الموقف المصري حيال الضربة الأميركية لمطار الشعيرات العسكري، في حمص السورية، كان "حيادياً". إذ وصف مراقبون الموقف بـ"تجاوز مسألة إمساك العصا من المنتصف"، لعدم إغضاب أميركا، وروسيا في آن واحد. وقد عبّر بيان وزارة الخارجية المصرية، الصادر بعد نحو 13 ساعة من القصف الأميركي لقاعدة الشعيرات، عما وصلت إليه الدبلوماسية المصرية من حالة "اللاموقف". وقد تزامن انتهاء زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الولايات المتحدة، مع الاختبار الجديد لسياسته الدولية ومدى قوة علاقته بالرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والمتمثل بالضربة الأميركية العسكرية، وتصاعد التوتر بين واشنطن وموسكو.
في هذا السياق، اعتبر مراقبون أن تأخر موقف مصر الرسمي، عكس أمرين: الأول هو انعدام تأثير مصر على الملف السوري منذ تولي السيسي الرئاسة، والثاني هو عدم تأييده أي طرف خوفاً من انعكاس ذلك سلباً على علاقات مصر بالولايات المتحدة والسعودية من جهة وبروسيا من جهة أخرى. واقتصر الموقف المصري على بيان متأخر صدر عن وزارة الخارجية يدعو الولايات المتحدة وروسيا إلى "التحرك الفعّال على أساس مقررات الشرعية الدولية، وما تتحلى به الدولتان من قدرات، لاحتواء أوجه الصراع والتوصل إلى حل شامل ونهائي للأزمة السورية". وعادة ما يتخذ النظام المصري مواقف غير محددة ولا حاسمة حيال القضية السورية، مثلما حصل بعد مجزرة خان شيخون التي "تتابعها مصر بقلق بالغ" على ما جاء في بيان الوزارة.
وقال مصدر دبلوماسي بديوان الخارجية المصرية إن "السيسي رفض منذ أيام إصدار بيان يشجب نظام الأسد بوضوح لتورطه في مجزرة خان شيخون بإدلب"، مكتفياً ببيان تضامني عاطفي لم يلق المسؤولية على جهة بعينها، بل إن المسؤولين عن الملف السوري في الخارجية المصرية أعدوا تقارير مستندة لمعلومات روسية، تشكّك في تعرض أهالي خان شيخون لمواد كيماوية، وتدّعي أن هناك تلاعباً إعلامياً في المشاهد التي نقلت للمناطق المنكوبة، وهو ما يعكس الارتباك المصري".
وأوضح المصدر أن "السيسي يصر على استمرار تصفير الدور المصري في الملف السوري، لأنه شخصياً مؤيد لبقاء نظام الأسد ويعكس هذا حديثه الضمني عن ضرورة المحافظة على كيانات الدول وجيوشها، بالإضافة لاستقبال أجهزته السيادية والدبلوماسية مبعوثين سوريين أمنيين. لكن في الوقت ذاته فإنه يخشى توتر العلاقات مع السعودية مرة أخرى في ظل الهدوء الهش الحالي على خلفية وساطة أميركية من ترامب شخصياً".
وأكد المصدر أن "السيسي قد يكون تعلم من درس تصويته على مشروعين متناقضين بشأن الحرب في حلب، مما كلفه خسارة الإمدادات البترولية السعودية منذ سبتمبر/أيلول إلى مارس/آذار الماضي، ولذلك فالراجح حتى الآن أن مصر ستمتنع عن التصويت على أي مشروع قرار أممي بشأن إجراءات الحرب على سورية أو محاسبة مرتكبي جرائم بعينها، لكنها في الوقت نفسه ستوافق على أي قرار له بعد إنساني وتتوافق عليه واشنطن وموسكو والرياض".
اقــرأ أيضاً
من جهته، اعتبر دبلوماسي مصري سابق أن "السياسة الخارجية المصرية تعتبر حالة خاصة في ذاتها، لناحية عدم اتخاذ مواقف واضحة بشأن عدد من القضايا، رغبة في عدم إغضاب القوى الدولية". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مصر موقفها متخاذل بشأن سورية، لأنها تحاول الحفاظ على علاقاتها مع روسيا، الداعم الأبرز لنظام بشار الأسد".
وتابع لافتاً إلى أن "مصر صوتت لصالح مشروع قرار روسي في مجلس الأمن حول سورية، وجاء متناقضا مع تصويتها لصالح مشروع فرنسي، وهو ما يظهر وجود خلل في الرؤية المصرية". وأشار إلى أن "السيسي لا يريد اتخاذ موقف مؤيد للضربة العسكرية على قاعدة الشعيرات فيغضب روسيا، وفي نفس الوقت لا يمكنه الإدانة فيغضب الولايات المتحدة، خاصة أنه عائد تواً من زيارة إلى البيت الأبيض".
واتفق مع الدبلوماسي المصري، الخبير محمد عز، حول بيان القاهرة الذي لم يتبن موقفاً حيال القصف الأميركي، بسبب ما وصفه بـ"استشعار الحرج" وخوفاً من إغضاب ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأضاف عز لـ"العربي الجديد"، أن "السيسي لديه مصلحة مع روسيا تتعلق بالرغبة في عودة السياحة إلى مصر خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن المساعدة في بناء المحطة النووية في الضبعة، والتوافق حول عدد من القضايا الإقليمية". وتابع أن "الرئيس المصري في الوقت ذاته لا يريد إغضاب ترامب، ويريد بناء علاقة جيدة على عكس التوترات التي كانت مع الرئيس السابق باراك أوباما، بسبب ملف حقوق الإنسان والانتهاكات التي ينتهجها النظام المصري".
في السياق عينه، ذكر مساعد وزير الخارجية الأسبق، معصوم مرزوق، أن "مصر لا تمتلك اتخاذ موقف محدد حيال الضربة الأميركية لسورية"، مضيفاً أن "خروج بيان مصر بهذه الصورة جاء لرفع الحرج عن النظام المصري، لعدم إغضاب الولايات المتحدة وروسيا".
وفي السياق نفسه؛ قال مصدر دبلوماسي مصري في الولايات المتحدة إن "محادثات السيسي وترامب لم يكن لها صلة بالملف السوري، وذلك لأن الخارجية الأميركية تعتبر أن مصر ليس لديها ما تقدمه في هذا الملف، وبالتالي اقتصر حديث السيسي عن سورية على مقابلتين فقط؛ الأولى لم يعلن عنها إعلامياً مع عدد من مساعدي ترامب الذين كانوا يرغبون في معرفة رأيه في مستجدات هذا الملف، والثانية تم الإعلان عنها مع عدد من الشخصيات الأميركية العامة".
ولفت إلى أنه "في المقابلتين تحدث السيسي بنفس اللهجة التي يتحدث بها في خطاباته للشعب المصري، عن ضرورة الحفاظ على كيانات وجيوش الدول النظامية، وأن الحرب في سورية لن تنتهي بالعنف المتبادل، ولكن برعاية عملية سياسية واسعة يكون النظام الحاكم جزءاً منها ولو لفترة انتقالية".
ويعكس تصفير الدور المصري في سورية، فقدانها لثقلها السياسي الإقليمي في عهد السيسي؛ كما أن موقف مصر المؤيد للثورة السورية والمعارض لاستمرار بشار الأسد قبل عزل الرئيس محمد مرسي، كان معبراً بوضوح عن اتجاه ساد الشارع المصري في فترة ثورات الربيع العربي، ومتكاملاً مع مواقف قوى إقليمية أخرى كالسعودية وقطر وتركيا. ما أعطى مصر آنذاك ثقلاً في هذا الملف وكانت مواقفها الدبلوماسية من الأسد محط أنظار واشنطن وموسكو، لكن هذا تغير بعد اختيار السيسي تحييد الموقف المصري من 2013 إلى 2016، ثم تحوله تدريجياً لمساندة بشار الأسد، وصولاً للتنسيق الأمني والاستخباراتي معه برعاية روسية.
في هذا السياق، اعتبر مراقبون أن تأخر موقف مصر الرسمي، عكس أمرين: الأول هو انعدام تأثير مصر على الملف السوري منذ تولي السيسي الرئاسة، والثاني هو عدم تأييده أي طرف خوفاً من انعكاس ذلك سلباً على علاقات مصر بالولايات المتحدة والسعودية من جهة وبروسيا من جهة أخرى. واقتصر الموقف المصري على بيان متأخر صدر عن وزارة الخارجية يدعو الولايات المتحدة وروسيا إلى "التحرك الفعّال على أساس مقررات الشرعية الدولية، وما تتحلى به الدولتان من قدرات، لاحتواء أوجه الصراع والتوصل إلى حل شامل ونهائي للأزمة السورية". وعادة ما يتخذ النظام المصري مواقف غير محددة ولا حاسمة حيال القضية السورية، مثلما حصل بعد مجزرة خان شيخون التي "تتابعها مصر بقلق بالغ" على ما جاء في بيان الوزارة.
وأوضح المصدر أن "السيسي يصر على استمرار تصفير الدور المصري في الملف السوري، لأنه شخصياً مؤيد لبقاء نظام الأسد ويعكس هذا حديثه الضمني عن ضرورة المحافظة على كيانات الدول وجيوشها، بالإضافة لاستقبال أجهزته السيادية والدبلوماسية مبعوثين سوريين أمنيين. لكن في الوقت ذاته فإنه يخشى توتر العلاقات مع السعودية مرة أخرى في ظل الهدوء الهش الحالي على خلفية وساطة أميركية من ترامب شخصياً".
وأكد المصدر أن "السيسي قد يكون تعلم من درس تصويته على مشروعين متناقضين بشأن الحرب في حلب، مما كلفه خسارة الإمدادات البترولية السعودية منذ سبتمبر/أيلول إلى مارس/آذار الماضي، ولذلك فالراجح حتى الآن أن مصر ستمتنع عن التصويت على أي مشروع قرار أممي بشأن إجراءات الحرب على سورية أو محاسبة مرتكبي جرائم بعينها، لكنها في الوقت نفسه ستوافق على أي قرار له بعد إنساني وتتوافق عليه واشنطن وموسكو والرياض".
من جهته، اعتبر دبلوماسي مصري سابق أن "السياسة الخارجية المصرية تعتبر حالة خاصة في ذاتها، لناحية عدم اتخاذ مواقف واضحة بشأن عدد من القضايا، رغبة في عدم إغضاب القوى الدولية". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مصر موقفها متخاذل بشأن سورية، لأنها تحاول الحفاظ على علاقاتها مع روسيا، الداعم الأبرز لنظام بشار الأسد".
وتابع لافتاً إلى أن "مصر صوتت لصالح مشروع قرار روسي في مجلس الأمن حول سورية، وجاء متناقضا مع تصويتها لصالح مشروع فرنسي، وهو ما يظهر وجود خلل في الرؤية المصرية". وأشار إلى أن "السيسي لا يريد اتخاذ موقف مؤيد للضربة العسكرية على قاعدة الشعيرات فيغضب روسيا، وفي نفس الوقت لا يمكنه الإدانة فيغضب الولايات المتحدة، خاصة أنه عائد تواً من زيارة إلى البيت الأبيض".
واتفق مع الدبلوماسي المصري، الخبير محمد عز، حول بيان القاهرة الذي لم يتبن موقفاً حيال القصف الأميركي، بسبب ما وصفه بـ"استشعار الحرج" وخوفاً من إغضاب ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأضاف عز لـ"العربي الجديد"، أن "السيسي لديه مصلحة مع روسيا تتعلق بالرغبة في عودة السياحة إلى مصر خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن المساعدة في بناء المحطة النووية في الضبعة، والتوافق حول عدد من القضايا الإقليمية". وتابع أن "الرئيس المصري في الوقت ذاته لا يريد إغضاب ترامب، ويريد بناء علاقة جيدة على عكس التوترات التي كانت مع الرئيس السابق باراك أوباما، بسبب ملف حقوق الإنسان والانتهاكات التي ينتهجها النظام المصري".
في السياق عينه، ذكر مساعد وزير الخارجية الأسبق، معصوم مرزوق، أن "مصر لا تمتلك اتخاذ موقف محدد حيال الضربة الأميركية لسورية"، مضيفاً أن "خروج بيان مصر بهذه الصورة جاء لرفع الحرج عن النظام المصري، لعدم إغضاب الولايات المتحدة وروسيا".
ولفت إلى أنه "في المقابلتين تحدث السيسي بنفس اللهجة التي يتحدث بها في خطاباته للشعب المصري، عن ضرورة الحفاظ على كيانات وجيوش الدول النظامية، وأن الحرب في سورية لن تنتهي بالعنف المتبادل، ولكن برعاية عملية سياسية واسعة يكون النظام الحاكم جزءاً منها ولو لفترة انتقالية".
ويعكس تصفير الدور المصري في سورية، فقدانها لثقلها السياسي الإقليمي في عهد السيسي؛ كما أن موقف مصر المؤيد للثورة السورية والمعارض لاستمرار بشار الأسد قبل عزل الرئيس محمد مرسي، كان معبراً بوضوح عن اتجاه ساد الشارع المصري في فترة ثورات الربيع العربي، ومتكاملاً مع مواقف قوى إقليمية أخرى كالسعودية وقطر وتركيا. ما أعطى مصر آنذاك ثقلاً في هذا الملف وكانت مواقفها الدبلوماسية من الأسد محط أنظار واشنطن وموسكو، لكن هذا تغير بعد اختيار السيسي تحييد الموقف المصري من 2013 إلى 2016، ثم تحوله تدريجياً لمساندة بشار الأسد، وصولاً للتنسيق الأمني والاستخباراتي معه برعاية روسية.