أسبوعان حاسمان للسودان: ضغوط ما قبل رفع العقوبات الأميركية

29 سبتمبر 2017
خلال زيارة البشير لمخيم "كلمة" بجنوب دارفور(أشرف شازلي/فرانس برس)
+ الخط -
أسبوعان فقط يفصلان السودان عن القرار الأميركي برفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد من عدمه، وهو قرار من شأنه أن يحدد مصير العلاقة والتعاون بين السودان والمجتمع الدولي والإقليمي عموماً، والسودان والولايات المتحدة على وجه الخصوص، لا سيما أن السودان واجه قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتمديد البت في القرار النهائي لثلاثة أشهر تنتهي في 12 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل برفض شديد أوقف معه لجان التفاوض مع واشنطن وإن تراجع بعدها. وكانت الإدارة الأميركية السابقة برئاسة باراك أوباما، اتخذت قراراً بتجميد العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان لستة أشهر، وكان من المقرر أن يبت ترامب في أمر الرفع النهائي للعقوبات عن الخرطوم من عدمها في الثاني عشر من يوليو/ تموز الماضي، إلا أن الأخير أرجأ القرار لثلاثة أشهر أخرى على أن يخضع السودان خلالها لتقييم حول عملية تنفيذ المسارات الخمسة التي اتفق البلدان عليها، ومن بينها إيقاف الحرب في السودان وإحداث تسوية سياسية داخلية، فضلاً عن تسهيل وصول المنظمات الإنسانية للمتضررين في مناطق النزاع في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، والحد من التدخّل في شؤون دولتي جنوب السودان وليبيا والعمل على استقرارهما بدعم جهود السلام فيهما.

وقبيل إصدار القرار النهائي بشأن العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على السودان منذ ما يزيد عن عشرين عاماً، اتخذت الإدارة الأميركية قرارين بشأن السودان خلال أقل من أسبوعين، أحدهما يتعلق بإنهاء حالة الحماية المؤقتة للمواطنين السودانيين التي اتخذ قرار بشأنها في نوفمبر/ تشرين الثاني 1997، ما يُعدّ اعترافاً أميركياً باستقرار الأوضاع في البلاد، والآخر خاص برفع اسم السودان من قائمة الدول التي قيدت عملية دخول مواطنيها للأراضي الأميركية.

واعتبرت الحكومة في الخرطوم وبعض المراقبين أن القرار بمثابة مؤشر لاتجاه أميركي برفع العقوبات الاقتصادية، وباتت الحكومة في الخرطوم أكثر ثقة في الخطوة. وسارعت وزارة الخارجية السودانية للترحيب بالقرار الأميركي بإزالة اسم السودان من قائمة الدول التي قيّد دخول مواطنيها إلى الولايات المتحدة. وأكدت الوزارة أن الخطوة ثمرة لحوار وتفاوض بين الحكومتين السودانية والأميركية، واعترفت بشكل ضمني أنه نتاج لعمل استخباراتي بين الدولتين حول المعلومات الخاصة بمكافحة الإرهاب.


ويُعدّ السودان واحداً من البلدان التي رفدت الإدارة الأميركية بحزمة من المعلومات الاستخباراتية حول المجموعات الإرهابية، بدءاً بتنظيم "القاعدة" الذي استضاف السودان في وقت من الأوقات زعيمه أسامة بن لادن، وصولاً إلى تنظيم "داعش" الذي يضم الكثير من كوادر "القاعدة"، انتهاء بجماعة "بوكو حرام" في نيجيريا التي تلقى زعيمها تعليمه في جامعة أفريقيا بالخرطوم. ووفق مراقبين، فإن السودان يملك مفاتيح الجماعات الإسلامية المتطرفة الإقليمية والدولية بسبب وجود احتكاك وعلاقة مباشرة وغير مباشرة بهم، في أوقات سابقة.

وتشابهت الأوضاع السائدة حالياً في السودان مع أوضاع مماثلة كانت سائدة قبيل قرار ترامب بتمديد البت في أمر العقوبات على السودان لثلاثة أشهر أخرى في يوليو/ تموز الماضي، إذ تزامن القرار مع ضغوط من الكونغرس الأميركي على ترامب وأزماته الداخلية والروسية، فضلاً عن ملف الحريات الدينية الذي أثير عقب إقدام السلطات في الخرطوم على هدم مجموعة من الكنائس وإصدار السفارة الأميركية في الخرطوم بياناً شديد اللهجة ينتقد الحكومة السودانية حول حرية الأديان، ما اعتبره مراقبون حزمة عوامل عرقلت استصدار القرار النهائي بشأن العقوبات. ويدور حالياً جدل على مستوى محلي ودولي بشأن الأحداث التي وقعت في معسكر "كلمة" للنازحين في ولاية جنوب دارفور، غربي البلاد، بالتزامن مع زيارة الرئيس السوداني عمر البشير، إلى المنطقة، حيث خرج نازحون في تظاهرات احتجاجاً على هذه الزيارة وواجهتها السلطات الأمنية هناك بالرصاص.

واختلفت التقديرات بشأن أعداد القتلى جراء تلك الأحداث. وأكدت الحكومة مقتل شخصين فقط، واتهمت حركة "تحرير السودان" المسلحة بقيادة عبدالواحد نور، بإثارة الأحداث والمبادرة بإطلاق الرصاص على القوات الحكومية. وحاولت تصوير الوضع كأنه اشتباكات بين نازحي معسكر "كلمة" أنفسهم، المؤيدين والرافضين لزيارة البشير. وسارعت الخارجية في خطوة تعد الأولى من نوعها، لاستصدار بيان بشأن الأحداث، من أجل الحد من تأثيراتها السلبية على القرار الأميركي المنتظر.

لكن البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لحفظ السلام في درافور (يوناميد)، أكدت في بيان، أن الاشتباكات تمت بين قوات حكومية ونازحين وأدت إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ما يزيد عن 20 آخرين. وذكرت أن الاشتباكات وقعت نتيجة احتجاجات داخل المعسكر ضد زيارة البشير. كما أصدرت السفارة الأميركية في الخرطوم، يوم الثلاثاء الماضي، بياناً جاء فيه أن الإدارة الأميركية تطالب الحكومة السودانية بإجراء تحقيق فوري حول أحداث معسكر "كلمة"، لافتةً إلى تواتر أنباء عن مقتل خمسة نازحين وأصابة 26 آخرين. وأبدت سفارة واشنطن قلقها "العميق" إزاء استخدام القوة المفرطة من قبل الحكومة أثناء المواجهات، وذكّرت حكومة الخرطوم بضرورة أن تتحلى قواتها الأمنية بضبط النفس عند التعامل مع الاحتجاجات حتى عند تعرضها للاستفزاز، وفق ما ورد في البيان. ودعت المتظاهرين إلى ممارسة حقهم بشكل سلمي وأن يتجنبوا أية مواجهات جسدية مع قوات الأمن.

ورأى مراقبون أنه رغم المؤشرات الإيجابية بشأن القرارات الأميركية الصادرة لصالح السودان في ما يتعلق مثلاً بإزالة اسم السودان عن قائمة الدول التي يمنع رعاياها من الدخول إلى أميركا، إلا أن أمر رفع العقوبات بشكل نهائي يواجه جملة عقبات، وفق اعتقادهم. ورأى أكثر من مراقب أن بيان السفارة الأميركية واتهامها المباشر للخرطوم باستخدام القوة المفرطة في مواجهة المتظاهرين فضلاً عن بيان الـ"يوناميد" الذي يذهب في اتجاه ما ذهبت إليه سفارة واشنطن، يشكلان مؤشراً إلى إمكانية عرقلة القرار الأميركي في شكله الإيجابي الذي تنتظره الخرطوم. وأكدوا أن أحداث "كلمة" والضغوطات التي لا يزال يواجهها الرئيس ترامب من الكونغرس وأزمات أسرته، كلها عوامل تصعّب عملية اتخاذ القرار على الرغم من جهود الحكومة وتحركاتها المكوكية في ذلك الاتجاه.


وأكدت مصادر أميركية لـ"العربي الجديد"، أن هناك تحركاً أميركياً لاستصدار قرار إيجابي بشأن الخرطوم في ما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية. وذكرت أن النقاشات تتركز حالياً حول إيجاد آلية تضمن عدم عودة السودان للمربع الأول في حال رفعت العقوبات. وأشارت إلى أن المقترحات تصب في اتجاه تقييد رفع العقوبات بفترة زمنية محددة لمراقبة الخرطوم والتأكد من تنفيذ التزاماتها، لا سيما بشأن مكافحة الإرهاب وتحقيق السلام في دارفور وفي منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، فضلاً عن التعاون مع دولة جنوب السودان ودعم جهود تحقيق السلام والاستقرار فيه وكذلك في ليبيا.

وذكرت المصادر أن الاجتماع الأخير الذي عقد في الخرطوم بين وزراء القطاع الاقتصادي في السودان وجنوب السودان، والذي خرج باتفاقات بإعادة التعاون التجاري والتعاون في مجال النفط بين البلدين، تم بإيعاز من واشنطن. ولفتت المصادر نفسها إلى وجود تحركات أميركية أخرى لطي الخلاف في منطقة أبيي المتنازع عليها بين الخرطوم وجوبا، ذاكرةً أن هناك جهوداً متواصلة حالياً بين الأطراف المعنية من أجل إيجاد ورقة مشتركة لتأكيد التزاماتها بالاستمرار في إيجاد حل لأزمة منطقة أبيي ومسألة الحدود والعمل سوياً في ما يتصل بتحقيق السلام في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بالنظر للتأثير المباشر لجوبا على "الحركة الشعبية قطاع الشمال" التي تقود حرباً ضد الخرطوم في المنطقتين. وأشارت المصادر في واشنطن إلى أن هناك عملاً جارياً من أجل إحياء اتفاق السلام الجنوبي، وأن الإدارة الأميركية أبلغت الحكومة السودانية صراحةً بأن تلك الخطوات تساعدها في الوصول لقرار نهائي لرفع العقوبات عن الخرطوم.

عملياً، ضاعفت الحكومة السودانية من تحركاتها الدبلوماسية للتأثير على الإدارة الأميركية لاستصدار قرار نهائي برفع العقوبات. وعقد مسؤولو وزارة الخارجية السودانية خلال الفترة الماضية، سلسلة لقاءات مع مسؤولين غربيين ومدراء مكاتب المنظمات الدولية في السودان للضغط على الإدارة الأميركية لرفع قرار العقوبات الاقتصادية عن البلاد بشكل نهائي. وقالت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، إن القيادة السودانية أكدت بوضوح للأميركيين والغربيين عموماً، أنها ستوقف كافة أنواع التعاون، لا سيما في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر، في حال أخفقت واشنطن في الإيفاء بوعودها برفع العقوبات المفروضة على الخرطوم.

واعتبر المحلل السياسي، أحمد عبدالعال، المقيم بلندن، أن حزمة القرارات التي اتخذتها الإدارة الأميركية أخيراً، بشأن السودان، تعد مؤشراً لرفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد باعتبار أنها تحمل اعترافاً ضمنياً بهدوء الأوضاع والاستقرار في البلاد. لكنه قال إن الإدارة الأميركية الحالية تعاني من عدم استقرار في اتخاذ القرارات، ما يجعل أمر تغيير القرارات في أية لحظة أمراً وارداً، فضلاً عن صعوبة تكهن ما يمكن أن يتخذه الرئيس ترامب من قرارات، بحسب قوله. وأضاف أن هناك مجموعة عوامل تؤثر على القرار الأميركي المرتقب، بينها التقارير التي تصدرها منظمة "كفاية" الأميركية ذات التأثير القوي على الكونغرس. وبيّن في هذا السياق أن اتخاذ واشنطن لحزمة عقوبات ضد دولة جنوب السودان، أتى إلى حد كبير بعد مقترحات من منظمة "كفاية" في تقاريرها الدورية.

كذلك، لفت عبدالعال لـ"العربي الجديد"، إلى الدور السعودي واستمراره في دعم جهود السودان لإلغاء العقوبات الأميركية، وذلك في ظل ما يتواتر من تقارير حول امتلاك مدير مكتب الرئيس السوداني المقال أخيراً، طه عثمان، معلومات أمنية بشأن تورط الخرطوم في تمويل الإرهاب وعلاقته بالتنظيمات السياسية في عدد من الدول، فضلاً عن الأزمة المكتومة بين السودان ومصر والإمارات بشأن ملف ليبيا، ودعم الأخيرتين لمحور اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، الذي تعده الخرطوم عدواً لها.

ورأى الخبير بملف العلاقات السودانية - الأميركية، خالد التجاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قرار واشنطن بإلغاء الحماية عن المواطنين السودانيين يشكل تأكيداً على تحسن الأوضاع في البلاد ويعتبر دلالة على وجود اتجاه لاتخاذ قرار نهائي برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان. لكن التجاني أشار إلى صعوبة التكهن بما سيقرره ترامب. وقال "هناك سياسة واضحة لترامب بشأن الهجرة واللاجئين". وأضاف أن "الأجواء العامة تقول إنه لا توجد مبررات لتأخير القرار وليس هناك ما يؤكد أنها سترفع بالنظر لتعقيدات العلاقة بين ترامب والكونغرس ووجود تيارات مع أو ضد القرار، ووجود جملة تعقيدات قد تؤثر على الخطوة".