وأصدر الكرملين، أول من أمس الخميس، بياناً أعلن فيه أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على استعداد للتدخل كوسيط بين البلدين لحلّ القضية، وذلك تأكيداً لما انفرد "العربي الجديد" بنشره الأربعاء الماضي نقلاً عن مصادر بوزارة الري المصرية من "أن هناك رغبة إثيوبية في إدخال بوتين كوسيط لحل الأزمة"، قبل ساعات من إدلاء نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف بتصريح ذكر فيه استعداد موسكو للتدخل "شريطة أن يطلب منها ذلك، لأنها على علم جيد بالموضوع وسبق أن تحدث مسؤولوها بشأنه مع حكومتي القاهرة وأديس أبابا".
ولم تعلّق مصر أو إثيوبيا رسمياً على الإعلان الروسي، لكن المصادر الدبلوماسية المصرية المطلعة على جوانب كبيرة مما تمّ في مدينة سوتشي الخميس، على هامش قمة "روسيا - أفريقيا" واللقاء الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، أكّدت أنه صدر بناء على تنسيق مسبق بين بوتين وأبي أحمد، وأن الحديث عن القضية بين الرئيس الروسي والسيسي تطرّق إلى بعض الجوانب السياسية العامة، وليس الفنية، حول القضية؛ إذ حرص بوتين على معرفة اتجاهات مصر في التعامل مع الأزمة، مع تأكيد عدم ترحيبه بالتلويح أو التفكير في استخدام الحلّ العسكري، وهو ما نفاه السيسي بشدة ملقياً باللوم على حديث أبي أحمد في البرلمان الإثيوبي أخيراً عن هذا الأمر واستغلال الإعلام للتصريحات.
وأضافت المصادر أنه لم يجر، حتى الآن، أي تواصل بين وزارتَي الخارجية الروسية والمصرية حول الوساطة المحتملة، على عكس التواصل القائم بين الخارجيتَين المصرية والأميركية حول الدور الذي يمكن لعبه في القضية، إلا أنّ المشكلة "الكبيرة" تكمن في عدم ترحيب أديس أبابا أو الخرطوم بواشنطن كوسيط، وهو السبب الذي يمنع الخارجية الأميركية حتى الآن من إعلان تدخلها بشكل رسمي فعّال.
ولم يصدر عن الخارجية الأميركية أي بيان رسمي عن لعبها دور الوساطة، بل تمّت الإشارة إلى هذا الأمر فقط من خلال البيانات المصرية، خصوصاً البيان الأخير لوزارة الخارجية الذي تحدّث عن أن "مصر تلقت دعوة من الإدارة الأميركية، في ظلّ حرصها على كسر الجمود الذي يكتنف مفاوضات سد النهضة، لاجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا في واشنطن، وهي الدعوة التي قبلتها مصر على الفور اتساقاً مع سياستها الثابتة لتفعيل بنود اتفاق إعلان المبادئ وثقةً في المساعي الحميدة التي تبذلها الولايات المتحدة".
وبحسب المصادر، فإنّ الخارجية المصرية طلبت من نظيرتها الأميركية المبادرة لاتخاذ خطوة وساطة من نفسها، بدلاً من انتظار التوافق الثلاثي للجوء لها، وفقاً للصياغة غير الموفقة للمبدأ العاشر من اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس/آذار 2015، والذي يشترط "اتفاق الدول الثلاث" لاستدعاء الوساطة، وهو ما لا يتوفر رسمياً في الوضع الحالي. فالسودان الذي يبدو من الناحيتين الفنية والاقتصادية مستفيد من بناء السد، سبق وجدّد ثقته في إمكانية التغلب على الخلافات باستمرار المفاوضات، أما إثيوبيا، فلم تصدر أي تصريح رسمي بشأن الوساطة عموماً، والأميركية خصوصاً، ليستمر التناقض بينهما وبين خشية مصر استمرار إهدار الوقت من دون اتفاق.
وذكرت المصادر المصرية أنّه عقب اجتماع السيسي وأبي أحمد في سوتشي، بدأت الخارجية بالفعل اتصالات مع نظيرتها الإثيوبية لتحديد أمرين أساسيين؛ الأول هو وضع جدول زمني لجولة مفاوضات جديدة تبدأ باجتماع للجنة العلمية المستقلة المكونة من 15 عضواً بواقع 5 أعضاء من الدول الثلاث، ثم اجتماع ثلاثي لوزراء الري والمياه، علماً بأنه من المطروح الآن العودة لصيغة الاجتماعات السداسية بحضور وزراء الخارجية، مع استمرار استبعاد مديري المخابرات العامة بالدول الثلاث. ورجحت المصادر أن تعقد جولة المفاوضات المقبلة في أديس أبابا، فيما تحاول مصر إقناع إثيوبيا باستدعاء ممثلي المكتب الاستشاري الهولندي "دلتارس" الذي أعد الدراسة الوحيدة المتكاملة عن القضية، لحضور الاجتماعات لإعادة تقديم بعض المعلومات، مع التركيز على جوانب جديدة خاصة بإدارة فترة الملء الأول لخزان السد.
أمّا الأمر الثاني، الذي تتناوله اتصالات وزارتي الخارجية المصرية والإثيوبية، فيتمثّل في تحديد المواضيع التي يرى الجانبان أنها تتطلب وساطة بالفعل، وهي من وجهة النظر المصرية فترة الملء الأول للخزان، وكيفية إدارة المياه في فترات الجفاف المحتملة.
ووصفت القاهرة وأديس أبابا لقاء السيسي وأبي أحمد، أول من أمس، بأنه "مثمر وإيجابي". وذكرت الرئاسة المصرية أن "أحمد أكد أن تصريحاته الأخيرة أمام البرلمان الإثيوبي بشأن استخدام الحل العسكري في ملف السد، تم اقتطاعها من سياقها، وأنه يكنّ كل تقدير واحترام لمصر قيادة وشعباً وحكومة". بينما قال أبي أحمد في تصريحات عقب اللقاء إنه "يجب على وسائل الإعلام التعامل بتحفظ أكبر مع القضية، وأنّ الطرفين راغبان في التعاون معاً انطلاقا من قاعدة تحقيق المصلحة لجميع الأطراف". وعقب انتهاء كلمة رئيس الوزراء الإثيوبي في الجلسة العامة لقمة "روسيا - أفريقيا"، قال السيسي الذي ترأس القمة: "قبل أن أشكر أخي أبي أحمد، أتقدم له مرة أخرى بالتهنئة لحصوله على جائزة نوبل للسلام، فقد أثبت أنه رجل سلام حقيقي".