وتضم اللجنة الدستورية المشكّلة خمسة ممثلين أكراد بالحد الأدنى، اثنان منهم في وفد المعارضة وثلاثة من المجتمع المدني. أما بالنسبة لقائمة النظام، فعدد الأكراد الممثلين فيها لا يزال غير معروف. واستبعدت الأمم المتحدة أحزاباً كردية تنضوي تحت "الإدارة الذاتية" التي شكلتها في منطقة شرقي الفرات، وفي مقدمها حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذي يتخذ من "الوحدات الكردية" ذراعاً عسكرية له، من تشكيلة اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور للبلاد من المؤّمل أن يفتح الباب واسعاً أمام الحلول السياسية للأزمة. وولّد هذا الأمر ردود فعلٍ غاضبة لدى هذه الأحزاب والشارع الموالي لها في شمال شرقي سورية، إذ اعتبرته "مؤامرة" الهدف منها تهميش الأكراد مرة أخرى في شأنٍ ربما يحدد المستقبل السياسي في البلاد لعقود مقبلة.
وفي هذا السياق، تظاهر مئات الأشخاص أمس الأول الأربعاء في مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية، تنديداً بـ"إقصاء"، "الإدارة الذاتية" الكردية عن عضوية اللجنة الدستورية. وتجمع المتظاهرون أمام مقر الأمم المتحدة في القامشلي، وفق "فرانس برس". ورفعوا لافتات باللغات الكردية والعربية والسريانية، كتب على إحداها "الدستور الذي لا نشارك فيه لن نلتزم به"، و"من حقنا المشاركة في صياغة الدستور". وندد الرئيس المشترك لـ"الإدارة الذاتية" في إقليم الجزيرة (الحسكة) طلعت يونس، في تصريح لـ"فرانس برس" على هامش مشاركته في التظاهرة، بـ"إبعاد ممثلي الإدارة الذاتية عن اللجنة الدستورية"، داعياً المجتمع الدولي إلى "إعادة النظر بتشكيل هذه اللجنة وضرورة مشاركة جميع مكونات المجتمع السوري في صياغة الدستور".
وتهيمن الوحدات الكردية على "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تسيطر على نحو ثلث مساحة سورية (منطقة شرقي نهر الفرات)، وهي تؤكد أنها غير معنيةٍ بدستور لم تشترك بصياغته، ما يعني أن الدستور المقبل لن يسري على منطقة كبيرة في سورية تعد بنظر كثيرين القسم المفيد من هذا البلد، كونها تشكل سلته الغذائية ومستودع الثروات. واتفق النظام والمعارضة السورية على استبعاد أحزاب "الإدارة الذاتية" و"مسد"، الجناح السياسي لـ"قسد"، عن اللجنة الدستورية، إذ تتهم المعارضة السورية الوحدات الكردية بارتكاب جرائم إبادة وتهجير بحق العرب والتركمان والأكراد في شمال شرقي سورية، والسعي باتجاه إقامة إقليمٍ ذي صبغة كردية يمهد لتقسيم البلاد. من جهته، وَسَم النظام المنضوين في "قسد"، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، بـ"الخيانة"، بسبب رفضها عودته الى منطقة شرقي نهر الفرات من دون شروط، ما خلا بعض الحقوق الثقافية للأكراد في المنطقة. كما يعتبر النظام قوات "قسد" أداة بيد الأميركيين في سورية، مطالباً بعودة الوضع في شمال شرقي البلاد إلى ما كان عليه قبل الثورة عام 2011، وهو ما يرفضه الأكراد الذين يطالبون بدور يعادل ما قاموا به من محاربة تنظيم "داعش" طيلة سنوات بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والقضاء عليه في منطقة شرقي نهر الفرات. وتعتمد "قسد" على دعم عسكري وسياسي أميركي كبير، وهي تعتبر المعارضة السورية رهينة الموقف التركي، وتتهم أنقرة باستبعادها من المعادلة السياسية السورية لتحييدها بشكل كامل.
ومرّت العلاقة بين الأكراد السوريين والنظام بمراحل وتقلبات عدة. فمنذ عام 1963 وحتى عام 2011، قام النظام بإقصاء الأكراد وتهميشهم. أما الثورة السورية، فقد شارك فيها عددٌ كبير من الأكراد، خصوصاً في عامها الأول، جنباً الى جنب مع باقي مكونات الشعب السوري. ولكن الظهور المفاجئ لـ"الوحدات الكردية" في عام 2012، وسيطرتها بتواطؤ مع النظام على مناطق في محافظة الحسكة، مركز الثقل السكاني الكردي، أدى إلى تراجع المد الثوري الكردي لصالح مشروعٍ آخر ترى المعارضة أنه يتعارض ومبادئ الثورة السورية.
ويبدو المشهد الكردي السوري اليوم معقداً، حاله حال مشهد المعارضة السورية بشكل عام، إذ يسود الخلاف وتتعدد الأحزاب والتيارات، وتختلف الأهداف والغايات السياسية. وينضوي المجلس الوطني الكردي، الذي يضم أحزاباً عدة، تحت مظلة الائتلاف الوطني السوري. ويعتبر هذا المجلس نفسه ممثلاً للأكراد السوريين، فيما استمال النظام شخصيات كردية عدة إلى صفه في مسعى لشقّ الصف الكردي لاحتكار تمثيله. كما تعتبر "الإدارة الذاتية" نفسها ممثلة للشارع الكردي السوري بما تمتلكه من حضور سياسي وعسكري ودعم غربي كبير، إضافة الى كونها سلطة أمر واقع في منطقة واسعة من سورية، ترى أنها تديرها بشكل ناجح، إذ تقدّم خدمات كاملة للسكان، إضافة الى وجود أمانٍ نسبي يسود منطقة سيطرتها.
ورأى الكاتب والمعارض السوري الكردي المعروف، صلاح بدر الدين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كل السوريين غائبون عن المشهد، ومن ضمنهم الأكراد في المرحلة الراهنة، التي قد تطول"، لافتاً إلى أن "سورية تعيش ظروف الانتفاضة والثورة وحروب الإبادة والإلغاء منذ أكثر من ثمانية أعوام". وأوضح بدر الدين أنه "بعدما تآمرت القوى الصغرى والكبرى على الثورة بتواطؤ نظام الاستبداد وانحراف قيادات المعارضة، وأقصد من المجلس الوطني السوري، ومروراً بالائتلاف وانتهاء بهيئة التفاوض، وبكل ألوانها العربية والكردية والتركمانية ومختلف تياراتها السياسية (الإسلامية والقومية واليسارية)، لم يبق هناك أي مكان للسوريين، موالاة ومعارضة، في دوائر الفعل والقرار".
واعتبر الكاتب والمعارض السوري الكردي أن "من يحكم سورية هو دول الاحتلال الإقليمية والدولية والمليشيات المذهبية الغريبة"، لافتاً إلى أن "السوريين باتوا متفرجين وتابعين، أما ما تبقى من النظام، فقد أصبح ذليلاً فاقداً للشرعية، إذ إن "قرار السلم والحرب يفرض من الخارج".
وبالنسبة للجنة الدستورية تحديداً، ذكّر بدر الدين أن مسألة الدستور هي "من أهم المسائل في حياة الشعوب والدول"، مشيراً الى أن اللجنة الدستورية السورية "تتحكم بتعيين أعضائها"، وهي "ستنتج دستوراً لمصلحة الاستبداد والاحتلال، وبالنقيض من التغيير الديمقراطي والحداثة والشراكة العادلة". وقال إن "الغالبية الساحقة من الجمهور الكردي مستقلة عن الأحزاب ولا تثق بأدائها، وتعمل من أجل إعادة بناء الحركة الوطنية الكردية السورية واستعادة شرعيتها من خلال عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع، وصولاً الى صياغة مشروع البرنامج الكردي بشقيه القومي والوطني، وانتخاب قيادة شرعية كفوءة تعيد العلاقة الوطنية مع شركاء الوطن الى سابق عهدها". وبحسب رأيه، فإن هذه القيادة الجديدة "ستعزز الدور الكردي في القضايا المصيرية والنضال من أجل التغيير الديمقراطي، وصولاً الى سورية جديدة بدستورٍ جديد، يكفل حقوق جميع المكونات بما في ذلك احترام إرادة الأكراد السوريين في تقرير مصيرهم ضمن إطار سورية الجديدة الموحدة". وختم بالقول إن "ما يتم التداول به حول مشاريع بشرق الفرات أو غربه عبر جماعات "بي كا كا" (حزب العمال الكردستاني)، أو "قسد"، بإشراف أميركي أو غربي أو خليجي، أو ما يشاع عن تمثيل كردي في لجنة ما يسمى الدستور باسم "المجلس الوطني الكردي"، لا يهم غالبية الأكراد السوريين ولا يعبر عن واقع حالهم، بل قد يلحق الضرر بهم وبقضيتهم حاضراً ومستقبلاً".
من جهتها، تؤكد "الإدارة الذاتية" أنها غير معنية بمخرجات اللجنة الدستورية، بل تذهب إلى القول إن تجربتها في منطقة شرقي نهر الفرات "ناجحة"، مطالبة بنظامٍ لامركزي في سورية.
وفي هذا الصدد، جدد عضو ممثلية "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" في باريس باقر كردو، في حديث مع "العربي الجديد"، القول إن "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) حافظت على وحدة الأراضي السورية"، مضيفاً أن "تجربة الإدارة أثبتت نجاحها بشكل فعلي من خلال تقديم الخدمات والحفاظ على مكونات هذه المنطقة وترسيخ قيم العيش المشترك وأخوة الشعوب". ودعا كردو إلى "إقامة نظام لامركزي" في سورية، وإلى أن تكون اللغة الكردية "لغة رسمية" في البلاد، مكرراً اتهام دول إقليمية، على رأسها تركيا، بـ"محاربة مشروعنا"، وهي لذلك اليوم تعمل على إقصاء ممثلي الإدارة الذاتية من اللجنة الدستورية". وأكد أن "الإدارة الذاتية ليست معنية بمخرجات هذه اللجنة (الدستورية) لأنها عمدت إلى إقصاء أهم القوى الفاعلة على الأرض، وهي قوات سورية الديمقراطية التي تسيطر على ثلث مساحة سورية". ورأى أن "إنشاء هذه اللجنة لا يتناسب مع مقررات جنيف1"، معتبراً أنها "لن تجلب (اللجنة) سوى إطالة عمر الأزمة السورية لأنها تغفل تمثيلنا".
وإضافة إلى التيارات السياسية المتناحرة على الساحة السياسية السورية الكردية، هناك مستقلون أكراد يحاولون النأي بأنفسهم عنها، علماً أن لديهم رابطة تتخذ من تركيا مقراً لها، أي أنهم قريبون من رؤية المعارضة السورية لمستقبل البلاد. وتؤكد هذه الرؤية دعمها وتأييدها لحقوق كاملة للأكراد السوريين ضمن دولة واحدة موحدة.
وفي هذا الإطار، أشار نائب رئيس الرابطة، رديف مصطفى، في حديث مع "العربي الجديد"، الى أن موقف الرابطة من اللجنة الدستورية "لا يختلف عن موقف السوريين الأحرار المتمسكين بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية وإنهاء الاستبداد"، مؤكداً أن "هذه اللجنة لا تمثلنا، لأنها أولاً تخالف بشكل صريح إرادة الشعب السوري في الحرية والانعتاق ومحاسبة المجرمين، وثانياً هي مخالفة للقرارات الدولية ذات الصلة، بيان جنيف والقرار 2254 الذي يبدأ بهيئة الحكم الانتقالي وليس سلة الدستور". وأضاف أن "الدساتير الدائمة وفقاً لمعايير الأمم المتحدة تكتب بإحدى طريقتين، إما انتخاب جمعية تأسيسية أو لجنة برلمانية منتخبة من برلمان منتخب، لذلك طرحنا فكرة الإعلان الدستوري أو دستور مؤقت للمرحلة الانتقالية وليس دستوراً دائماً"، مشيراً إلى أن المستقلين الأكراد "ليسوا موافقين على تشكيلة وتركيبة اللجنة ولا القواعد الإجرائية الخاصة بها"، لافتا إلى أن هذه القواعد "تحمل في طياتها العديد من الفخاخ، في ما يخص التصويت والعرض على الاستفتاء ومن سيطبق الدستور بحال تم فعلا صياغة دستور جديد". وأكد مصطفى أن "مشكلتنا مع نظام القتل والإجرام ليست مشكلة دستورية فقط، بل هي مشكلة انتقال سياسي حقيقي".