وإذا كان قضاء فترة الأعياد مع القوات الفرنسية الموجودة خارج البلاد تقليداً درج عليه ماكرون منذ سنة 2017، حيث حلّ في نيامي عاصمة دولة النيجر، ثم في 2018 في تشاد، علماً أن الرئيس السابق فرانسوا هولاند كان يقوم من حين لآخر بزيارة جنوده خارج فرنسا، إلا أن الظروف التي تعيشها منطقة الساحل والصحراء، أصبحت بالغة الصعوبة، ولا تبشّر بحل قريب للحرب الدائرة ضد الإرهاب، التي كان هولاند، حين دخوله المظفر إلى العاصمة المالية باماكو، يتصور أنها على وشك الانتهاء.
فقد أتى الرئيس ماكرون إلى بلد أفريقي، خارج "عملية برخان"، وهو كوت ديفوار، ولم يَعُد الرئيس الفرنسي يُخفي استعداده لدراسة كل الحلول للخروج من المأزق، بعد أن كان في السابق يركز على الحل العسكري تقريباً، الذي أغضب، قبل أسابيع، حلفاءَه الأفارقة في عملية "برخان"، باستدعائهم إلى العاصمة الفرنسية قبل أن يُلغى اللقاء، وهو ما رأى فيه كثير استعادة للغة استعمارية كان يُتصوَّر أنها بادت، على الأقل، منذ خطاب دكار للرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي.
وتضم "برخان" لمكافحة المتشددين نحو 4500 عسكري في خمس دول في منطقة الساحل (مالي، النيجر، بوركينا فاسو، تشاد وموريتانيا)، وتركّز جهودها في منطقة ليبتاكو غورما في شمال شرقي مالي.
وقد اختار ماكرون هذا البلد (كوت ديفوار)، بعد تنامي العداء الشعبي للوجود العسكري الفرنسي في مالي والنيجر، الذي يَعتبره كثيرون غير فعّال في مقاومة التطرف، وأيضاً بسبب دور الجيش الفرنسي الحاسم في وقف الحرب الأهلية في هذا البلد، ووصول الحسين واتارا، صديق فرنسا، إلى السلطة، عبر الانتخابات.
وأعلن الرئيس من أبيدجان أنّ عملية "برخان" قتلت 33 "إرهابيا" صباحا في مدينة موبتي في مالي.
وأوضح ماكرون في كلمة ألقاها أمام الجالية الفرنسية، في ثاني أيام زيارته إلى ساحل العاج، أنّ العملية "حررت دركيين ماليين من أيدي المتشددين كما أسرت مقاتلا"، من دون إعطاء تفاصيل إضافية.
في سياق مواز، عبّر الرئيس الفرنسي عن الرغبة في منح قوة جديدة لمكافحة المتشددين في منطقة الساحل، حيث يوجد 4500 جندي فرنسي. واعتبر ماكرون، الذي لم يستطع بعد إقناع حلفائه في حلف الناتو ولا في الاتحاد الأوروبي بانخراط أوسع، يشمل المشاركة في العمليات العسكرية وليس فقط تقديم مختلف أنواع الدعم اللوجستي، أن "عملية برخان" "أساسية بالنسبة إلى فرنسا"، وهو ما يعني أن "فرنسا مستمرة بوجودها فيها"، محذّراً من أن أي تهاون وتقصير "سيجعلان التهديد يمسّ فرنسا".
ووعياً منه أن الحالة الراهنة لهذه العملية ليست كافية لإبعاد الخطر المتشدد، فإنه يجب تطويرها، خاصة أن أصواتاً في فرنسا، إعلامية وسياسية، تؤكد أن العملية أصبحت "مستحيلة" في وضعيتها الحالية، فأعرب ماكرون أمام جنوده عن الأمل في "منح عمق جديد" للعملية، وهو ما يمرّ عبر تعزيز القوات الفرنسية الموجودة في كوت ديفوار، التي تقترب الآن من ألف جندي.
وعاد الرئيس الفرنسي، مرة أخرى، إلى الحديث عن الحلفاء المحليين، طالباً منهم "التزامات سياسية"، وهو ما يعني دعوة الحليفين، مالي وبوركينا فاسو، إلى فعل شيء لتخفيف تصاعد العداء للوجود الفرنسي في بلديهما.
وهذا الانتقاد الموارب لبعض الحلفاء الأفارقة في عملية "برخان"، سيزداد يوم 15 يناير/ كانون الثاني 2020، في أثناء انعقاد لقاء في مدينة "بو" الفرنسية، سيجمع ماكرون مع رؤساء عملية "برخان" الخمسة.
وعلى الرغم من تصاعد العداء للوجود الفرنسي داخل دولة النيجر، التي تعرّضت، قبل أيام، لهجمات دامية للمتشددين، إلا أن الرئيس ماكرون، الذي سيتوقف لساعات في هذا البلد قبل عودته إلى فرنسا، اعتبر أن هذا البلد، المنتج للأورانيوم، "يفعل ما يستطيع"، على خلاف مالي وبوركينا فاسو، اللتين يجب عليهما أن "تتحملا أمام الرأي الشعبي في بلديهما الدَّعمَ الفرنسي لهما".
لكن موقف الرئيس الفرنسي في التعامل مع حلفاء أفارقة ضعفاء يعتبره الكثيرون تكبراً وفيه تعامل فجّ، وهو ما أشارت إليه صحيفة "لوكنار أونشينيه"، حين قرأت في الدعوات التي وجهها ماكرون إلى القادة الأفارقة لحضور اجتماع في مدينة "بو" في 16 ديسمبر/ كانون الأول، وهو اجتماع جرى تأجيله، "استدعاءً عنيفاً في هذه المدينة التي تضم كتيبة الهليكوبتر، التي فقدت 7 من بين 13 جندياً قتيلاً".
وأضافت الصحيفة أن "الرئيس لا يخفي أمام مساعديه رغبته في تطويع هؤلاء القادة، كذلك فإنه يأخذ عليهم نقص روحيتهم القتالية في مواجهة المتشددين واعتراضهم الهش على التصريحات المعادية لفرنسا من بعض المسؤولين السياسيين، وأيضاً تظاهرات الشارع التي تُحرَق فيها الأعلام الفرنسية تحت صيحات "برخان، ارحل"".
وتنقل الصحيفة الفرنسية ما رأت فيه وسائل إعلام مالية "احتقاراً ثقافياً" من قبل ماكرون، و"ماكرون كشف عن عجرفته"، معلقة على الدعوة التي وجهها ماكرون إلى نظرائه الأفارقة.
وفي ما يخصّ الساحل، لا يجب فقط الاكتفاء بتصريحات ماكرون، بل وقراءة تصريحات القادة العسكريين الفرنسيين.
وتنقل الصحيفة الفرنسية نفسها، عن رئيس الأركان الفرنسي فرانسوا لوكوانتر، حديثه أمام جنوده في "غاو"، عن "ضرورة الانتقال إلى طابع سياسي في حل أزمة الساحل"، مؤكداً أنه "لن تكون هناك معركة كبرى نهائية، يرافقها استعراض النصر في جادة الشانزليزيه"، لأن فرنسا موجودة هنا "من أجل تأمين أمننا من أجل الثلاثين سنة القادمة"، وهو ما علقت عليه الصحيفة الساخرة، بالتساؤل: "هل ما زالت أمامنا ثلاثون سنة من حرب الصحراء؟".