عمليات غزة: نضالٌ من خارج عباءة الفصائل

19 اغسطس 2019
يعيش الغزيّون حالة إحباط متزايدة (علي جادالله/ Getty)
+ الخط -
يؤشر تزايد العمليات الفدائية الفردية على السلك الشائك الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة إلى حالةٍ من عدم الرضا لدى عناصر المقاومة الفلسطينية على سوء الأوضاع الداخلية، والتباطؤ الإسرائيلي في تنفيذ تفاهمات رفع الحصار، وحالة الإحباط العامة التي باتت سمة مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع الساحلي المحاصر.
وارتفع منسوب الإحباط لدى الغزيين، بعد عشرات الوعود التي أطلقت أخيراً، والتي تعهّدت لهم بتحسين أوضاعهم الحياتية ووقف النزيف الاقتصادي والمعيشي الذي يعاني منه القطاع المحاصر، لكن هذه الوعود لم تجد سبيلها للتحقق، في ظلّ المماطلة الواضحة التي أظهرها الاحتلال وغياب الشفافية الفلسطينية في التعامل مع الأزمة.
ومنذ بداية شهر أغسطس/ آب الحالي، نفذ فلسطينيون أربع عمليات "فردية"، بدأها أحد عناصر "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، ويدعى هاني أبو صلاح، حين تمكن فجر الأول من أغسطس/ آب من اختراق المنطقة الفاصلة مع الأراضي المحتلة شرق محافظة خان يونس جنوب القطاع، واشتبك مع قوة للاحتلال، ما أدى إلى استشهاده وإصابة ضابط ومجندين إسرائيليين، انتقاماً على ما يبدو لاستشهاد شقيقه المقعد فادي أبو صلاح، بنيران قوات الاحتلال، خلال مشاركته في فعاليات "مسيرة العودة وكسر الحصار".
ويوم السبت في العاشر من الشهر الحالي، نفّذ أربعة فلسطينيين عمليةً شرقي دير البلح وسط القطاع، استشهدوا على إثرها. وفي صباح يوم عيد الأضحى (الأحد الماضي)، نفذ فلسطيني عملية ثالثة، فيما نفذ عدد من الفلسطينيين، فجر أمس الأحد، عملية ضد موقع للاحتلال شمالي بيت لاهيا، شمال القطاع.
وجاءت عملية يوم أمس مفاجأة، إذ شارك فيها عدد أكبر من الفلسطينيين، استشهد ثلاثة منهم، هم محمود عادل الولايدة (24 عاماً)، ومحمد فريد أبو ناموس (27 عاماً)، ومحمد سمير الترامسي (26 عاماً)، ليتبين أنّ أحدهم عنصر في "كتائب القسام"، والثاني من "سرايا القدس" الذراع العسكرية لحركة "الجهاد الإسلامي"، والثالث من حركة "فتح"، وجميعهم من مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع.
وغابت الرواية الفلسطينية الرسمية عن العملية، فيما غاب التبنّي الرسمي للشهداء، ليقتصر الأمر على إجراء مراسم عزاء عادية، أكدت فردية هذه العمليات، وعدم مرورها عبر التنظيم.
وتؤشر وتيرة هذه العمليات بالإضافة إلى حالة الغليان التي تسود داخل الفصائل المسلحة، إلى أرجحية ارتفاع عددها، كعمليات فردية لن يتبناها أي فصيل فلسطيني مسلح، كما أنها ستفتح الباب أمام مقاومين آخرين للاندفاع نحو تنفيذ عمليات "ارتجالية"، أي وليدة ساعتها، وإن كانت الفصائل ستعمل داخلياً على احتواء هذه الحالة.
وقد تفضي هذه العمليات، مع توسعها وتزايدها، إلى احتمال حدوث تصعيد على مناطق التماس، قد يجر إلى وقوع حرب غزة الرابعة، خصوصاً إذا ما نجحت إحداها في إيقاع خسائر كبيرة في صفوف قوات الاحتلال، أو في صفوف مستوطنيه، ما سيدفعه إلى تصعيد القصف.
من جهتها، أكّدت مصادر في حركة "حماس" لـ"العربي الجديد" "فردية" هذه العمليات التي تعكس اندفاعة لدى بعض العناصر، لا تحظى بأي توجيه، ولا بموافقة القيادة، على حد قولها. وأوضحت أنّ الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعاني منها القطاع، إلى جانب العدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة، والاستهدافات المتكررة للمسجد الأقصى، هي الأسباب التي تقف خلفها.
ولفتت المصادر إلى وجود نقاش داخلي فلسطيني، يعبّر عن الخشية من أن تدفع هذه العمليات الجميع باتجاه أوضاع غير مرغوب بها في هذه الفترة الدقيقة، في إشارة إلى احتمال اندلاع حرب واسعة على القطاع.
وشددت المصادر الحمساوية على أنّ الحركة وجناحها العسكري يتميّزان بـ"انضباط ميداني كامل"، لن تسمح بخرقه.
بالرغم من ذلك، يبقى جزء من هذه العمليات بمثابة انعكاس عملي لخطاب المقاومة عموماً، وخطاب حركة "حماس" خصوصاً، والتي لطالما اعتبرت أن استمرار الأوضاع في قطاع غزة كما هي عليه، وتنكر الاحتلال لإجراءات واستحقاقات التهدئة، قد يفضيان إلى عدم قدرتها على السيطرة على الحدود.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني ثابت العمور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مثل هذه العمليات تُشير إلى تبلور حالة نضالية فلسطينية جديدة، وتعكس حالة متدحرجة، بدأت بالأنفاق مروراً بالطائرات المسيرة ومسيرات العودة وعلميات القنص والبالونات الحارقة، وصولاً إلى العمليات الفدائية الفردية. ويلفت العمور إلى "أن التكتيك الجديد للمقاومة الفلسطينية، يمكن قراءته أيضاً في إطار تبلور حالة تمرد بدأت تسود لدى هؤلاء الشبان. وهو ما تجلّى بوضوح خصوصاً في عملية يوم أمس الأحد، حين توحّد ثلاثة شبان من فتح وحماس والجهاد، لتنفيذها".


ووفق العمور، تذكّر هذه العمليات، التي لن تقف عند حدود عملية أمس، بتلك الفدائية التي تمّ تنفيذها قبل الانسحاب الإسرائيلي من مستوطنات غلاف قطاع غزة، عندما كان اقتحام هذه المستوطنات وتنفيذ عمليات في داخلها يجري بوتيرة يومية، لحين الانسحاب وإفراغ القطاع من المستوطنين والجيش من داخله.
وينبه العمور إلى أنّ ما يظهر من نضج الحالة الثورية النضالية الفلسطينية قد يفلت من حسابات السياسيين والوسطاء والفصائل، ما يشكل وضعاً مربكاً للاحتلال، خاصة مع كونه مكملاً للعمليات التي تحمل ذات الطابع، والتي يجري تنفيذها في الضفة الغربية والقدس المحتلة. 
المساهمون