هل تجر حرب الأنفاق إلى مواجهة شاملة في غزة؟

09 مايو 2016
الاحتلال مستعد لحرب للقضاء على "تهديد الأنفاق"(جاك غيز/فرانس برس)
+ الخط -
يحمل التصعيد الذي شهده قطاع غزة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، عقب ادعاء جيش الاحتلال كشف "نفقين هجوميين" وتدميرهما، في طياته إمكانية التحوّل إلى مواجهة شاملة، على غرار الحرب التي شُنّت على قطاع غزة، في صيف 2014، على الرغم من أنه من ناحية نظرية لا يوجد لدى كل من الطرفين مصلحة في الوصول إلى هذه النتيجة. فبالنسبة لإسرائيل، فإن الكشف عن الأنفاق وتدميرها يمثّل الهدف الأول الذي يتم تجنيد الموارد والقدرات الاستخبارية والتقنية والعسكرية من أجل تحقيقه. وفي نظر كبار قادة الكيان الصهيوني السياسيين والعسكريين، يكتسب تحقيق هذا الهدف أهمية إضافية في ظل مجاهرة سكان المستوطنات الواقعة في محيط قطاع غزة بالتعبير عن مخاوفهم من تبعات مواصلة "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، حفر الأنفاق، كما أكد ذلك قادة الحركة أنفسهم في أكثر من مناسبة، وادعاء الكثير من المستوطنين أنهم سمعوا أصواتاً تدل على أن عمليات حفر تتم أسفل منازلهم.
وقال معلّق الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرنوت" رون بن يشاي، إن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غادي إيزنكوت، يعتبر أن الكشف عن "الأنفاق الهجومية" وتدميرها، هو "المشروع رقم واحد بالنسبة للجيش خلال العام الحالي". وفي تقرير نشره موقع الصحيفة أول من أمس السبت، أشار بن يشاي إلى أنه على الرغم من أنه لا يوجد لدى إسرائيل مصلحة استراتيجية بالانجرار لمواجهة شاملة جديدة ضد حركة "حماس"، إلا أن كلاً من المستوى السياسي وقيادة الجيش في تل أبيب مستعدان لخوض غمار حرب جديدة من أجل القضاء على "تهديد الأنفاق"، على اعتبار أنه لا يمكن التسليم "بتهاوي معنويات المستوطنين في غلاف غزة والمس بمستوى الشعور بالأمن الشخصي لديهم".
ومما زاد الأمور تعقيداً حقيقة، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سارع أخيراً للإعلان عن اكتشاف "حل تكنولوجي غير مسبوق" يُمكّن من الكشف عن الأنفاق وبالتالي تدميرها. وقد رأى بعض المحللين العسكريين في تل أبيب أن "تباهي" نتنياهو بهذا "الإنجاز" أسهم فقط في زيادة التوتر وعزز من فرص اندلاع مواجهة شاملة. وقال المعلّق العسكري الإسرائيلي، ألون بن دافيد، إن إعلان نتنياهو عن اكتشاف "الحل التكنولوجي نجم عنه ضرر عسكري وسياسي كبير لأنه قلّص هامش المناورة أمام حركة حماس". وفي مقال نشره موقع صحيفة "معاريف" السبت، أشار بن دافيد إلى أن "حماس" باتت تدرك أن الكشف عن النفقين "لم يكن نتاج الصدفة"، وأن مسألة كشف بقية الأنفاق الهجومية هي "مسألة وقت فقط".


وحسب بن دافيد، فإن نتنياهو، من دون أن يقصد، قد وضع "حماس" أمام خيارين أحلاهما مر، فإما أن تسلّم بقيام إسرائيل بتدمير الأنفاق التي تمثّل وسيلة الدفاع الأمثل بالنسبة لها والقبول أن تذهب كل الجهود التي بذلت في حفرها سدى، أو أن تستغل الحركة ما تبقى من أنفاق غير مكتشفة في تنفيذ عمليات خاطفة، ستفضي حتماً إلى حرب شاملة، مع كل ما يترتب عليه الأمر من تبعات.
ونقلت صحيفة "معاريف" في عددها الصادر الجمعة عن أوساط عسكرية إسرائيلية، قولها إنه على الرغم من الحصار المفروض على قطاع غزة، ففي حال نشوب مواجهة شاملة مع غزة، فإن حركة حماس ستكون قادرة على "إيذاء" إسرائيل بشكل أكبر مما حصل في حرب 2014. في الوقت ذاته، فإن هناك في إسرائيل من يحذر من أن نشوب حرب جديدة سيهدد بشكل كبير المستوطنين في محيط القطاع، إذ إن قادة هؤلاء المستوطنين أبلغوا الإذاعة الإسرائيلية، الخميس الماضي، أنهم يرفضون أن يتم إخلاء المستوطنين إلى مناطق في عمق إسرائيل، خلال أية حرب مقبلة، كما تخطط قيادة الجيش الإسرائيلي.
وعلى الرغم من إدراك نتنياهو كل هذه المحاذير، فإنه يبدو مستعداً لمواصلة استهداف الأنفاق، لا سيما عقب صدور تقرير "مراقب الدولة" الذي حقق في مسار حرب 2014، والذي اتهم المستوى السياسي والعسكري بالتقصير. فقد انقض عدد من قادة اليمين على نتنياهو، حيث طالبه وزير الخارجية السابق، أفيغدور ليبرمان، في مقابلة مع القناة الثانية، بالاستقالة. وفي تعليق نشره على صفحته على "فيسبوك" اعتبر وزير الداخلية السابق، والقيادي البارز في الليكود جدعون ساعر، أن تواصل حفر الأنفاق يدل على أن حرب غزة كانت "فشلاً ذريعاً".
ويرى الذين تعاملوا مع نتنياهو أن الحسابات السياسية الداخلية تعدّ من أهم الاعتبارات التي تملي عليه طابع القرارات التي يتخذها. لكن هناك في إسرائيل من يرى أن هناك فرصة لاحتواء التصعيد الجاري وتلافي خطر الانجرار لمواجهة عبر إحداث تحوّل جدي على واقع الحصار. فقد كشف موقع صحيفة "معاريف"، السبت، أن عدداً من وزراء اليمين نجحوا في إقناع نتنياهو بتحديد جلسة خاصة للحكومة لمناقشة مسألة تدشين ميناء قبالة سواحل غزة. وأشارت الصحيفة إلى أن كلاً من وزير التعليم نفتالي بنات ووزير الاستخبارات، يسرائيل كاتس، ووزير الإسكان يوآف جلانات ووزير الاستيطان والزراعة، أوري أرئيل، يطالبون بتدشين الميناء، إلى جانب أن قيادة الجيش الإسرائيلي تجاهر بتأييدها هذه الفكرة. وحسب الصحيفة، فإن المتحمسين لفكرة الميناء يرون أن تدشينه سيمنح الغزيين إنجازاً يجعل "حماس" معنية بالحفاظ عليه وعدم الإقدام على أية خطوة يمكن أن تفضي إلى المس به.