طيلة ثلاث سنوات، كانت ليبيا تعيش حالة من التجاذب السياسي الحزبي: ليبراليين وإسلاميين، حتى جاء الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وأطلق عمليته العسكرية في بنغازي، لتتوسع على مدى أربعة أعوام، وتصل مليشياته قبل سنة لقرع أبواب طرابلس الجنوبية، من دون أن تتمكن من الدخول. وبات هناك طرفان أساسيان في الأزمة؛ الأول في موقف دفاع، وبشكل قانوني وشرعي تحالف مع دولة نظيرة هي تركيا التي دعمته بالسلاح ومستويات أخرى من الدعم اللوجستي، فيما الطرف الثاني تثار حوله التساؤلات: من أين يأتي بمقاتليه ويقاتل من؟
لم تتحدث تقارير خبراء الأمم المتحدة التي لم تتوقف عن الصدور تباعاً، وترصد كل جديد على ساحة المعركة، عن تعاقد حفتر واتفاقه في السرّ مع كل الأطراف التي يمكنه الاستفادة منها لتحقيق مشروعه العسكري، مع العلم أنّ اللواء المتقاعد أكد جهاراً نهاراً أنّ أكثر فصائله مكونة من متمردي الحركات المسلحة الأفريقية، حتى بات من الصعب إحصاؤها، وأبرزها حركة "العدل والمساواة" السودانية ومليشيات "الجنجويد"، إلى جانب مليشيات تشادية وقبلية أخرى.
لكنّ تلك التقارير أثبتت وجود مئات من مقاتلي شركة "فاغنر" الروسية المتمرسين باستخدام الأسلحة الحديثة، ومنها تسيير الطائرات بلا طيار والمدفعية الموجهة، حتى باتت تفاصيل تلك التقارير تنطبق تماماً على تفاصيل جبهات حفتر، وإن لم يرها المراقب إلا من بعيد: قصف من قبل طيران مسير، وقصف يوصف بأنه عشوائي لكن دقة ضرباته تؤكد أنه موجّه، واشتباكات على الأرض تؤكد إعلانات قوات حكومة الوفاق أن من يتم أسرهم خلالها هم أفارقة، وأنّ العنصر الليبي اختفى منذ أشهر.
لا شكّ في أنّ مكونات مليشيات حفتر الحالية، وتحديداً وبشكل مؤكد خلال الأشهر الستة الماضية، أصبحت تتألف من المرتزقة، ولكن السؤال الذي لم تسأله تقارير الأمم المتحدة ولا المراقبون هو: من هم الذين قاتلهم حفتر؟ وما مصير هؤلاء المقاتلين المرتزقة إذا فشل أو انتصر؟ يمكن القبول ببعض التحليلات التي تشير إلى أنّ دولاً مثل روسيا والإمارات ومصر وفرنسا، تبحث عن مصالحها لا سيما الاقتصادية، لكن ما هي مكاسب المرتزقة الأفارقة؟ وكيف ستتخلّص منهم البلاد، سواء فشل حفتر أو نجح في حربه، لا سيما وقد اعتمد عليهم في تأمين قواعده ومعسكراته في الجنوب والجنوب الغربي من ليبيا، وحتى مواقع ومنشآت النفط يشرف على إغلاقها مرتزقة يسيطرون على كل شيء فيها منذ منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي.