توغل "قسد" في دير الزور: العين على "داعش" بالرقة

23 فبراير 2017
مسلحون من "قسد" في ريف دير الزور(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، والتي تشكّل مليشيا الوحدات الكردية الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي ثقلها الرئيسي، خوض معارك مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، داخل الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور شرقي سورية. ويُقلل مراقبون من أهمية هذا التوغل عسكرياً، مشيرين إلى أن غاياته "إعلامية"، وهو بمثابة رد على استبعاد الحزب الكردي من الجولة الرابعة لمفاوضات جنيف. وأكدت "قسد" أنها تقدمت نحو الخاصرة الشمالية الغربية لدير الزور، من خلال السيطرة على قريتين، إثر معارك مع مقاتلي "داعش". وتحاول هذه القوات، والتي تتولى الوحدات الكردية مهمة التوجيه والقيادة فيها، وتضم عدة مليشيات "غير متجانسة" منها من يعلن الولاء للنظام السوري، عزل محافظة الرقة، والتي تعد المعقل الأبرز للتنظيم في سورية، بدعم مباشر من التحالف الدولي، والذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، قبل البدء في اقتحامها.

ويقلل المحلل العسكري السوري، العقيد مصطفى بكور، من أهمية توغل "قسد" في جغرافية محافظة دير الزور. ولا يرى أي أهمية عسكرية له في إطار محاربة "داعش" على المدى الطويل "باعتبار أن ميليشيا الوحدات الكردية ليس لها قاعدة شعبية في محافظة دير الزور". ويعرب بكور، وهو طيار منشق من جيش النظام، عن قناعته بأن هذا التقدم يأتي في سياق الضغط الإعلامي على التنظيم لـ"خلخلة دفاعاته عن مدينة الرقة من خلال الإيحاء بأن هناك عملية لفصل دير الزور عن الرقة". ويوضح بكور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن بقاء الوحدات الكردية في ريف دير الزور على المدى الطويل "أمر صعب". وأضاف "هناك خطة من التحالف الدولي لفصل دير الزور عن الرقة، وبالتالي محاصرة التنظيم في الرقة، أو الضغط عليه، وبالتالي إجباره على الانسحاب إلى دير الزور كي لا يقع بين فكي كماشة".

ويفرض تنظيم "داعش" منذ منتصف عام 2014 سيطرة شبه مطلقة على محافظة دير الزور، باستثناء المطار وبعض أحياء المدينة، والتي لا تزال تحت سيطرة قوات النظام، رغم العديد من المحاولات التي قام بها التنظيم للسيطرة عليها. وشن منتصف الشهر الماضي هجوماً واسع النطاق على مواقع النظام في دير الزور، تمكن خلاله من فصل الأحياء التي يسيطر عليها النظام داخل مدينة دير الزور عن المطار، في إطار استراتيجية تضييق الخناق على قوات النظام التي لا تزال داخل المدينة. وتعد محافظة دير الزور من أكبر المحافظات السورية مساحةً، فضلاً عن أهميتها الاقتصادية، إذ تضم جزءاً كبيراً من ثروة سورية النفطية، علاوة على كونها محافظة زراعية بامتياز، إذ يمر نهر الفرات في وسطها. وكانت قوات "قسد" قد بدأت أواخر العام الماضي عملية "غضب الفرات" لـ"عزل" الرقة، ضمن استراتيجية التحالف الدولي لانتزاع السيطرة على المدينة، والتي تعد مستقراً وممراً لمقاتلي تنظيم "داعش". وحققت المرحلة الأولى من العملية تقدماً في ريف الرقة الشمالي، قبل أن تحقق تقدماً مماثلاً في ريف الرقة الشمالي الغربي والغربي في مرحلتها الثانية. وتهدف العملية في مرحلة ثالثة إلى قطع التواصل الجغرافي بين محافظتي دير الزور والرقة، من خلال التوغل في ريف الأخيرة الشرقي.


وجاء الإعلان عن توغل "قسد" في ريف دير الزور، بالتزامن مع انعقاد الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف، في رسالة إعلامية واضحة من حزب الاتحاد الديمقراطي، والذي تعد الوحدات الكردية ذراعه العسكرية، رداً على استبعاده عن هذه المفاوضات، إذ لم يقم المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا بدعوته. والحزب، والذي يُعرف اختصاراً بـ "PYD"، ويتزعمه صالح مسلم، يعتبر نفسه أحد الأطراف الرئيسية في معادلة الحل السياسي في سورية، كذلك يقدّم نفسه كطرف رئيسي في محاربة "داعش"، في وقت تعتبره المعارضة السورية حليفاً للنظام، ويحمل أجندة انفصالية لا يخفيها، إذ يسعى إلى تشكيل إقليم ذات صبغة كردية في شمال البلاد، مستفيداً من دعم دولي، كونه الذراع البري للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش". كذلك يُتهم الحزب باستغلال الحرب على "داعش" لتوسيع نطاق سيطرته الجغرافية، والتي يفرض عليها على الفور قوانين "إدارة ذاتية" أعلنتها أحزاب كردية من طرف واحد أواخر عام 2013 في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الوحدات الكردية. وكانت منظمة العفو الدولية قد اتهمت، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، الوحدات الكردية بشن هجمات "ترقى إلى جرائم حرب" ضد عرب وتركمان في محافظة الحسكة وريف الرقة الشمالي.

وينتهج تنظيم "داعش" تكتيكاً قتالياً يعتمد على استدراج العدو إلى مناطق يسيطر عليها، قبل أن يقوم بهجوم مضاد يستعيد خلاله ما خسره من أراضٍ، ويستنزف القوات المهاجمة. واتبع التنظيم هذا التكتيك مع "قسد" في ريفي الرقة الشمالي والغربي، إذ كبّد القوات المهاجمة خسائر كبيرة. وأوضح خبير عسكري مطلع على استراتيجيات قتال التنظيم، لـ"العربي الجديد"، أن "داعش" يشن هجوماً معاكساً على الفور "في حال كان توغل القوات المعادية له في مناطق استراتيجية، ويشكّل هذا التوغل خطراً عليه". وأوضح أن التنظيم "لا يُستدرج إلى معارك من قبل أي طرف... ويختار وقت ومكان معاركه". ويرى الخبير العسكري أن "قوات سورية الديمقراطية" تعتمد على دعم التحالف الدولي في تقدمها، مضيفاً أن "أي خطوة غير محسوبة من هذه القوات ستكون غايتها إعلامية هي بمثابة انتحار". وتكتسب محافظة دير الزور أهمية استثنائية لدى "داعش"، كونها امتداداً جغرافياً لمناطق سيطرته في غربي العراق، فضلاً عن غناها بالنفط، وهي تعد من قواعده المهمة التي من المتوقع أن يدافع عنها بشراسة في حال توغلت فيها قوات "قسد"، أو "جيش سورية الجديد" المدعوم من الأردن، والذي يتمركز في منطقة التنف. وكان التنظيم قد أفشل منتصف العام الماضي هجوماً لـ"جيش سورية الجديد" على مدينة البوكمال شرقي دير الزور، وكبّده خسائر وُصفت في حينه بـ "الجسيمة" مع مقتل العشرات من مقاتلي هذا الجيش.