من جديد عادت التباينات بين الأطراف الجنوبية في جنوب اليمن لتظهر، بعد انقسام التقييمات بشأن نتائج اجتماع عمان بين الأطراف الجنوبية، الذي نظمه المعهد الأوروبي للسلام على مدى يومين، واختتم أول من أمس الأحد. وبينما ذهب البعض للحديث عن فشل اللقاء، خصوصاً أن المشاركين لم يجتمعوا معاً إلا في الجلسة الختامية، بينما نُظمت جلسات جانبية فقط لبعض المشاركين، كانت لآخرين رؤية مختلفة متحدثين عن نجاحه. هذا الانقسام في تقييم نتائج الاجتماع سيناريو مُشابه لمختلف الاجتماعات التي تعقد بين القوى الجنوبية، بما في ذلك ما جرى قبل أشهر، لدى انعقاد مؤتمر الحوار الذي أطلقه "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، المدعوم من الإمارات.
أصحاب نظرية نجاح اجتماع عمان ينطلقون من فكرة أنه تمكن من جمع مجموعة من الأطراف والقيادات الجنوبية البارزة، وإن لم يكن جميعها حضر بصفة رسمية، مثل تيار الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض، وتيار "المجلس الأعلى للحراك الثوري" بزعامة حسن باعوم، و"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً. كما ينفي ثلاثة مشاركين في الاجتماع، محسوبون على 3 قوى جنوبية مختلفة ومتباينة في رؤيتها للقضية الجنوبية تحدثوا، لـ"العربي الجديد" لكنهم فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم، أن يكون الاجتماع قد فشل أو لم يخرج بأي نتائج، مع التأكيد أن ظروف انعقاد الاجتماع صعبة ومعقدة وحساسة بالنسبة للجنوبيين، وبالتالي فإن مخرجاته يجب أن توضع في سياق كونها خطوة نحو التمهيد لحوارات ونقاشات جنوبية آتية بأوسع مشاركة يمكن أن تتحقق.
وقال رئيس "حركة النهضة الجنوبية" ووزير الدولة في الحكومة الشرعية عبد الرب السلامي، وهو أحد الذين حضروا الاجتماع، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن عدد المشاركين في الاجتماع، الذي أقيم بتنظيم من المعهد الأوروبي للسلام وبدعم من مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، كانوا 26 شخصية من مكونات جنوبية مختلفة. وبالنسبة إليه كان الاجتماع بحد ذاته خطوة إيجابية في جمع الأطراف الجنوبية المتباينة على طاولة حوار واحدة. وحول مصير الاجتماع، قال السلامي إن الاجتماع لم يفشل، وقد عقدت جلسات عمل مصغرة على مدار يومين، أدارها المنظمون مع كافة المجموعات الجنوبية، ثم عقدت الجلسة العامة للجميع، وتم الخروج باتفاق على ضرورة إيجاد منصة جامعة لكافة المشاريع المطروحة في الساحة الجنوبية، والاتفاق على استمرار الحوارات في اجتماعات جديدة تبدأ من سبتمبر/ أيلول المقبل. وبالنسبة إليه، فإن "ما أشيع عن أن الاجتماع فشل غير صحيح، وقد صدر عن شخصيات وأطراف غير مسؤولة ولا ترغب في وحدة الصف". ولفت إلى أن المشاركين كانوا ينتمون إلى مكونات مختلفة، أبرزها الحراك الثوري، والحراك المشارك، وشخصيات من المجلس الانتقالي، والائتلاف الوطني الجنوبي، والمؤتمر الجنوبي الأول، ومؤتمر شعب الجنوب، والحزب الاشتراكي اليمني، وحركة النهضة للتغيير السلمي، والمؤتمر الشعبي العام في الجنوب، ومؤتمر حضرموت الجامع، وشخصيات وطنية مستقلة.
من جهته، أصدر رئيس "الحراك الثوري الجنوبي" فؤاد راشد بياناً، قال فيه إن "اللقاء عقد على مدار يومين. كان اليوم الأول عبارة عن لقاءات جانبية توفيقية أدارها خبراء المعهد الأوروبي، وكان اللقاء الآخر الختامي، ظهر الأحد، بلقاء جماعي ألقيت فيه كلمة لرئيس المعهد التي دحض فيها كل الإشاعات التي تناولت بالكذب أقاويل تعثر اللقاء ومنعه، ووعد بمواصلة الحوار بشكل عملي في سبتمبر المقبل، حتى الوصول إلى منصة جنوبية موحدة. ثم ألقيت كلمة عن المشاركين في اللقاء، ألقاها الرئيس حيدر أبو بكر العطاس شكر فيها باسم الحاضرين إدارة المعهد وخبرتها السياسية الثاقبة في إدارة اللقاء، ورغبة المشاركين في المضي نحو توافق جنوبي واسع لمنصة جنوبية موحدة يلتقي تحت ظلالها كل الجنوبيين، وفي إطار مشروع الجنوب العادل، بعيداً عن الإقصاء والاستحواذ، مؤكدا أهمية استيعاب الآخرين في الاجتماع المقبل". واعتبر راشد، الذي تظهر مواقفه الأخيرة تقارباً مع الشرعية، أن "المشاركة الجنوبية الواسعة، من كل التيارات والرؤساء ومندوبيهم، دليل قاطع على حاجة كافة الجنوبيين لتوافق لم يحدث حتى الآن، ورغبة حقيقية في التوجه لتذليل الصعاب أمام توحيد الصف الجنوبي"، مستغرباً "ادعاءات الفشل والخلط بين التأجيل وإعلان موعد جديد لجولة جديدة من الحوار".
وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي أكد عليها جزء من الحاضرين، فإن أحد المشاركين كان قد وصف، في حديث لـ"العربي الجديد" في عمان، "اللقاء بأنه أقرب إلى جلسات الدردشة منه إلى الاجتماع التنسيقي الرسمي". كما أن أنصار "المجلس الانتقالي الجنوبي" كانوا أبرز من تحدث بضبابية عن اجتماع عمان. وحمل منشور المتحدث باسم المجلس نزار هيثم، على صفحته في "فيسبوك"، والذي أكد فيه أنه "لا يوجد تصريح أو بيان رسمي بشأن لقاء الأردن التشاوري، وعلى وسائل الإعلام عدم الانسياق خلف الشائعات والأخبار المغلوطة واستقاء الأخبار الصحيحة من خلال مواقع المجلس الانتقالي الجنوبي الرسمية"، تلميحاً إلى عدم التوافق. واعتبر أن "التوفيق حليف كل من يعمل ويلتقي وفق مبادئ وأهداف تستند إلى الإرادة الشعبية الجنوبية"، وهي إشارة غير مباشرة إلى التباينات التي حضرت في اجتماع عمان وأن "المجلس الانتقالي" هو فقط الذي يستند إلى مبادى الشعب.
من جهته، قال العضو في هيئة الرئاسة في "المجلس الانتقالي" عدنان الكاف، عبر "تويتر"، إن "اجتماع عمّان، الذي يرعاه المعهد الأوروبي للسلام لا يعدو كونه حلقة ضمن سلسلة طويلة ومتكررة من الاجتماعات التي ترعاها معاهد أجنبية لأهداف متعددة ومعروفة، فلا داعي للتهويل". وأضاف أن "الحل لن يأتي إلا من الداخل وبتضحيات الشرفاء". كذلك علق نائب الرئيس اليمني السابق ورئيس الوزراء الأسبق خالد محفوظ بحاح، المقرب من الإمارات، على الاجتماع بالقول إنّ "القضية الجنوبية وطنية، لا تعادي أحداً، وإنما تنشد العدالة والمساواة، وهي بحاجة إلى التفاف الجميع ومشاركتهم وتقديم رُؤاهم"، مضيفاً "أنها قضية شعب ووطن، لا أفراد أو جماعات".
ووفق مصدرين سياسيين جنوبيين، تحدثا لـ"العربي الجديد"، فإن التدخلات الخارجية والتأثيرات المحلية تُظهر فشل كل محاولات الجنوبيين في عقد حوارات، من مؤتمر القاهرة في العام 2012 وحتى مؤتمرات "الحراك الجنوبي" واللقاءات في عمان وأبوظبي وصولاً إلى مؤتمر "المجلس الانتقالي الجنوبي" واجتماع عمان الجديد. واعتبرا أن "غياب أطراف بارزة (عن اللقاء) يُعد مشكلة جنوبية حقيقية. ومن الصدف أن الجزء الأكبر من القوى المشاركة في اجتماع عمان إما رفض المشاركة في مؤتمر الحوار الجنوبي الذي عقده الانتقالي وفشل، بسبب محاولته تفصيل أطراف على مقاسه لشرعنة وصايته على الجنوب وتخفيف ضغط الشارع، أو لم يكن مدعواً للمشاركة". وأكد المصدران أن "هناك حساسية في ما يخص محافظة حضرموت التي باتت تشكل قلقاً لهم، بسبب الموقف الحضرمي الغامض حيال الدعوات الجنوبية للحوار، في الوقت الذي يتحركون فيه بعيداً، ويحاولون ترتيب وضعهم بطريقتهم الخاصة، وهذا واحد من أهم أسباب فشل الاجتماعات والمؤتمرات الجنوبية".