لوائح اتهام قتلَة آل الدوابشة لتبرئة المستوطنين وكبار الحاخامات

04 يناير 2016
تلتقي مصلحة الصهاينة و"الشاباك" بتغطية الجرائم العنصرية(حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
في محاولة فاشلة لتلميع صورته من جهة، وحماية المستوطنين من جهة ثانية، أعلن الاحتلال أمس، عن تقديم لائحة اتهام ضدّ اثنين من المستوطنين في جريمة محرقة عائلة الدوابشة؛ وكلاهما من أبناء حاخامات معروفين في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، مدّعياً أنّهما ينتميان إلى تنظيم سري يدعى "تمرد"، لتبرئة ساحة عصابات "جباية الثمن" وفتية "التلال"، وإعفائهم من تبعات جرائمهم المتواصلة ضدّ الفلسطينيين.

وكشفت سلطات الاحتلال هوية أحد القتلة وهو عميرام بن أوليئيل البالغ من العمر 21 عاماً، وهو متزوج وابن حاخام مستوطنة كرمي تسور. فيما لم تكشف هوية مشتبه آخر بعد بحجة أنه يبلغ من العمر 17 عاماً، وهو الآخر ابن حاخام لإحدى مستوطنات الضفة الغربية.

وكان متطرفون قد أقدموا على إحراق منزل عائلة سعد دوابشة في 30 يوليو/تموز من العام الماضي، وأسفرت جريمتهم عن استشهاد ثلاثة من الأسرة: الأب سعد والأم رهام والطفل علي الدوابشة، فيما نجا من المحرقة الطفل أحمد.

ورغم أن المجرميْن الأساسييْن حتى الآن هما من أبناء حاخامات معروفين، غير أن سلطات الاحتلال، خصوصاً جهاز الشاباك والنيابة العامة، تحاول الترويج لكون المشتبه بهما والثمانية الآخرين الذين اعتقلوا معهم، هم من "فتية التلال" الذين يعيشون على هامش مجتمع المستوطنين في "البؤر الاستيطانية"، والتي أقاموها على تلال متفرقة بالقرب من المستوطنات القائمة والمحمية ، وتطل على قرى وبلدات فلسطينية.

ولعل ما يثير الشكوك في نوايا الاحتلال في ضرب عصابات "جباية الثمن" الإرهابية، هو إصرار سلطات الاحتلال والشاباك، على رواية انشقاق المجموعة التي ينتمي لها المتهمون الرسميون عن باقي مجموعات "فتية التلال" و"جباية الثمن"، والتي ظهرت للعلن أول مرة في عام 2009، والقول إنّ المجموعة الجديدة تنتمي لتنظيم سرّي، تأسس على ما يبدو بحسب رواية الاحتلال قبل عامين. ويزيد جهاز "الشاباك" الإسرائيلي بأن أبناء هذه المجموعات يعملون بشكل منفرد ومستقل في خلايا صغيرة لا تحتاج إلى قائد رسمي أو إلى تنسيق أمر العمليات؛ يكفي أن يقرر اثنان أو ثلاثة منهم أن ينفذوا عملة، ليقوموا بها دون الرجوع لجهة ما أو أخذ مصادقة منها. بل يقومون بالتنفيذ دون الحاجة لأن يعرف باقي أعضاء المجموعة بهوية منفذ "العملية الأخيرة منها".

اللافت في هذا السياق أن الحديث عن هذه المجموعة بدأ لأول مرة في عام 2014، عند إحراق كنيسة الطابغة في الجليل، وقبل محرقة عائلة دوابشة، عندما أعلن جهاز "الشاباك" عن الكشف عن التنظيم المذكور وعثوره في بيت أحد المتهمين بالانتماء إليه، وهو موشيه أورباخ، على دليل لتنفيذ العمليات، ومحاولة بذل أقصى جهد لضمان وقوع ضحايا بالأرواح. وأعلنت الصحف الإسرائيلية يومها أنه تم اعتقال أورباخ إدارياً، وأشارت إلى اعتقال حفيد العنصري الصهيوني الأميركي مئير اتينجر.

غير أن التحول الرئيسي في خط الدعاية الرسمي لحكومة الاحتلال، في كل ما يتعلق بجريمة عائلة الدوابشة، كان في مطلع الشهر الماضي بعد اعتقال عدد من الناشطين في هذه الجماعات، وعدم السماح لهم بلقاء محاميهم، مما أثار غضباً عارماً في صفوف تيار الصهيونية الدينية التي يمثلها زعيم البيت اليهودي نفتالي بينت. 

وبدأ أنصار هذا التيار، وبشكل أكبر أنصار شركاء بينت في الحزب، والذين يمثلهم الوزير أوري أريئيل وعضو الكنيست سمور طيش (من حزب "تكوما") بتنظيم تظاهرات مناصرة للمعتقلين، تتهم جهاز الشاباك الإسرائيلي، بأنه يعذب المعتقلين اليهود. 

وتم تنظيم تظاهرات تحت شعار "اليهود لا يعذبون اليهود" في مقابل بيت رئيس الشاباك (المتدين هو الآخر) يورام كوهين، وأمام بيت وزيرة العدل من البيت اليهودي، أيليت شاكيد، وأمام مقرّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. 

واقترحت الوزيرة شاكيد والوزير أوري أريئيل على نتنياهو حينها، عقد جلسة خاصة للجنة الشاباك لفحص ما يحدث مع المعتقلين. لكن طرأ تحول آخر في القضية، عندما أعلن بينت بشكل مفاجئ عن دعمه الكامل لجهاز الشاباك ومحققيه في القضية، ولم يمر يوم واحد حتى بثت القناة العاشرة في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي الشريط عن "عرس الكراهية" الذي يظهر فيه مستوطنون يحتفلون بغرس سكين في صورة الطفل دوابشة ويلوحون بالسكاكين وبنادق عسكرية.

اقرأ أيضاً: سلطات الاحتلال تسرّب شريطاً لمستوطنين يحتفلون بحرق عائلة الدوابشة 

وعلى الفور تغيرت لهجة التيار الصهيوني الديني، نحو جهة إدانة المجموعة الجديدة التي بات يطلق عليها تنظيم "التمرد"، ليختفي ملف عصابات "جباية الثمن" من الإعلام والخطاب الإسرائيلييْن.

ويبدو أن مسألة التهويل من خطر تنظيم "التمرد الجديد" واتهامه بأنه يسعى لتقويض الدولة الإسرائيلية من الداخل، عبر وضع خطة من ثلاث إلى أربع مراحل بحسب وثيقة لـ"الشاباك" نشرها أمس، تخدم بشكل أساسي الحكومة الإسرائيلية من جهة، والحركة الاستيطانية الإسرائيلية من جهة أخرى. فتنصل نفتالي بينت وحاخامات المستوطنين من هذه المجموعة (التي عاشت لغاية الآن في تلال المستوطنات وتحت بصر وسمع المستوطنين وحاخامتهم، حيث شكل عشرات هؤلاء بحسب تسميتهم السابقة "فتية التلال"، رأس الحربة في بناء البؤر الاستيطانية وعرقلة نشاط الجيش الإسرائيلي في إخلاء هذه البؤر، بتشجيع كامل من قادة الاستيطان) لم يكن عفوياً أو حقيقياً بقدر ما هو قرار سياسي مدروس للغاية، يوفر على المستوطنين ويعفيهم من تبعات الجريمة. وخشي قادة المستوطنات، بفعل فظاعة جريمة دوما وحرق عائلة الدوابشة، أن تلحق بهم هذه الجريمة ضرراً أكبر من الذي ألحقته بهم جريمة اغتيال إسحاق رابين، وخصوصاً أن قاتل رابين وإن كان محسوباً على التيار الصهيوني الديني، إلا أن يجئال عمير، جاء في نهاية المطاف من داخل الخط الأخضر ومن قلب مدينة هرتسليا، خلافاً للمتهمين في جريمة دوما، من أبناء حاخامات المستوطنات.

وتلتقي مصلحة التيار الصهيوني الديني مع "الشاباك"، الذي يستطيع التذرع بأن فشله في ضرب هذه العصابات مرده كون أفرادها هم من المهمشين في مجتمع المستوطنين في الضفة الغربية ومعهم عشرات من الذين لفظهم المجتمع داخل إسرائيل، ووجدوا ملاذاً لهم في تلال الضفة الغربية، وأن التنظيم يقوم على تشكيل خلايا منفردة ومستقلة بلا قائد أو سلسلة قيادة هرمية يمكن الوصول إليها. لكن جهاز "الشاباك" نفسه كان نشر في العام 2011 تقديرات أشارت إلى أن فتية "التلال" أو "جباية الثمن" انتقلوا للعمل بطرق منظمة عبر خلايا صغيرة وسرية تعتمد نمط جمع المعلومات عن الأهداف التي تنوي ضربها.


وعلى الرغم من ادعاءات "الشاباك" والإعلام المنقاد خلفه أنه لا يمكن تحديد قيادة رسمية لهذا التنظيم، إلا أن الكاتب الإسرائيلي سيفي راخليفسكي نشر في "هآرتس" قبل أسبوع أنه لا يمكن للمرء أن تفوته حقيقة أن كل التعابير التي استخدمها حفيد كهانا، مثل الانتقام وإقامة ملكوت إسرائيل وغيرها، لم ترد في كتابات رئيس المعهد الديني الاستيطاني "يشيفات قبروسيف" (في نابلس) الحاخام يتسحاق غينزبورغ، أحد واضعي كتاب شريعة الملك الذي يجيز قتل "الأغيار"، فيما أشارت "يديعوت أحرونوت" في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى ثلاثة حاخامات آخرين باعتبارهم الآباء الروحيين، وهم الحاخام دوف ليئور من المعهد النخبوي للصهيونية الدينية "مراكز هراب" الذي أصدر فتوى تتيح لجنود الاحتلال قتل الأبرياء والمدنيين الفلسطينيين، والحاخام يتسحاق شبيرا وهو شريك في وضع كتاب شريعة الملك المذكور أعلاه، والحاخام دانيل ستوبسكي، وهو الذي أجرى مراسم الزواج الذي ظهر فيه مستوطنون يلوحون بصرة الطفل علي دوابشة ويغرسون فيها السكين.

ويشكل الابتعاد عن الإشارة إلى دور هؤلاء الحاخامات وعشرات غيرهم في الضفة الغربية، نقطة مركزية بالنسبة لنفتالي بينيت، لأنه يعفيه من مسؤولية اتهامهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى إلزام جهات حكومية بالتحقيق معهم بتهم التحريض.

اقرأ أيضاً: التنصّل من "فتية التلال": تقاطع مصالح الشاباك والمستوطنين