اجتماع موسكو: وزراء "مسار أستانة" يتهربون من خلافاتهم

29 ابريل 2018
من اجتماع الوزراء الثلاثة بآستانة في مارس الماضي(فرانس برس)
+ الخط -
نبعت أهمية الاجتماع الثلاثي الذي استضافته موسكو، أمس السبت، لوزراء خارجية الدول الضامنة لمسار أستانة، أي روسيا وتركيا وإيران، من واقع أنه اللقاء الأول لمسؤولي هذه الدول منذ الضربة العسكرية الثلاثية الأميركية الفرنسية البريطانية على مواقع عسكرية للنظام السوري في 14 إبريل/ نيسان الحالي، بما أن آخر لقاء جمع بين جاووش أوغلو وظريف ولافروف كان في 15 مارس/ آذار الماضي، في أستانة. أما القمة الأخيرة بين رؤساء الدول الثلاث، فيعود موعدها إلى مطلع إبريل/ نيسان الحالي في أنقرة، ويومها تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيراه الإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان بـ"التعاون من أجل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار" في سورية. ولما كانت تركيا من أشدّ المتحمسين للضربة العسكرية الثلاثية، على الرغم من انعدام قيمتها عسكرياً وسياسياً، في مقابل رفض مطلق لها من قبل روسيا وإيران، فقد تركّزت أنظار العالم على معرفة كيفية تعاطي الوزراء الثلاثة مع هذا الملف، لتأتي التصريحات "كلاسيكية"، من دون أن توحي بأن هناك جديداً مطروحاً فعلاً على أصعدة ملفات إدلب والحل السياسي في سورية.

لكن كان لافتاً أن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو اعتبر أن مسار أستانة هو الوحيد الذي خفّف من حدة العنف في سورية، من دون أن يظهر في كلامه تمسك واضح بمسار جنيف التي يسعى محور النظام السوري ــ طهران ــ موسكو إلى إغلاقه بشكل نهائي، لكونه يقوم على فكرة المرحلة الانتقالية السياسية. لكن جاووش أوغلو أصرّ على أهمية مسار أستانة، على الرغم من أن مناطق خفض التصعيد، وهي المولود الأبرز لمسار أستانة، لم تحدّ أبداً من العنف، لا في الغوطة الشرقية لدمشق ولا في ريف حمص الشمالي ولا في ريف حماة ولا في إدلب. وربما تكون القرارات التي تحدّث عنها الوزراء سيرغي لافروف ومحمد جواد ظريف ومولود جاووش أوغلو قد تأجّل الإعلان عنها إلى حين انعقاد جولة جديدة من اجتماعات أستانة في العاصمة الكازاخية منتصف مايو/ أيار المقبل.


وبدا اختلاف الأجندات حول اجتماع يوم أمس واضحاً من البيانات التي سبقت اللقاء، إذ أعلنت وزارة الخارجية التركية، في بيان، أن اللقاء في موسكو "سيركّز على كل أوجه التعاون الذي تم اعتماده في إطار محادثات أستانة وسيحدد المراحل التي يمكن اتخاذ القرار بشأنها اعتباراً من الآن". لكن المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا استبقت الاجتماع بالإعلان أن المحادثات "ستركز على الوضع الإنساني في البلاد" من دون أي كلام سياسي. ثم كان لافتاً أن الاجتماعات حصلت على مراحل، إذ بدأت باجتماع ثنائي بين لافروف وجاووش أوغلو، وبين لافروف وظريف، ثم عقد الوزراء الثلاثة اجتماعاً عاماً تلاه مؤتمر صحافي ثلاثي.

وقال لافروف إن "وتيرة لقاءاتنا تدلّ على الأهمية التي سيعطيها (الرئيسان) فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان لعلاقاتنا". من جهته رحّب جاووش أوغلو بـ"أجواء الثقة بين بلدينا التي تسمح بتسوية قضايا إقليمية". وشنّ لافروف، على مسمع من جاووش أوغلو، حملة ضد المعارضة السورية، بما أن "تصريحات بعض شخصياتها تضر بجهود بث حياة جديدة في عملية السلام في جنيف"، على حد تعبيره. وأضاف أنه يجب ألا تكون هناك شروط مسبقة لمحادثات جنيف التي لم يحدد المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا موعداً جديداً لها. وأشار لافروف إلى أن الوزراء الثلاثة اتفقوا على "ضرورة استمرار عملية السلام في سورية، على الرغم من الضربة العسكرية الغربية"، لافتاً إلى أن "على روسيا وتركيا وإيران مساعدة الحكومة السورية في القضاء على الإرهابيين"، من دون أن يلقى هذا الكلام أيضاً رداً من نظيره التركي. واكتفى جاووش أوغلو بالقول إن "أي حل عسكري في سورية سيكون غير قانوني وغير مستدام". وأضاف الوزير أن "بإمكان الدول الثلاث العمل معاً لمساعدة الشعب السوري، وأن هناك حاجة إلى دفعة جديدة في سبيل التوصل إلى حل سياسي"، وهو ما يمكن أن يعتبره بعضهم ردّاً على دعوة لافروف لأنقرة إلى دعم حكام دمشق. وأردف رئيس الدبلوماسية التركية قائلاً إن على "روسيا وإيران وتركيا أن تعمل بالتنسيق مع الأمم المتحدة لضمان شرعية أي حل سياسي في سورية". ولم ينسَ الوزير التركي، خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيريه، تكرار موقف بلاده من أن "وحدات حماية الشعب الكردية في مدينة منبج تمثل تهديداً لوحدة أراضي سورية ولتركيا أيضاً"، وذلك في رد على سؤال حول الدعم الأميركي المخصص للقوات العسكرية الكردية.

ولتفادي الخلافات في وجهات النظر، جاء البيان المشترك للوزراء الثلاثة عاماً جداً، إذ دعا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى "تقديم الدعم لسورية، بما يصب في مصلحة جميع السوريين، بما في ذلك المشاركة في إزالة الألغام، وإعادة البنية التحتية الرئيسية للبلاد، وتوفير الفرص الاقتصادية والاجتماعية، من خلال الحفاظ على التراث التاريخي للبلاد". ورفض البيان بشدة "أي تقويض لسيادة سورية ووحدة أراضيها"، مؤكداً "أهمية مواجهة أي أجندة مماثلة بحجة مكافحة الإرهاب".