تصويت البرلمان الأوروبي ضد المجر: رسالة إنذار لشعبويي القارة

14 سبتمبر 2018
بات أوربان أشبه بأيقونة ومثل أعلى للشعبويين (Getty)
+ الخط -
واجه برلمان الاتحاد الأوروبي في مدينة ستراسبورغ، أول من أمس الأربعاء، بمختلف كتله هذه المرة، إمعان رئيس الوزراء المجري المثير للجدل، فيكتور أوربان، بالمضي بسياسته الشعبوية، بعد سنوات من حكم هذا السياسي الذي تحوّل من ليبرالي إلى قومي متشدّد.

وبالرغم من كل محاولات أوربان الأربعاء لمنع البرلمان الأوروبي من قبول التصويت على تقرير يتهم بلده بأنه "يخرق القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي وينتهكها"، فقد مضى البرلمان في ذلك بأغلبية أعضائه، بعد يوم حافل وصاخب فشل فيه أوربان بالمراهنة على كتل برلمانية محافظة. وصوّت 448 عضواً في البرلمان الأوروبي لصالح تمرير التقرير، فيما اعترض 197 عضواً وامتنع 48 آخرون عن التصويت. ويعتبر ذلك هزيمة كبيرة للسياسة الشعبوية التي انتهجها أوربان خلال السنوات الماضية إلى جانب عدد من ساسة أوروبيين آخرين.

خلال السنوات الثماني الماضية، بات هذا السياسي المجري أشبه بأيقونة ومثل أعلى للشعبويين واليمين القومي المتشدّد في أوروبا. وعلى عكس سعي الاتحاد الأوروبي نحو تثبيت سياسات ديمقراطية تنافسية لدى الدول الأعضاء، ذهب أوربان نحو تعزيز قبضة حزبه، "تحالف فيدز"، على السلطة، عبر حزمة من القوانين التي مرّرتها أغلبية برلمانية مجرية يهيمن عليها.

وللمرة الأولى، صوّت البرلمان الأوروبي، يوم الأربعاء، بإجراء عقابي بحقّ دولة عضو فيه، بحجة "انتهاك خطير لقيم الاتحاد الأوروبي الأساسية". واللافت إلى جانب تصويت كتل ليبرالية ومحافظة، بحسب مراقبين ومهتمّين بشؤون اليمين المتشدّد، أنّ التصويت يوجّه رسالة واضحة بشأن عدم سماح المؤسسة التشريعية الأولى في أوروبا للدول الأعضاء بالحفاظ على مزايا العضوية من ناحية، وانتهاك معايير الحكم فيها من ناحية أخرى.

وبالرغم من أنّ تطبيق عقوبة المادة السابعة من معاهدة الاتحاد الأوروبي القاضية بتجريد المجر من حقّ التصويت في المجلس الأوروبي، يصعب تحقيقها الآن بفعل تهديد بولندا باستخدام حقّ النقض، إلا أنّ ما يشبه الهزيمة، طاولت الأربعاء كل ما ساقه أوربان بشأن سياساته التي ظلّ يكرّر أنّها "لحماية أوروبا من الغزو الإسلامي عبر اللاجئين والمهاجرين"، ومحاولاته تسويق سياساته الداخلية بما يشبه إعادة تعريف للبلد على أنه "بلد مسيحي محافظ يقوم على إعلاء القيم الأسرية".

ومن بين ما يثير أعضاء البرلمان الأوروبي وبعض ساسة بروكسل، إمعان أوربان بالقول إنّ بلده يواجه "مؤامرة من الاتحاد الأوروبي ومن جورج سوروس"، في إشارة إلى الملياردير الأميركي من أصول مجرية الذي يموّل العديد من المؤسسات والمنظمات التي تعنى بمساعدة المهاجرين.

ويكشف التصويت البرلماني الأخير عن أنّ الحماية التي كان يتمتّع بها حزب أوربان في البرلمان الأوروبي، باعتباره عضواً في كتلة المحافظين (مجموعة الأحزاب الشعبية المحافظة، EPP) باتت اليوم أكثر ابتعاداً عن "فيدز". وقد تجلّى ذلك أيضاً من خلال تصويت أعضاء البرلمان الألمان من حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، "الديمقراطي المسيحي"، لصالح التقرير.

فعلى عكس بعض أحزاب تلك المجموعة، ومن مختلف دول القارة، أصبح "فيدز" أكثر عدوانية تجاه الاتحاد الأوروبي. ففي الوقت الذي يحظى فيه، شأنه شأن بقية الشعبويين في القارة، بمساعدات مالية واستقطاعات ضريبية تدعم حزبه مالياً، ذهب أخيراً إلى تدشين حملة تحت عنوان "دعونا نوقف بروكسل عند حدها" و"لنوقف محاولات بروكسل تغيير سياسات الهجرة المجرية". وتلك من بين نقاط يرى فيها الاتحاد الأوروبي، وهذه المرة أعضاء برلمانه، وبشكل خاص المحافظون، تعدياً وخرقاً للتعاون الأوروبي القائم على أرضية عدد من المبادئ الأساسية.

واللافت في هذا التطوّر في الموقف المحافظ من أوربان، قبل عام من انتخابات البرلمان الأوروبي، ذهاب رئيس المجموعة البرلمانية المحافظة، والمرشّح لخلافة جان كلود يونكر في رئاسة الاتحاد، الألماني مانفريد فيبر، للتصويت لصالح التقرير، معتبراً أنّ "القيم الأوروبية ليست للمناقشة".

بدوره، لم يتردّد يونكر في كلمته عن حال الاتحاد الأوروبي، في توجيه رسالة واضحة لأوربان وبقية شعبويي القارة، معتبراً أنّ "المفوضية الأوروبية ستواجه كل الهجمات على سيادة دولة القانون، ونحن نشعر بقلق تجاه التطورات في بعض الدول الأعضاء".

وبالرغم من أنّ مسألة "طرد فيدز" من عضوية مجموعة المحافظين البرلمانية الأوروبية لم تحصل، كما أمل أعضاء من يسار ويسار الوسط الأوروبي، إلا أنّ تغيّراً واضحاً طرأ على مزاج وسياسات هذه الكتلة المحافظة، إذ أصبحت أكثر صراحةً في انتقادها لأوربان، ما يجعله مستقبلاً بلا مظلّة الحماية السياسية التي منحتها له هذه المجموعة في مواجهاته المتتالية مع ساسة بروكسل.

 


لائحة طويلة من الانتهاكات

التصويت الأوروبي الأربعاء بالموافقة على تقرير يشجب سياسات بودابست، لم يمرّ بدون أن يعتبره وزير خارجية أوربان، بيتر زيجارتو، عدوانياً، بقوله إنّه "دليل حي على أنّ هناك أغلبية في برلمان الاتحاد الأوروبي ترغب بمزيد من الهجرة، بما في ذلك أغلبية في مجموعة أحزاب المحافظين".

ولكن بالنظر إلى نقاط الانتقادات التي حملها التقرير الأوروبي بشأن انتهاك بودابست لقيم الاتحاد، يظهر أنّ قضية اللجوء والهجرة، التي يتذرّع بها اليمين المتشدّد، ليست وحدها في اللائحة التي تسببت بكل هذه الأزمة في العلاقة بين الطرفين خلال الأعوام السابقة. ففي التقرير الذي ترأّست معديه، منذ صيف العام الماضي، عضو البرلمان الأوروبي، الهولندية جوديث سارجينتيني، من حزب "الخضر" اليساري، والتي طاولها هجوم وغضب كبير من قبل صحافة المجر قبل تقديم التقرير، تمكن ملاحظة ست نقاط أساسية دفعت للتصويت بهذه القوة ضدّ أوربان.

ومن بين أمور أخرى، يلحظ التقرير أنّ المجر قامت بتجريم واعتبار مساعدة المهاجرين واللاجئين "مخالفة للقوانين تستدعي السجن حتى عام كامل" لمن يساعد طالبي اللجوء أو الباحثين عن إقامة في البلد. وفرضت السلطات ضريبة بقيمة 25 في المائة على المنظمات غير الحكومية التي يجري تصنيفها على أنّها تقدّم مساعدات للمهاجرين واللاجئين، بما يقوّض عملها، وفقاً لمعدي التقرير.

وإلى جانب قضية الهجرة، تبرز قضية هامة لدى الأوروبيين تتعلّق في مجال الحريات العامة. فقد تعرّضت الصحافة إلى رقابة صارمة، وأدخلت بودابست إجراءات جعلت عملها مستحيلاً. واستشهد تقرير سارجينتيني، التي عبرت عن سعادتها بتبنيه، بما جرى في انتخابات العام الحالي في المجر، حيث قاد قانون "حرية المعلومات" المعدّل، إلى تقييد حقّ الصحافة بالوصول إلى المعلومات الحكومية. ويعتبر عدد من متابعي شؤون المجر أنّ ذلك ساهم بشكل كبير في فوز ثالث لفيكتور أوربان، عبر تسخير الصحافة ووسائل الإعلام للترويج لحملة تخويف كبيرة من "مؤامرة سوروس والمهاجرين والاتحاد الأوروبي".

وفي مجال الفساد، استعرض التقرير كيف تجري عمليات الفساد في المجر لمصلحة مقربين من أصحاب المراكز في السلطة. وفي هذا الإطار، قدّم التقرير مثلاً على تمرير مشاريع بنى تحتية لمصلحة زوج ابنة رئيس الوزراء، بما فيها مشروع إنارة الشوارع بتلزيمها لمصلحة شركاته.

واستعرضت سارجينتيني مسألة اتساع نطاق الرقابة في المجر، مستشهدةً بما ذهبت إليه لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، عندما عبّرت عن قلقها من "عودة نشاط المراقبة الأمنية السرية (الاستخباراتية باسم الأمن القومي) بحق نشطاء ومواطنين مجريين تشكّ السلطات في معارضتهم، مع انتشار واسع لأساليب التنصت في البلد".

وفي المجال ذاته المتعلّق بالحقوق والقيم، لحظ التقرير أنّ "المساواة بين الجنسين أمر يخضع للتنميط والتمييز، ولا سيما بحقّ المرأة". ويستند معدو التقرير إلى ما أشارت إليه لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حول التمييز الممارس بحقّ النساء، ومن ضمنه "تمييز سياسيين منتخبين بحقهن، وحماية القانون لممارسي العنف الأسري". وتلك مفارقة لافتة لدى شعبويي أوروبا الذين يدعون من جهة "حماية المرأة الأوروبية من المهاجرين" (كما يفعل السويديون والدنماركيون والألمان منهم)، وفي المقابل لديهم نظرة محافظة وتقليدية متشدّدة حول مكان ودور المرأة إذ إنه "لزيادة عدد المواليد، يجب أن تبقى في المنزل"، وهي دعاية يسوقها هؤلاء حتى في السويد.

ولحظ التقرير أخيراً أنّ الدستور المجري المعدّل بطلب من "فيدز" وأوربان 6 مرات منذ 2012، أدى بحسب تقرير سارجينتيني، إلى "غياب الشفافية وعدم السماح للمجتمع المدني بالعمل بحرية".

المساهمون