لا تزال حوادث القتل الغامضة التي تستهدف قادة قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر جنوب طرابلس، تثير جدلا واستنكارا في صفوف أنصاره، فيما تتباين آراء المحللين بشأنها.
آخر تلك الحوادث مقتل آمر القوة الثالثة المساندة للواء 21، خالد أبو عميد، وخمسة من حرّاسه، في ظروف غامضة، الخميس الماضي، جنوب طرابلس، بعد ساعات من العثور على جثة كمال بن مبارك، آمر السرية 20 في قوات حفتر، في أحد المقار بمنطقة سوق السبت المحاذية لمدينة ترهونة جنوب شرق طرابلس.
وعلى خلفية انتماء القياديين لقبيلة ورشفانة، التي تقطن مناطق غرب وجنوب غرب طرابلس، استنكر رئيس المجلس الاجتماعي لقبيلة ورشفانة، المبروك أبو عميد، حادثة الاغتيال، والتي وصفها بـ"الغادرة"، متهما منفّذيها بـ"الخيانة".
وطالب أبو عميد، في بيان لمجلسه الخميس الماضي، قيادة قوات حفتر، بـ"تحمّل مسؤولياتها والقبض على القتلة المجرمين والمأجورين"، كما طالب شباب ورشفانة بـ"تحكيم لغة العقل".
وليست هذه هي الحادثة الأولى التي يقتل فيها قادة عسكريون من القبيلة، إذ اغتيل العميد مسعود الضاوي، أبزر قادة القبيلة والقيادي البارز في قوات حفتر، في نهاية مايو/أيار الماضي، في ظروف غامضة.
ورغم نعي قيادة قوات حفتر للضاوي، إلا أنها لم تعلن عن أي تحرك للتحقيق في حادث مقتله.
وتُعد قبيلة ورشفانة من كبرى القبائل الليبية، وعرفت منذ اندلاع ثورة فبراير، التي أطاحت بمعمر القذافي، بموالاتها له والزج بالمئات من شبابها للقتال في صفوف كتائبه ضد الثوار.
كما كونت القبيلة جيشا عُرف بـ"جيش القبائل" عام 2014، دخل معارك لأشهر ضد مقاتلي عملية "فجر ليبيا" التي استهدفت الكتائب الموالية لحفتر المتواجدة في طرابلس وقتها.
وخلال عامي 2016 و2017، عيّن حفتر العميد عمر بتنوش، أحد أبرز ضباط النظام السابق، آمرا لمنطقة ورشفانة العسكرية، قبل أن يقيله على خلفية رفضه أوامر عسكرية صادرة من حفتر وقتها، ومنذ ذلك الوقت بقيت مليشيات ورشفانة خارج الأحداث، حتى إعلان حفتر حربه الحالية على طرابلس، حيث كوّنت مليشيات ورشفانة أحد أبرز قواته التي هاجمت المناطق المحاذية لأراضيها غرب طرابلس، قبل أن تتمكن قوات الجيش، بقيادة حكومة الوفاق، من استرداد تلك المناطق، وهي السواني والكريمية والزهراء.
وأكد المحلل العسكري الليبي محيي الدين زكري أن "سياسة القتل الممنهج لدى حفتر، التي تستهدف قياداته، ليست جديدة"، مشيرا إلى أن "العديد من الأسماء البارزة قديما وحديثا اختفت من الساحة".
وذكر زكري أن "آخر المغيبين اللواء عبد السلام المسماري، آمر الغرفة المركزية لقيادة القتال ضد طرابلس، واللواء فوزي المسماري أبرز قادته جنوب طرابلس". وقال: "الفرق هو أن القادة المنتمين لشرق ليبيا يمكنه اعتقالهم وتغييبهم، بينما قادة غرب البلاد، وبحكم سيطرته النسبية هناك، فالاغتيال هو الطريق الوحيد لإزاحتهم".
ويرى زكري أن "هذه الحالات لا تشير إلى ضعف كبير في صفوف قوات حفتر، كما أن الحالات السابقة في بنغازي لم تضعفه"، لافتا إلى أنها "تأتي ضمن تكتيكاته الرامية إلى ترهيب غيرهم من جانب، وتغيير خططه ضمن قادة جدد".
واعترف زكري بوجود ارتباك كبير في صفوف قوات حفتر، إلا أنه يرى أن "اغتيال قادة قبيلة تنتمي للنظام السابق يعني أنه يسعى إلى تحييدهم، ما يعني نشوب خلافات بينهم في الكواليس، وأن فصيلا جديدا سيبرز قريبا في أرض المعركة".
في المقابل، يرى الناشط السياسي الليبي عقيل الأطرش، أن "موجة الاغتيالات إن كانت تستهدف أنصار النظام السابق فمن الطبيعي أن تستهدف قادة ترهونة، فهم الآخرون من أنصار هذا التيار".
الأطرش أوضح أن "موجة الاغتيالات تظهر خلافات خارجة عن السيطرة"، مضيفا، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "حفتر أحوج ما يكون في حالة الضعف العسكري التي يعيشها إلى كل مقاتل وقائد".
وأشار المتحدث ذاته إلى أن "الخلافات تاريخية وقديمة بين ورشفانة وترهونة، ولجوء الأولى إلى مناطق ترهونة بعد فقدان مناطقها التي استردتها قوات الوفاق زاد من حجم الخلافات"، مشيرا إلى أن وسائل إعلام ليبية أكدت "تورط مليشيات الكانيات، التي تمثل قوات ترهونة الموالية لحفتر، في هذه الاغتيالات، لا سيما وأن كل هذه الاغتيالات وقعت في ضواحي ترهونة".
وأكد أن "القراءة القريبة لمسرح القتال تشير إلى إبعاد حفتر لقادة سابقين، مثل الحاسي والمنصوري، تسبب في ضعف سيطرة حفتر على قيادة المعركة، وبالتالي فنشوب خلافات تصل إلى حد الاغتيالات أمر مرجح".
وأشار الأطرش إلى أن أهمية موقع مكانة بوعميد في صفوف مقاتلي أنصار النظام السابق "يمكن أن تجر المواقع الخلفية لقوات حفتر إلى مزيد من التناحر والاغتيالات".