وتضمّن الاتفاق الموقع، نقاطاً رئيسية عدة، تشتمل على إصلاحات وقوانين جديدة تتقاسم الحكومة والبرلمان مسؤولية تنفيذها. ومن بينها، القيام بتعديل وزاري واسع، بعيداً عن مفاهيم المحاصصة، وتحديد الجهات المتورطة باختطاف الناشطين والمتظاهرين، ومواصلة الجهد لاكتشاف المتورطين بعمليات قنص المتظاهرين وقتلهم، واستهداف وسائل الإعلام، والتعهد بتعديل قانون الانتخابات لتوفير فرص متكافئة لفوز المرشحين المستقلين، وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة.
الوثيقة التي جاءت بعد مفاوضات وحراك واسع من قبل كتل سياسية عراقية رئيسية، اعتبرها المتظاهرون محاولةً لكسب الوقت لا أكثر. وأمس الثلاثاء، تجددت التظاهرات العراقية في بغداد ومدن جنوب ووسط البلاد، وسط مشاركة طلابية واسعة مع قطع عدد كبير من الطرق الرئيسية جنوبي البلاد خاصة تلك المؤدية الى موانئ وحقول نفطية في البصرة وميسان وذي قار، وكان لافتاً ترديد المتظاهرين هتافات وشعارات رافضة لخارطة الطريق هذه، التي اعتبروا أنها لا تعنيهم، وأن أيّ مبادرة تخرج من المنطقة الخضراء تحتاج إلى ضامن، محددين إياه بالمرجعية الدينية في النجف أو الأمم المتحدة. هذا الرفض دفع كتلاً سياسية عدة للتنصل من الاتفاق، مثل قائمة "الوطنية" بزعامة إياد علاوي، و"جبهة الإنقاذ" بزعامة أسامة النجيفي، ما فسر بمحاولة لتجنب هجوم الشارع على هذه القوى، بعد رفضه بنود الوثيقة.
وتعليقاً على الوثيقة، أكد أحد منسقي التظاهرات في بغداد، مصطفى حميد، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "المتظاهرين في العاصمة وفي جميع المحافظات، رفضوا بتاتا الاتفاق الذي يحاكي المطالب الشعبية، المنادية بإقالة الحكومة، كأول إجراء لأي عملية إصلاح وتغيير". وأضاف حميد أن "المتظاهرين الذين انتفضوا على جميع رموز الطبقة السياسية، يرفضون أي حلول تخرج من القوى التي اجتمعت في منزل عمار الحكيم، والتي تقف وراء ما جرى ويجري في العراق".
مصادر سياسية عراقية مطلعة، بينها قيادي في تحالف "الفتح"، أوضحت لـ"العربي الجديد"، أن الوثيقة الموقعة خضعت لتعديلات عدة أثناء عملية المفاوضات حولها". وكشفت المصادر أن الاجتماع، الذي عقد في مقر إقامة زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، كان من المقرر أن يجري أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء في قصر السلام، برعاية رئيس الجمهورية برهم صالح، لكن قوى عدة مشاركة رفضت هذا الطرح، بسبب انتقادها لمواقف وتحركات صالح الأخيرة، والتي فسرت بأنها سعي منه لإسقاط حكومة عبد المهدي ككبش فداء". وفيما لم تدع القوى السياسية رئيس الجمهورية، فقد وجّهت دعوةً لرئيس الوزراء، الذي اعتذر، بحسب المصادر المطلعة.
وفي تفاصيل الاجتماع، لفتت المصادر إلى أن رئيس ائتلاف "دولة القانون"، نوري المالكي، أبدى تحفظه عل الوثيقة، معتبراً إياها اعترافاً للقوى السياسية بالفشل والفساد، وإدانة لنفسها، وأشبه ما يكون بتعهد مذنب، مخولاً المجتمعين التوقيع نيابة عنه، لينسحب من الاجتماع بسبب عدم قناعته بفحوى الاتفاق.
فجوة عميقة
في هذه الأثناء، قال القيادي في تحالف "سائرون"، علي مهدي، لـ"العربي الجديد"، إن التحالف لم يشارك بالاتفاق، وهو يرفضه، لما يشكله من مضيعة للوقت، ومن محاولة للالتفاف والتسويف على مطالب المتظاهرين". وأشار مهدي إلى أن "ما جرى من اتفاق يمثل مناورةً لكسب الوقت، لكي يعود المتظاهرون إلى منازلهم. وبعد انتهاء المهلة المقدمة، تعيد السلطة وأحزابها فرض سطوتها وتفعيل أجهزتها البوليسية، وتنشيط سلوكها في استخدام العنف المفرط ضد المواطنين".
من جهته، أوضح القيادي في "تحالف القوى العراقية"، حيدر الملا، لـ"العربي الجديد"، أن "الشارع يعتقد أن نقطة الشروع بأي تفاهمات أو تقارب مع العملية السياسية، تبدأ من إقالة أو استقالة حكومة عبد المهدي، فيما تدور الطبقة السياسية في فلك محدد، غير مدركة لرغبات الشارع".
ورأى الملا أن "الفجوة لا تزال عميقة جداً بين الشارع العراقي وأصحاب القرار السياسي"، وأن "مجموعة الحلول والإصلاحات المطروحة تندرج في إطار ثقافة ومحددات العملية السياسية، في حين أن الأهداف مختلفة جذريا". واعتبر في هذا السياق أن "السلطة وأحزابها تلعب على عامل الوقت، مع اقتراب فصل الشتاء والرهان على حالة ملل قد تصيب المتظاهرين، لكن هؤلاء يبدون إصراراً وعزماً على عدم العودة إلى المنازل، إلا بعد تحقيق مطالبهم، والتي تتصدرها إقالة الحكومة".
ويوافق رئيس "المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية"، واثق الهاشمي، على أن اجتماع الإثنين "محاولة لكسب الوقت وللإبقاء على الوضع الرهان، وعلى الوجوه ذاتها في المشهد السياسي العراقي". وفي حديث لـ"العربي الجديد"، رأى الهاشمي أن المجتمعين "سعوا إلى إيصال رسالة للشارع العراقي، مفادها أن القوى السياسية جادة في إجراء الإصلاحات، لكن هذا الاتفاق لن يقبل به المتظاهرون، لأنه يخلو من أي ضمانات لتحقيق ما اتفق عليه في منزل الحكيم".
وحول الجهات التي يتوجه إليها الاتفاق، اعتبر رئيس "المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية"، أنه "يحمل بعدين، الأول إلى الشارع، والثاني إلى المرجعية، التي كان خطابها شديد اللهجة الأسبوع الماضي في تحميل السلطة المسؤولية ورمي الكرة في ملعبها، فقد أراد المجتمعون أن يقولوا للنجف إننا تحركنا وعملنا وفق التوجيهات".
وبحسب الهاشمي، فإن "الاتفاق لن يتمكن من إحداث أي تغيير، ما لم يكن جاداً في تحديد موعد إجراء انتخابات مبكرة مع إنشاء مفوضية انتخابات مستقلة ومحاربة الفساد وتغيير الوجوه، لكن هذا التحول يبدو صعب المنال، بسبب تمسك القوى السياسية بمناصبها وحصصها".
تعتيم حول الضحايا
في هذه الأثناء، تواصل وزارة الصحة العراقية التعتيم على حصيلة ضحايا التظاهرات، وسط استمرار توقف المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق عن تحديث أرقامها، على الرغم من تسجيل المدن جنوب ووسط البلاد وبغداد وفاة متظاهر واختناق العشرات خلال الساعات الـ24 الماضية.
وقال مسؤول في الوزارة لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة حظرت التصريح بأي حصيلة، وأخضعت موظفين في الوزارة للتحقيق بسبب منحهم تفاصيل لمراسل وكالة أنباء أجنبية وصحيفة أميركية دخلت وأجرت لقاءات مع المصابين في كربلاء قبل مدة.
ووفقاً للمسؤول، فإن الحصيلة الحالية المتوفرة هي مقتل 331 عراقياً منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وإصابة ما لا يقل عن 17 ألف آخرين، مضيفا أن معدل الضحايا تراجع كثيراً خلال الأسبوع الماضي، وقد يعود السبب في ذلك إلى الضغوط على الحكومة من قبل النجف والأمم المتحدة.