انسحاب تركي آل الشيخ من مصر: شكلي أم نهائي؟

27 سبتمبر 2018
دأب آل الشيخ على استفزاز المصريين عبر تدويناته (Getty)
+ الخط -

اختلفت المصادر الإعلامية والحكومية في مصر على توصيف وتبرير القرار المفاجئ الذي أعلنه تركي آل الشيخ، مستشار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بسحب استثماراته من مصر، والمتمثلة في امتلاكه نادي "بيراميدز" (الأسيوطي سابقاً) وقناة "بيراميدز" الرياضية، وذلك بعد أيام من تعرّضه لهتافات ساخطة وسباب كثيف من جمهور النادي الأهلي أثناء مباراته الأخيرة بربع نهائي دوري أبطال أفريقيا.

واعتبرت بعض المصادر أنّ آل الشيخ يمارس ضغطاً على النظام في مصر لحمايته من الهجوم الجماهيري والإعلامي، استناداً إلى معلومات مفادها أنّ رئيس نادي الزمالك، مرتضى منصور، هو الذي اقترح على آل الشيخ إطلاق هذا التهديد، وأن يتبعه بحملة إعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مستخدماً قيادات العمل الرياضي في السعودية، للتحذير من مغبة انسحابه من الرياضة المصرية. وكل ذلك بهدف إجبار النظام على البطش ببعض أعضاء مجلس إدارة النادي الأهلي الذين تربطهم علاقات قوية بجماهير النادي، ويعتبر آل الشيخ أنهم يقفون خلف الهجوم الجماهيري المنظم عليه.

وتحوّل سباب آل الشيخ الذي ردّدته الجماهير إلى "ترند مصري" على مواقع التواصل الاجتماعي، ما اعتبره آل الشيخ هجوماً منظماً يقف وراءه، بالمال والتنظيم، عضوان أو ثلاثة من أعضاء مجلس إدارة النادي الأهلي، عرفوا منذ شهور بمعارضتهم لتجربة آل الشيخ السابقة في الأهلي، وحاولوا التصدّي لهجومه المستمر على النادي ورئيسه محمود الخطيب.

وشجّع السباب الجماهيري الجماعي لآل الشيخ بعض ضحاياه الآخرين للحديث صراحة عما يتعرضون له من اضطهاد، على رأسهم المطربة آمال ماهر التي كان آل الشيخ قد اعتدى عليها بالضرب منذ أشهر عدة، على خلفية علاقة سابقة بينهما. وأعلنت آمال عبر حسابها الرسمي على موقع "فيسبوك"، أنّ الاستديو الخاص بها تعرّض للغلق، وكذلك الصيدلية المملوكة لشقيقها، مطالبةً بتدخل الجهات والمسؤولين لوقف ما تتعرّض له من إيذاء.

وبالتزامن مع هذا التصعيد، ألقت قوات الأمن القبض على أكثر من عشرين مشجعاً للنادي الأهلي من منازلهم، وأحالتهم إلى جهات غير معلومة، يرجّح محامون أنّها مقار الأمن الوطني في المحافظات المختلفة، في إطار حملة مفاجئة ضدهم، خصوصاً أنّ الجماهير لم تهاجم إلا آل الشيخ، ولم تتعرّض للحكومة أو أي من قياداتها.

إلى ذلك، أضافت المصادر التي ترجح أن يكون آل الشيخ يمارس ضغطاً على النظام، أنّ الأخير يرغب في تحريك قضية عاجلة ضد المشجعين المقبوض عليهم وألا يكتفي النظام بتحذيرهم أو تهديدهم في مقار الأمن الوطني، وأنّه يريد أيضاً أن تصّل التحقيقات إلى أعضاء مجلس إدارة الأهلي المناوئين له، الأمر الذي تعتبره بعض دوائر النظام "تمادياً غير مرغوب في خدمة مصالح آل الشيخ مما سيسيء أكثر لصورة النظام".

ويدعم ترجيح أنّ آل الشيخ يمارس ضغوطاً ولا ينوي الانسحاب من مصر، أو بالأحرى لم يتلق أوامر بذلك من الرياض، المعلومات الواردة من داخل قناة "بيراميدز" وتفيد بأنّ العاملين بها تلقّوا رسائل طمأنة باستمرار العمل في القناة وعدم البحث عن أماكن أخرى، وأن مستحقاتهم هذا الشهر ستصرف في موعدها، وذلك بعد اجتماع عقده عدد من الإعلاميين، صباح الثلاثاء، منهم مدحت شلبي مع بعض مساعدي آل الشيخ ورئيس النادي حسام البدري.


وما يدعم هذا الاتجاه أيضاً أنّ آل الشيخ كان يتفاوض حتى ساعات قليلة مضت مع تامر مرسي، مدير شركة "إعلام المصريين"، لشراء حصة من أسهم الشركة تمكّنه من إدارتها مع استمرار تامر مرسي ومساعديه، وذلك في إطار التعاطي السعودي مع التوجّه الرسمي المصري للتخفيف من أعباء وسائل الإعلام المحلية المدارة حالياً بواسطة الصندوق الاستثماري "إيغل كابيتال" التابع للاستخبارات العامة، والذي تديره وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد.

واللافت للنظر أيضاً أنّ هذه المستجدات طرأت بعد ساعات قليلة من موافقة اللجنة الأولمبية المصرية على تعديل اللائحة الداخلية لنادي "بيراميدز" واعتماد التغييرات التي أدخلها آل الشيخ على هيكله الإداري والمالي، الأمر الذي يرجح أن يبقى انسحاب آل الشيخ مرتهناً بمدى نجاح ضغوطه على النظام المصري للحصول على مزيد من الضمانات ووسائل الحماية.

على الجهة المقابلة، رجّحت مصادر أخرى أن يكون انسحاب آل الشيخ من المشهد الرياضي بداية لاختفائه من الساحة، بسبب اهتزاز صورته أمام صناع القرار في السعودية، وأنّ ولي العهد يبحث عن واجهة أخرى للمشروع السعودي في مصر. لكنّ هذه الرؤية لا تدعمها إلا البيانات التي أصدرها نادي "بيراميدز" ومسؤولوه وتصريحاتهم عن قلقهم على "مستقبل الكرة المصرية" بعد سحب استثمارات آل الشيخ.

وكان آل الشيخ الذي دأب على استفزاز المصريين عبر تدويناته، خصوصاً خلال فترة كأس العالم الماضية، قد اتفق في إبريل/ نيسان الماضي، مع الدائرة الخاصة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعلى رأسها مدير الاستخبارات عباس كامل، على تدشين شبكة بأموال سعودية ومحتوى ترفيهي سياسي رياضي مصري، وبرامج يتم إنتاجها في مصر. وتمّ الاتفاق بالفعل على ضمّ عدد من كبار الإعلاميين المصريين، وتمّ تقسيم الشبكة لقناة رياضية جديدة تابعة للنادي الذي امتلكه آل الشيخ حديثاً، والاكتفاء بشبكة "إم بي سي" كبوتقة للمحتوى السياسي في هذه الخطة. علماً أنّ الخطة البديلة في حالة عدم نجاح آل الشيخ في الاستحواذ على النادي الرياضي، كانت ضمّ الإعلاميين المصريين لقناة لم تحقّق أيّ نجاح منذ إنشائها وهي "إم بي سي برو"، استغلالاً للإمكانيات القائمة فيها تحت إشراف مباشر من آل الشيخ.

وفي مايو/ أيار الماضي، نشبت أزمة بين آل الشيخ ومجلس إدارة النادي الأهلي، انتهت باستقالته من الرئاسة الشرفية للنادي. وأصدرت دائرة السيسي تعليمات صريحة وقتها، لوسائل الإعلام الرسمية والموالية لها، بعدم الخوض في المشكلة وعدم نشر ردود فعل النادي على اتهامات آل الشيخ، حرصاً على العلاقات الثنائية بين القاهرة والرياض. وأنهت هذه الأزمة المشروع الرياضي المشترك بين البلدين الذي نبع في الأساس من رغبة النظام المصري في توسيع تجربة فتح السوق المحلية للاستثمارات السعودية والإماراتية، بهدف تحقيق المزيد من الأرباح وتقليل الالتزامات الحكومية تجاه الأندية والاتحادات الرياضية وتعظيم أرباحها. وهو المشروع الذي كان يتضمّن إقامة مدينة رياضية متكاملة للنادي الأهلي، وكان مقرراً أن يكون مقدمة لخطة واسعة لتحقيق مكاسب مالية ضخمة للسعودية ومستثمريها من الرياضة المصرية التي تتمتّع بمقومات لا تملكها نظيرتها السعودية، كالاهتمام الشعبي العريض داخل مصر وخارجها بالأندية المصرية الكبرى، والحضور الجماهيري الكثيف، وضخامة الاستثمارات الإعلانية.

المساهمون