معركة حلب: النظام يعزل سلامة ويعيّن قائد معركة الكاستيلو

09 اغسطس 2016
تصدّت المعارضة لمحاولة قوات النظام التقدّم باتجاه الراموسة(بهاء الحلبي/الأناضول)
+ الخط -
زادت التطورات الميدانية الأخيرة في حلب من تعقيد الوضع العسكري الميداني في المدينة، بعد تمكّن قوات المعارضة السورية من السيطرة على منطقة الراموسة الاستراتيجية في القسم الجنوبي من مدينة حلب، وبالتالي نجاحها في فك الحصار جزئياً عن مناطق سيطرة المعارضة في أحياء حلب الشرقية، وفرضت حصاراً شبه كلي على مناطق سيطرة النظام وسط وغرب مدينة حلب.
وجاءت هذه التطورات بعد نجاح قوات النظام السوري، الشهر الماضي، بالسيطرة على طريق الكاستيلو ومناطق الليرمون والبني زيد في القسم الشمالي من مدينة حلب، لتفرض وقتها حصاراً كلياً على مناطق سيطرة المعارضة في القسم الشرقي من حلب. وهو الأمر الذي دفع قوات المعارضة في الشمال السوري إلى التحضير لعملية عسكرية كبيرة، لا تهدف فقط إلى فتح طريق إمداد لمناطق سيطرتها في القسم الشرقي من مدينة حلب، وإنما تهدف أيضاً إلى السيطرة على مدينة حلب بالكامل بعد طرد قوات النظام من مناطق سيطرتها في وسط وغرب مدينة حلب.
وأعلن "جيش الفتح"، وهو ائتلاف يضم أكبر فصائل المعارضة المسلحة في الشمال السوري، في بيان تم نشره، مساء الأحد، عن بدء المرحلة الرابعة من "ملحمة حلب الكبرى"، والتي تهدف إلى السيطرة على مناطق سيطرة النظام السوري في مدينة حلب بالكامل. وتوعّد "جيش الفتح"، في بيانه الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، قوات النظام بأنه سيضاعف عدد مقاتليه حتى يتمموا مهمة "رفع راية الفتح على قلعة حلب". كما وجّه في بيانه، رسائل تطمين إلى المدنيين المقيمين في مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب، مؤكّداً أن هدف العمليات العسكرية قوات النظام والمليشيات الموالية له.
لكن هذا الهدف المتمثل بالسيطرة على كامل مدينة حلب، لن يكون سهل التحقيق، إلا إذا اتخذت قيادة النظام قراراً مفاجئاً بالانسحاب من مدينة حلب، وهو أمر يبدو مستبعداً في ظل المعطيات الحالية، التي تشير إلى حشد النظام نخبة قواته المحلية، مع تشكيلات كبيرة من المليشيات المحلية والأجنبية الداعمة لها في مدينة حلب ومحيطها. هذا الأمر يشير بلا شك إلى أهمية حلب لدى النظام، كما هو حالها بالنسبة للمعارضة، كونها أكبر مدن البلاد، وأهمها على المستوى الاقتصادي والسكاني، بالإضافة إلى أهميتها الرمزية والتاريخية، وهي معطيات جعلت حلب، خلال السنوات الأربع الماضية، مركز صراع بين قوات النظام وحلفائه، وقوات المعارضة وحلفائها.


وعلمت "العربي الجديد" من مصادر إعلامية تابعة للنظام في حلب، أن قيادة النظام اتخذت، يوم الأحد، قراراً بعزل اللواء أديب محمد سلامة عن قيادة اللجنة الأمنية العليا في حلب، وهي أعلى سلطة عسكرية وأمنية في حلب، وأنيط بها إدارة المواجهة المسلحة مع قوات المعارضة في المدينة في السنوات الخمس الأخيرة، ليحل محله اللواء زيد الصالح، وهو ضابط في الحرس الجمهوري وقاد قوات النظام في معركة السيطرة على مناطق الكاستيلو والبني زيد والليرمون الشهر الماضي.
ويُرجَح أن عزل سلامة جاء على خلفية فشله في إدارة معركة التصدي لقوات المعارضة التي نجحت بالسيطرة على ثلاث كليات عسكرية هامة جنوبي حلب، وهي كلية التسليح وكلية المدفعية والكلية الفنية الجوية، لتكون ذلك أكبر هزيمة عسكرية لقوات النظام في حلب على الإطلاق، ذلك أن تجمّع هذه الكليات كان يشكّل، خلال السنوات الماضية، ما يشبه القلعة التي تحُول بين المعارضة وبين أطراف مدينة حلب الجنوبية.
وقد سمح تقدّم قوات المعارضة في منطقة الراموسة وسيطرتها على الكليات العسكرية الثلاث، لها بقطع طريق الراموسة الذي يصل مناطق سيطرة النظام في حلب بمناطق سيطرتها بريفها الشرقي والجنوبي، الأمر الذي وضع مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب، والتي يسكنها ما يقارب المليون شخص، بحالة شبه حصار كلي، بعد خسارة النظام لطريق الراموسة.
إلا أن قوات النظام ما زالت تملك طريقاً بديلاً لإمداد مناطق سيطرتها في مدينة حلب، وهو طريق يمتد من وسط مدينة حلب وصولاً إلى أحياء الميدان والأشرفية شمال حلب، ومن ثم مناطق الليرمون والكاستيلو التي سيطرت عليها قوات النظام أخيراً، وصولاً إلى مناطق سجن حلب المركزي والمدينة الصناعية التي يسيطر عليها النظام في ريف حلب الشمالي، والمتصلة فعلياً مع باقي مناطق سيطرة النظام في أرياف حلب الشرقية والجنوبية، ومنها إلى باقي مناطق سيطرته في سورية عبر محافظة حماة.
وأعلنت وسائل إعلام تابعة للنظام، صباح أمس الإثنين، أن قافلة مؤلفة من أربعين صهريجاً وشاحنة محملة بالمحروقات والمواد الغذائية، دخلت مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب، فجر أمس، عبر الطريق البديل المذكور. في المقابل لم تتمكن قوات المعارضة من إدخال قوافل إغاثية إلى مناطق سيطرتها المحاصرة شرق حلب، على الرغم من سيطرتها على منطقة الراموسة، ذلك أن احتفاظ قوات النظام بالسيطرة على معمل الإسمنت ومحطة تحلية المياه شرق حي الراموسة، ما زالت تسمح لها باستهداف أي آليات تحاول التحرك في المنطقة، بالصواريخ الحرارية، وهو الأمر الذي حال، حتى الآن، دون تمكّن قوات المعارضة من إدخال قوافل إغاثية إلى مناطق سيطرتها في حلب.
وأعلنت قوات المعارضة، أمس، أنها تصدت لهجوم نفذته قوات النظام المتمركزة في معمل الإسمنت باتجاه حي الراموسة، في محاولة لاستعادة السيطرة على الحي، مكبّدة قوات النظام خسائر بشرية وفي العتاد العسكري. ويشير كل ذلك إلى مدى تعقيد خريطة المشهد الميداني في مدينة حلب، وهو التعقيد الذي يجعل مصير المدينة مفتوحاً على كل الاحتمالات، في ظل تحضيرات طرفي الصراع لخوض معركة تبدو أنها ستكون حاسمة في المدينة، فالنظام يحشد المزيد من قواته ومن قوات المليشيات الأجنبية الداعمة له وعلى رأسها حزب الله اللبناني وحركة النجباء العراقية. أما قوات المعارضة المتمثلة بـ"جيش الفتح" وغرفة عمليات "فتح حلب"، فهي تسعى لحشد مزيد من القوات من أجل الانقضاض على مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب. لكن هذه المهمة لن تكون سهلة في ظل تحصّن قوات النظام على خطوط قتال شبه ثابتة، منذ سنوات، داخل مدينة حلب، ذلك أن الخرق الذي أحدثته قوات المعارضة في منطقة الراموسة، لن يعطيها أفضلية كبيرة مع احتفاظ قوات النظام بالسيطرة على منطقة الحمدانية ذات المباني الضخمة التي ستصعب على قوات المعارضة مهمة اقتحامها، خصوصاً مع وجود أكاديمية الأسد العسكرية على أطراف الحمدانية الجنوبية الغربية.

المساهمون