاء تعيين العساف وزيراً للخارجية رغم عدم امتلاكه لأي خبرة دبلوماسية، إذ إنه يأتي من خلفية اقتصادية بحتة بعد ترؤسه لعدد من المؤسسات المالية الرسمية في البلاد، ثم توليه وزارة المالية في عهد ثلاثة ملوك؛ هم الملك فهد والملك عبدالله والملك سلمان، لكن النظام السعودي والعاهل بالتحديد يريد وضع رجل كبير في السن تربطه به صلة نسب وقرابة ويثق به، رغم إيداعه "الريتز" والإفراج عنه بعد ذلك، ليتولى ملف الخارجية مع بقاء نفس السياسات المندفعة لوليّ العهد.

ولم تظهر من خلال هذه التغييرات أيّ بوادر على نية النظام السعودي تغيير سياساته، أو أفراد محمد بن سلمان الذين باتوا يسيطرون على الدولة أكثر من أي وقت مضى، إذ إن هذه الأوامر تؤكد ترسخ السلطات في يد الملك سلمان وابنه مع تهميش كبير لبقية الأمراء الأقوياء؛ مثل الأمير متعب بن عبد الله نجل الملك الراحل، وولي العهد السابق محمد بن نايف، فيما جرت عدة ترضيات عبر تعيين الأمير تركي بن طلال، شقيق الوليد بن طلال، أميراً لمنطقة عسير.

ولم تتحدث الأوامر الملكية مطلقاً عن مصير الأمير خالد بن سلمان، السفير السعودي في أميركا ونجل العاهل، إذ تشير التقارير إلى تورطه في قضية مقتل خاشقجي، كما لم تتحدث عن الأجهزة الأمنية الأخرى التي ثبت تورطها في مقتل المعارض السعودي، ولم تتطرق أيضاً لمصير نائب رئيس الاستخبارات السابق أحمد عسيري والمستشار السابق سعود القحطاني، الذي يعتقد أنه لا يزال يدير المشهد من خلف الكواليس. ولجأ النظام السعودي إلى تعيين سيدة قبلية هي إيمان المطيري مساعدةً لوزيرة التجارة، كما أنه استحدث عدداً من الهيئات واللجان والإدارات في محاولة جديدة لتجميل صورته داخلياً وخارجياً، والقيام بتدويرها بين أمراء ورؤساء المناطق والمحافظات.

في المحصلة النهائية، فإن هذه التعيينات والإعفاءات والتدويرات لا يرجّح أن تؤدي إلى تغيير السياسات السعودية تجاه اليمن وقطر وبقية دول المنطقة، وتجاه المعارضين والناشطين السعوديين في الداخل، بل إنها ترسخ قبضة محمد بن سلمان الحديدية على البلاد أكثر فأكثر.