وفي وقت رحبت الأحزاب الكردية بالقرار الذي تعتقد أنه الطريق الأقصر لضم المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل إلى إقليم كردستان، رفضت أطراف أخرى القرار، واعتبرته امتدادا للمادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الصادر في العراق عام 2004، والذي يسمى محليا "قانون بريمر".
أول المنتقدين لقرار المحكمة الاتحادية من النواب كانت عضو البرلمان عالية نصيف، التي قالت إن القرار خالف تفسيرات سابقة للمحكمة ذاتها قالت فيها إن التوقيتات الدستورية لا يمكن تجاوزها، وأنها تفقد قيمتها القانونية بمجرد انتهائها، مبينة، خلال تصريح صحافي، أن المادة 140 حين وضعت في دستور 2005 كانت مؤسسة على المادة 58 الخاصة بكركوك، في إشارة إلى قانون إدارة الدولة المؤقت، الذي وضعه الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر عام 2004.
ووفقا للمادة 140 من الدستور العراقي، والتي قررت المحكمة الاتحادية الإبقاء على سريانها في قرار اتخذ هذا الأسبوع، فإن على السلطة التنفيذية استكمال متطلبات المادة 58 في قانون إدارة الدولة بجميع فقراتها، بما فيها الإحصاء والتطبيع والاستفتاء في كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها قبل نهاية عام 2007.
ونصت المادة 58 من قانون إدارة الدولة على إلزام الحكومة العراقية بإزالة الظلم الذي مارسه النظام السابق (نظام صدام حسين) الذي نتج منه تغيير الوضع السكاني في كركوك ومناطق عراقية أخرى.
مصادر برلمانية عراقية أكدت أن الجدل بشأن المادة 140 بدأ منذ الآن بين النواب الأكراد الذين يرون فيها حقا دستوريا بضم المناطق المتنازع عليها إلى إقليم كردستان، ونواب آخرين أغلبهم من العرب، يرفضون تطبيق المادة المذكورة، ويتوجسون من تبعات ذلك، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أن الفصل التشريعي المقبل سيشهد جدلا دستوريا وسياسيا كبيرا بسبب المخاوف على مستقبل المناطق المتنازع عليها، وخصوصا كركوك الغنية بالنفط.
وتوجد خشية لدى عرب كركوك من احتمال تعرضهم لموجة تغيير ديمغرافي في المحافظة في حال طبقت هذه المادة وفقا للعضو في تجمع عرب كركوك فاروق الجبوري، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن الأحزاب الكردية تريد أن تتخذ من المادة 140 منطلقا للتمدد في كركوك مجددا، والتلاعب بتركيبتها السكانية، موضحا أن "عرب وتركمان كركوك يرفضون أية خطوة تنتقص من حقوقهم القومية".
وهذا ما دفع عضو اللجنة القانونية في البرلمان حسين العقابي للتحذير من "فتنة كبيرة" في حال تطبيق المادة 140 من الدستور، مبينا أن تطبيقها "سيلحق الضرر بالنسيج الاجتماعي، ويتسبب بتهديد حقيقي للأمن القومي العراقي".
ونقلت وسائل إعلام محلية عن العقابي دعوته إلى إبقاء الوضع في المناطق المتنازع عليها على ما هو عليه، مشددا على ضرورة إشراك جميع الأطراف والمكونات الموجودة بتلك المناطق في إدارة الأوضاع في مناطقهم.
وانتقدت الجبهة العربية في كركوك قرار المحكمة الاتحادية بشأن المادة 140 من الدستور، مؤكدة، في بيان، أن هذه المادة ميتة بحكم الدستور (الصادر عام 2005) الذي ألزم الحكومة والبرلمان العمل بها لمدة لا تتجاوز نهاية عام 2007.
واتهمت الجبهة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بتسليم نفط كركوك إلى إقليم كردستان من دون مقابل، رافضة ضعف المواقف الحكومية تجاه عودة الأمور إلى ما قبل خطة فرض القانون في كركوك، في إشارة إلى دخول القوات العراقية إلى المحافظة في أكتوبر/ تشرين الأول 2017.
وعلى الرغم من المخاوف التي أطلقها عرب وتركمان كركوك، ونواب من تبعات تطبيق المادة 140، إلا أن القوى الكردية رحبت بقرار سريانها.
وقالت رئيسة كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان فيان صبري إن قرار المحكمة الاتحادية الخاص بالمادة 140 واجب التطبيق، مطالبة بإعادة تفعيل اللجان البرلمانية والحكومية لتطبيق المادة التي تتضمن ثلاث مراحل، هي التطبيع والإحصاء والاستفتاء.
كما رحبت مقررة كتلة "الاتحاد الوطني الكردستاني" في البرلمان العراقي الماس فاضل بقرار المحكمة الاتحادية المتعلق بسريان المادة 140 من الدستور، موضحة أن القرار محل ترحيب، ويؤكد أن القضاء مستقل.
وأشارت إلى أن قرار المحكمة الاتحادية دحض جميع السجالات السياسية التي كانت تدعي أن المادة ميتة، مبينة أن الحكومة العراقية ملزمة بالقيام بمسؤولياتها تجاه هذه المادة.
إلى ذلك، قال رئيس "هيئة الحشد الشعبي" فالح الفياض، الثلاثاء، إن "الحشد باق في المناطق المتنازع عليها، وسيتولى مهمة حماية جميع المكونات هناك"، وذلك في معرض تعليقه على قرار اعتبار المادة 140 سارية المفعول.
اللواء المتقاعد أحمد فرج قال، لـ"العربي الجديد"، إن "التوتر الأمني في المناطق المتنازع عليها ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى بداية الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003"، موضحا أن "أساس الخلاف هو اعتقاد قوات البشمركة بأن لها الحق الكامل في تأمين هذه المناطق، وهو بخلاف رؤية بغداد التي تعتقد أن للبشمركة حق حماية إقليم كردستان حصرا".
يشار إلى أن قوات البشمركة انتشرت في كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها، التي تعتقد أنها مشمولة بالمادة 140 من الدستور منذ عام 2003 حتى عام 2017، بعد أن أمر رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي بدخول الجيش الاتحادي إليها على خلفية استفتاء الانفصال الذي أجري في إقليم كردستان في العام ذاته، وشملت به مناطق متنازعاً عليها.