على الرغم من أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، زعم قبل توجهه للولايات المتحدة، مساء السبت الماضي، أنه يمكن حل الأزمة الائتلافية التي فجرها حزب "يهدوت هتوراة" على خلفية قانون تجنيد الحريديم، إذا توفرت النوايا الحسنة، مدعياً أنه يؤيد حل الأزمة، إلا أن مصادر رفيعة المستوى في حزب الليكود أعربت، في حديث مع القناة الإسرائيلية الأولى أمس الإثنين، عن اعتقادها بأن الأزمة الحالية مع أحزاب الحريديم مفتعلة، وأنها لا تستبعد أن يكون نتنياهو وراء تفجيرها، بالتنسيق مع نائب وزير الصحة، عن حزب "يهدوت هتوراة"، يعقوف ليتسمان، الذي فجر الأزمة ويبدي لغاية الآن تصلباً في موقفه.
وقالت المصادر، التي لم يكشف عن هويتها، إن نتنياهو يعتقد أن الأوضاع الحالية، خصوصاً مع استمرار حصول الليكود في استطلاعات الرأي الأخيرة على أكبر عدد من المقاعد في حال جرت الانتخابات المبكرة، هي أفضل توقيت لتبكير موعد الانتخابات على خلفية "أزمة مع أحزاب الحريديم" في الظاهر، وكوسيلة له لمواجهة التحقيقات الجارية ضده بتهم الفساد، من دون أن يتحمل نتنياهو شخصياً مسؤولية تبكير موعد الانتخابات، ودون أن توجه له تهم تبكيرها للتهرب من ملفات الفساد واستباق قرار المستشار القضائي للحكومة بشأن توصيات الشرطة، الشهر الماضي، بتقديم لوائح اتهام ضده.
وقد زادت متاعب نتنياهو أمس، إذ انضم نير حيفتس، المستشار السابق لنتنياهو، إلى مستشارين اثنين سابقين في التوقيع على اتفاقية شاهد ملك ضد رئيس الحكومة، في قضايا الفساد التي تحقق فيها الشرطة.
وترافقت هذه الاتهامات، مع تصريحات شديدة اللهجة، أطلقتها من واشنطن وزيرة العدل، أيليت شاكيد، التي تشارك في مؤتمر اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة "أيباك"، عندما اعتبرت أن الأزمة الحالية هي أزمة مفبركة وأنه بمقدور نتنياهو، إذا شاء، إنهاء الأزمة وحلها خلال وقت قصير، عبر التوصل إلى تسوية ترضي الحريديم، الذين يصرون، بحسب موقف ليتسمان المعلن، على التصويت أولاً على قانون تجنيد الحريديم بصيغته المعدلة، التي تمنح إعفاءات كبيرة للحريديم، حتى قبل التصويت على قانون الميزانية العامة لغاية 15 مارس/آذار الحالي، فيما يشترط وزير المالية وزعيم حزب "كولانو"، موشيه كاحلون، أولاً التصويت على مشروع الميزانية وإقرارها في الدورة الحالية للكنيست وعدم تأجيل التصويت على الميزانية المقترحة للعامين 2019-2020 لدورة الصيف.
في غضون ذلك، ربط المحلل السياسي، أودي سيغل، في مقال في موقع صحيفة "معاريف"، أول من أمس، بين زيارة نتنياهو الحالية لواشنطن وبين موقفه من الأزمة الائتلافية الحالية. واعتبر سيغل أن نتنياهو ينتظر لمعرفة المقترحات الأميركية قبل أن يقرر حسم الأزمة الحالية، وهل يسعى لحلها أم يفاقم من تداعياتها وصولاً إلى حل الحكومة والاتجاه إلى انتخابات جديدة. وبحسب سيغل فإنه إذا وجد نتنياهو أن مقترحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تفيد موقفه السياسي المعلن، فقد يعود بقرار لحل الحكومة والاتجاه إلى انتخابات جديدة، مع إبراز كون هذه الخطوة تتم بمبادرته الشخصية، حتى لا يظهر أمام جمهور ناخبيه بمظهر المُكره على خوض الانتخابات، وأن أحزاب الحريديم جرّته لخوضها، بالرغم من موقفه المعلن بأنه لا يريد انتخابات مبكرة.
ويتوافق هذا التحليل مع توجهات ترى بأن وزير المالية موشيه كاحلون ضالع هو الآخر في تفجير الأزمة ومفاقمتها، وأنه قد يكون حصل على تعهد من نتنياهو بتكليفه في الحكومة المقبلة بملف المالية مجدداً، وبالتالي فإن هذا يعزز الاشتباه بأن نتنياهو غير معني حالياً بإنهاء الأزمة الائتلافية، خصوصاً أنه يعتبر أكبر رابح من تبكير موعد الانتخابات. وفي هذا السياق، اعتبر يوسي فيرتر، المختص في الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، أنه في حال أعلن نتنياهو عن تبكير موعد الانتخابات من دون السعي لحل الأزمة الائتلافية الحالية، فسيكون ذلك دليلاً على أنه أنهى اتصالات مسبقة تضمن له تشكيلة الائتلاف المقبل، فهذا ما فعله نتنياهو عشية الانتخابات في العام 2009، ثم كرره عشية انتخابات العام 2013 عندما قام بدمج حزبه مع حزب أفيغدور ليبرمان. وفي العام 2015 لم يقم بتفكيك ائتلافه مع حزب "ييش عتيد" قبل أن يعقد ائتلافاً مع الحريديم.
وبحسب فيرتر فإنه من غير المستبعد أن يكون نتنياهو اتفق مع الحريديم على أن أي حكومة مقبلة لن تضم حزب "ييش عتيد" بقيادة يئير لبيد، الذي تعتبره أحزاب الحريديم ألدّ أعدائها، وليست على استعداد للدخول في ائتلاف حكومي بمشاركة هذا الحزب، أو مع حزب المعسكر الصهيوني، بقيادة آفي غباي، الذي يطالب هو الآخر بإلزام الشبان الحريديم بأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، وتقليص أعداد من يسمح لهم بالبقاء في المعاهد التوراتية.
في غضون ذلك، يستند نتنياهو إلى أن وجوده في الولايات المتحدة، حتى نهاية الأسبوع الحالي، يبقيه بمأمن من أضرار الأزمة الائتلافية الحالية، التي تبدو وكأنها حرب لا دخل له فيها، لا سيما أن الموعد القريب الذي تضربه أحزاب الحريديم لسن قانون التجنيد المذكور كشرط مسبق للتصويت على مشروع الميزانية، والموعد الذي يشترطه كاحلون للتصويت أولاً على الميزانية، هو الأسبوع المقبل، ما يعني مواصلة تراشق التصريحات بين الطرفين لحين عودته من واشنطن، وهو ما يمنحه الوقت الكافي لاتخاذ قراره النهائي، هل يتجه نحو تبكير موعد الانتخابات أم نحو حل الأزمة بتسوية يوافق عليها الحريديم وحزب كاحلون ولو قامت على إرجاء تصويت الكنيست على المشروعين (التجنيد والميزانية) لدورة الصيف؟ خصوصاً أن الدورة الحالية تنتهي في 28 الشهر الحالي.