شبهة دوافع دعائية لملاحقة الفاسدين في روسيا عشية الانتخابات

14 مارس 2018
شهدت عشرات المدن الروسية تظاهرات مناوئة للفساد (فرانس برس)
+ الخط -

شهدت روسيا أخيراً مجموعة من التحركات في مجال مكافحة الفساد، بين صدور حكم بالسجن لمدة ثماني سنوات بحق محافظ مقاطعة كيروف السابق، نيكيتا بيليخ، وآخر بالسجن 13 سنة بحق محافظ مقاطعة ساخالين السابق، ألكسندر خوروشافين، واعتقال بضعة مسؤولين كبار في جمهورية داغستان في شمال القوقاز، ما أثار تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وموعد شن "الحرب على الفساد" قبيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 مارس/آذار الحالي.

وفي هذا الإطار، يرى الخبير في صندوق "إنديم" للبحوث في موسكو، يوري كورغونيوك، أن الحملة الراهنة لا تقتصر على مكافحة الفساد فقط، بل إنها انعكاس لتصفية الحسابات بين مراكز القوة داخل السلطة، وتندرج ضمن حملة الانتخابات الرئاسية التي من المنتظر أن تسفر عن فوز الرئيس فلاديمير بوتين بولاية رئاسية رابعة. ويقول كورغونيوك، لـ"العربي الجديد"، "تجري عملية مكافحة الفساد ضمن حالات بعينها، من خلال التضحية ببعض الشخصيات غير الضرورية. النظام القائم على النصب، لا يمكن ألا يكون فاسداً، وإذا أجريت مداهمة لمكتب أي محافظ فسيتم ضبط ثروات لا تقل عن تلك التي وُجدت في مكتب خوروشافين". وكان خوروشافين اعتُقل في مارس/آذار 2015، إثر ضبط مبالغ بعملات مختلفة، بما يعادل نحو 16 مليون دولار نقداً في مكتبه، بالإضافة إلى 800 قطعة مجوهرات ثمينة. وصدر الحكم، الخميس الماضي، بسجنه 13 سنة.

أما بيليخ، فقد تم توقيفه منتصف عام 2016، متلبساً، في أحد المطاعم الفاخرة في موسكو، بتهمة استلام رشوة تصل قيمتها إلى 400 ألف يورو. إلا أن التوجهات الليبرالية التي عُرف بها بيليخ أثارت تساؤلات حول وجود دوافع سياسية لملاحقته بعيداً عن مكافحة الفساد. وشهدت جمهورية داغستان أخيراً مجموعة من الاعتقالات، طاولت القائم بأعمال رئيس الوزراء ونائبيه، بالتزامن مع إقالة الحكومة وتعيين وزير الاقتصاد في جمهورية تتارستان، أرتيوم زدونوف، رئيساً للوزراء في داغستان، وقيام رئيس لجنة التحقيق الروسية، ألكسندر باستريكين، بزيارة إلى الجمهورية. وحول أوضاع الفساد في داغستان وشمال القوقاز الروسي بشكل عام، يقول كورغونيوك إن "نطاق استشراء الفساد في شمال القوقاز أوسع كثيراً من شمال روسيا"، مرجعاً ذلك إلى قوة الروابط العائلية في الجمهوريات التي تقطنها قومية واحدة. ويضيف "إذا كان الفساد في روسيا ناجم عن غياب الرقابة من قبل المجتمع، فإنه يعد في الجنوب بمثابة نمط حياة راسخ وأخلاقيات تلزم من يحقق نجاحاً بتلبية احتياجات جميع أفراد عائلته". وحول توقعاته لنتائج الحملة الحالية في داغستان، يعتبر أنه "سيتم إظهار ملاحقة الفاسدين قبل الانتخابات، لكن على المدى البعيد، ستعود الأمور إلى طبيعتها".


وفي السياق ذاته، وصفت صحيفة "فيدوموستي" الروسية، ملاحقة الفاسدين في داغستان بأنها "مشروع الكرملين لمكافحة الفساد قبيل الانتخابات". ونقلت الصحيفة عن مصدر في ديوان رئاسة داغستان قوله "يرحب الناخبون بمثل هذه الأعمال قبل الانتخابات. حان الوقت لمراجعة داغستان وغيرها من الأقاليم، فيما يتعلق بإنفاق أموال الميزانية". وقبيل موعد الاستحقاق الانتخابي، جدد بوتين تأكيده على استمرار حملة مكافحة الفساد في داغستان بعد الانتخابات، مرجعاً ذلك إلى "مصلحة شعب داغستان". ويعتبر الفساد من أكبر المشكلات التي تواجهها روسيا، إذ جاءت في المرتبة الـ131 في مؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية للعام 2016، لتأتي بذلك في نفس المرتبة مع الدول النامية، مثل إيران وكازاخستان ونيبال وأوكرانيا. وشهدت الولاية الرئاسية الثالثة لبوتين مجموعة من فضائح الفساد، ومن أشهرها قضية الفساد في مؤسسة "أوبورون سيرفيس" العسكرية، المتعاونة مع وزارة الدفاع، التي أسفرت، في نهاية عام 2012، عن إقالة وزير الدفاع الروسي آنذاك، أناتولي سيرديوكوف. أما وزير الاقتصاد السابق، أليكسي أوليوكايف، فصدر بحقه، نهاية العام الماضي، حكم بالسجن المشدد لمدة ثماني سنوات لإدانته في قضية تقاضي رشوة بقيمة مليوني دولار مقابل تمرير صفقة استحواذ شركة "روس نفط"، أكبر شركة نفط في روسيا، على حصة الدولة في شركة "باش نفط" والبالغة 50 في المائة.

وبلغ استياء الروس من استشراء الفساد ذروته في الربيع الماضي، حين شهدت عشرات المدن الروسية تظاهرات مناوئة للفساد، دعا إليها المعارض المستبعد حالياً من سباق الانتخابات الرئاسية، أليكس نافالني، وهو مؤسس "صندوق مكافحة الفساد" الذي اتهم رئيس الوزراء الروسي، ديميتري ميدفيديف، بامتلاك ما قال إنه "أصول سرية". وستجري انتخابات الرئاسة الروسية في 18 مارس الحالي الذي يصادف الذكرى الرابعة لضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. ويخوض سباق الانتخابات ثمانية مرشحين، بمن فيهم بوتين مرشحاً مستقلاً، ومرشح الحزب الشيوعي، بافيل غرودينين، وزعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، فلاديمير جيرينوفسكي، وأحد مؤسسي حزب "يابلوكو" (تفاحة) الليبرالي، غريغوري يافلينسكي، ومرشح حزب "روست" (النمو)، بوريس تيتوف، والإعلامية كسينيا سوبتشاك التي تقدم نفسها كمرشحة "ضد الجميع"، وغيرهم.