اتفاق الحديدة: انهيار وشيك بعد تعثر إعادة الانتشار

23 يونيو 2019
يستعد غريفيث لاستئناف جهوده بشأن الأزمة اليمنية(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

بالتزامن مع استعداد المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، استئناف جهوده الدبلوماسية بشأن الأزمة اليمنية، تشهد مدينة الحديدة الساحلية تصعيداً متزايداً وخروقاً لوقف إطلاق النار في ظل بروز بوادر ومؤشرات باحتمال عودة العمليات العسكرية التي تهدد اتفاق استوكهولم بانهيار وشيك، في أعقاب الانسداد الذي واجه تنفيذه، وذلك وسط تبادل الاتهامات بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) والقوات الحكومية المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي، بالتصعيد. وفيما نقلت وكالة "الأناضول"، عن مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة، أن "غريفيث يستأنف مباحثاته مع الأطراف اليمنية نهاية الأسبوع الحالي، بعد توقفه منذ منتصف مايو/أيار، على ضوء الأزمة مع الحكومة اليمنية"، توجهت الأنظار مجدداً نحو مدينة الحديدة، التي كانت محور جهود المبعوث الأممي منذ تعيينه في فبراير/شباط 2018.

وأفادت مصادر محلية في الحديدة لـ"العربي الجديد"، بأن "الأيام الأخيرة، شهدت ارتفاعاً في وتيرة التحركات العسكرية على جانبي مناطق المواجهات في الأجزاء الجنوبية والشرقية لمدينة الحديدة، جنباً إلى جنب مع ارتفاع ملحوظ في خرق اتفاق استوكهولم الذي دخل حيز التنفيذ في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وهو الاتفاق الذي أوقف العمليات العسكرية في نطاقها الأوسع، غير أن المواجهات المحدودة والقصف المتبادل بالأسلحة الرشاشة وأحياناً المدفعية، بقي بوتيرة شبه يومية تتصاعد من حين لآخر".

ويأتي التصعيد في الحديدة، مترافقاً مع الأزمة غير المسبوقة بين الحوثيين وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي يُعدّ الذراع الأكبر للمنظمة الدولية في تقديم المساعدات، وسبق أن أعلن عن تعليق جزئي لمهامه في مناطق سيطرة الحوثيين، بسبب اتهامه لهم بالتلاعب في توزيع المساعدات وإعاقة العديد من الإجراءات التي يسعى لتبنيها للحد من هذا التلاعب. مع العلم أن الضغوط الدولية المرتبطة بميناء الحديدة وضرورة بقائه مفتوحاً أمام المساعدات الإنسانية بما فيها تلك المقدمة من برنامج الأغذية العالمي، كانت من أبرز دوافع إيقاف المعارك في الحديدة أواخر العام الماضي.



في السياق، سبق لرئيس ما يُسمى بـ"اللجنة الثورية العليا"، عضو "المجلس السياسي الأعلى" (واجهة سلطة الجماعة في صنعاء)، محمد علي الحوثي، أن ربط بين الأزمة مع "برنامج الأغذية" وبين التصعيد المحتمل، بقوله في 17 يونيو/حزيران الحالي، إن "ما يُخطط له الآن هو الهجوم مجدداً في الأيام المقبلة على الحديدة، وما يثار الآن من تصريحات وفبركات إعلامية (في إشارة إلى اتهامات برنامج الأغذية) هدفها تجميل صورة دول العدوان".

ويوم الجمعة الماضي، خرج المتحدث باسم الحوثيين، رئيس وفد الجماعة المفاوض، محمد عبد السلام، ببيان آخر، حول التطورات في الحديدة، اتهم فيه الطرف الآخر، بـ"المماطلة بتنفيذ الخطوة التالية المقررة في اتفاق المرحلة الأولى، الذي رعاه رئيس فريق المراقبين الدوليين الجنرال مايكل لوليسغارد"، حين أعلن الحوثيون "إعادة الانتشار" أحادية الجانب من قبلهم في موانئ الحديدة. وهي الخطوة التي كان من المفترض أن تقابلها القوات الحكومية بالانسحاب من بعض المواقع شرقي المدينة، إلا أن الجانب الحكومي شكك في خطوة الحوثيين. كما شنّت الحكومة هجوماً عنيفاً على غريفيث في مايو الماضي، بسبب سعيه لتمرير ما اعتبروه "مسرحية" للحوثيين في الحديدة، من خلال تسليم الموانئ إلى قوات موالية لهم.

وفيما سرد عبد السلام تفاصيل واتهامات للتحالف والقوات الحكومية بارتكاب خروق، جدد التأكيد على أن الجماعة ملتزمة باتفاق السويد ومساراته العملية في اتفاق الحديدة، وفقاً لما تقوم به لجنة تنسيق إعادة الانتشار (مؤلفة من ممثلين عن الطرفين وترأسها الأمم المتحدة)، مع التشديد على أنهم يحتفظون بحق الرد، في مؤشر على مخاوف جديدة من انهيار وشيك يهدد الاتفاق.

من زاوية أخرى، يبدو التصعيد المرتبط بأزمة في الحديدة، غير بعيدٍ عن هجمات الحوثيين باتجاه السعودية باستخدام طائرات مسيرة من دون طيار وصاروخ كروز أطلق للمرة الأولى ضد مطار أبها الدولي جنوب السعودية. وتعزّز الربط، مع تصريحات المتحدث باسم التحالف العقيد تركي المالكي، الذي قال منذ أيام، في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس)، إن "التحالف اعترض طائرة مسيرة للحوثيين انطلقت من مدينة الحديدة باتجاه السعودية". وللمرة الأولى حرص الحوثيون على النفي، خوفاً من أن يعطي ذلك مبرراً لعودة العمليات العسكرية للتحالف في الحديدة.

في موازاة ذلك، تحدثت مصادر إعلامية سعودية عن اجتماع مرتقب للجنة الرباعية بشأن اليمن (تضم وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات)، لمناقشة التطورات المرتبطة بأزمة الحديدة وتعثر تنفيذ الاتفاق المبرم منذ ما يزيد على سبعة أشهر، بالإضافة إلى تصعيد الحوثيين هجماتهم باتجاه الجانب السعودي. ومن المتوقع أن يسلط الاجتماع، ما لم يؤجل، الضوء على الأزمة بشأن جهود غريفيث ويمهّد لاستئناف مباحثاته لإنقاذ الاتفاق الذي كان أبرز محطة في عمله طوال الأشهر الماضية.