التظاهرات التي عادت مجدداً بدعوات من لجان تنسيق وناشطين قالوا إنهم يريدون مواصلة الضغط لحين إجراء الانتخابات المبكرة وتنفيذ باقي المطالب، يؤكد مراقبون وسياسيون أنّ الكاظمي سيتعين عليه التعامل معها بحساسية بالغة، لوجود مؤشرات على استغلال جهات سياسية معارضة لحكومته ورقة التظاهرات لتحقيق مكاسب خاصة بها. وأصدر ائتلاف "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، وحركة "بشائر الخير"، بزعامة ياسر صخيل، وهو صهر المالكي، بيانات منفصلة أخيراً، نفوا فيها تهماً وجهت إليهم بالدخول على خط التظاهرات لتأجيج الساحة الشعبية على حكومة الكاظمي التي رفض المالكي التصويت لها أو دعمها.
وكان قد قتل أول ناشط متظاهر في البصرة، بنيران مجموعة مسلحة، بعد يومين من تشكيل حكومة الكاظمي، في حين أصيب آخرون في واسط وبغداد في الأيام الماضية، على الرغم من أوامر مبكرة من الكاظمي لقوات الأمن بوقف العنف بمختلف أشكاله تجاه المتظاهرين، وإعادة التحقيق في جميع أعمال القمع التي تعرضوا لها منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
في السياق، قال مصدر قريب من الكاظمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئيس الحكومة منع استخدام العنف مع المتظاهرين، وهذا القرار جاء في أول اجتماع له مع القادة الأمنيين ببغداد، ولعل الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة أخيراً أظهرت مدى التغيّر في التعامل الأمني، إذ لم تستخدم القوات العراقية الرصاص الحي ولا قنابل الدخان، وقد عمدت على إبعاد المتظاهرين عن جسر الجمهورية الذي يرتبط بالمنطقة الخضراء بخراطيم المياه والقنابل الصوتية".
وأوضح المصدر أنّ "الكاظمي هدد بمحاسبة قادة القواطع الأمنية المسؤولين عن حماية المحتجين في حال مارسوا العنف". ولفت إلى أنّ "منهاج التعاطي مع الاحتجاجات بالنسبة للكاظمي يختلف عما كان عليه في زمن رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، بل إنّ الأول يعوّل على أهمية استمرار التظاهرات من أجل الاستفادة منها في الضغط على القوى السياسية والأحزاب النافذة، وتنفيذ جملة من الملفات التي لم يتمكن أي رئيس حكومة سابق من اتمامها بسبب السطوة السياسية للكيانات المتحكمة بالقرارات، عبر سيطرتها على السلطات العراقية، ولعل أبرزها التشريعية (مجلس النواب)". وأشار المصدر إلى أنّ "المتظاهرين أنفسهم لمسوا الاختلاف في التعامل الأمني معهم خلال الأيام الأخيرة، إذ لم نشهد سيلاً كبيراً من أعمال العنف، إلا ما حدث في مدينة البصرة، والذي تتورط فيه جماعة مليشياوية مسلحة وليس القوات الأمنية النظامية".
من جهته، أشار عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية في البرلمان العراقي، بدر الزيادي، إلى أنّ "أولى القرارات التي أصدرها الكاظمي كانت مرتبطة بالحراك الشعبي، ومنها تشكيل لجنة عليا للكشف عن قتلة المتظاهرين وأخرى مرتبطة بالتظاهرات ومنع استخدام العنف". وأكد، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "أي سلوك عدائي تنتهجه القوات الأمنية ضدّ المتظاهرين، يعني أنه بأوامر مباشرة من الكاظمي، ولا نعتقد أنّ الأخير سيتورط بمثل ما تورطت الحكومة السابقة، ونحن نقف مع الشعب المنتفض وسنكون إلى جانبه".
أما نائب رئيس تحالف "القوى العراقية" رعد الدهلكي، فأوضح أنّ "الكاظمي ملزم بتحقيق كل الوعود التي قطعها للمتظاهرين، بما يضمن حمايتهم ومنع الجهات التي تريد النيل منهم وقتلهم، كما أنّ البرلمان والقوى السياسية سيراقبان تحقيق الملفات المرتبطة باغتيال وقتل المحتجين، ولن يكون الشارع العراقي هو المراقب فقط". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "أهم ركيزة لنجاح عمل الكاظمي هي استمرار الاحتجاجات التي نعرف أنها لا تقبل بالكيانات السياسية المتحكمة في العراق، والكاظمي لا يتبع أياً من هذه الكيانات، وبالتالي له الحرية في القرارات، ويمكنه اللجوء إلى الساحات والميادين المنتفضة في أي لحظة من أجل مصارحتها بأي خطأ أو ضغوط تمارسها الأحزاب عليه".
بدوره، رأى رئيس "مركز التفكير السياسي" في العراق، إحسان الشمري، أن "التظاهرات التي خرجت أخيراً تمّ تحديد موعدها منذ ما قبل منح الثقة لحكومة الكاظمي، وبالتالي فهي تعدّ رسالة ضاغطة على القوى السياسية التي كانت تناور من أجل عدم إيجاد حكومة جديدة، والإبقاء على حكومة عادل عبد المهدي. كما أنها رسالة إلى كل الأحزاب والفصائل المسلحة، ومفادها بأنّ المتظاهرين لم يلمسوا الجدية المرتبطة بالشروع بالإصلاحات الحقيقية وتحقيق مطالبهم". وأكد الشمري، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "المعطيات الأخيرة التي اتضحت من خلال تجدّد الحراك الشعبي كانت إيجابية، كما أنّ طبيعة القرارات التي صدرت عن الكاظمي بشأن عدم استخدام القوة المميتة التي استخدمها عبد المهدي، تؤشر على التعامل الإيجابي والجيد مع الحركة الاحتجاجية".
وتابع الشمري أنّ "الضحايا الذين سقطوا في الأيام الماضيو بين صفوف المتظاهرين تتورط في دمائهم بعض الجهات من الفصائل المسلحة، ولكن الأمر الجيد هو سرعة الاستجابة الحكومية التي كانت واضحة بإلقاء القبض على المتسببين باستهداف المتظاهرين، وهو دليل على عدم السماح لاستمرار القتل. ولكن يبقى من الصعب حالياً ردع السلاح المنفلت بالكامل والأمر يحتاج إلى مزيد من الجهد". وعبّر الشمري عن اعتقاده بأنّ "الكاظمي سيكون أقرب إلى مطالب المتظاهرين، وخصوصاً لناحية تحقيق مطلبي الانتخابات المبكرة وتقديم المتورطين بقتل المحتجين إلى القضاء، مع وقف انهيار الدولة العراقية".