مذكرة بحثية إسرائيلية لـ"ضبط" العمل السياسي لفلسطينيي الداخل

17 أكتوبر 2016
من تظاهرة فلسطينية ضد الحملة على حزب التجمع(العربي الجديد)
+ الخط -
بعد حوالى أكثر من شهر على عقد مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في السادس من سبتمبر/أيلول الماضي، ندوة رسمية بمشاركة النائب عايدة توما، بمناسبة إصدار أحد أحدث الكتب البحثية حول الفلسطينيين في الداخل ومحاولات استشراف علاقاتهم المستقبلية مع كيان الاحتلال، للباحث أفرايام لافي، تحت عنوان: "المجتمع العربي الفلسطيني في دولة إسرائيل، أوان التغيير الاستراتيجي في عمليات الدمج والمساواة"، عاد المركز وأصدر، الأسبوع الماضي، مذكرة، يبدو أنها استدراك لما جاء في الكتاب الأول للافي. وتدعو المذكرة إلى تكريس السياسة المعتمدة من قبل المؤسسة السياسية في إسرائيل، في كل ما يخص علاقة الدولة مع الفلسطينيين في الداخل، وسبل التحكم بنشاطهم السياسي وهويتهم القومية، بما يعني رفض لمقولات كتاب كان المركز قد احتفى به منذ مدة قصيرة.

وإذا كان الكتاب المذكور قد انتهى بجملة توصيات معلنة (إلى جانب أخرى غير معلنة) وفي مقدمتها مسألة فتح الجيش الإسرائيلي أمام الشبان الفلسطينيين في الداخل وتعزيز برامج تجنيدهم، فإن المذكرة الأخيرة التي أصدرها المركز، ووضعها الدكتور والباحث، دورون ماتسا، جاءت لتحدد بشكل أكثر وضوحاً حدود النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي للفلسطينيين. وتستخدم المذكرة مصطلح "المقاومة" تحديداً في وصف هذا النشاط. ويقول الباحث إنه تعمّد استخدام هذا المصطلح، كنتيجة حتمية لدراسة مقارنة لأنماط المقاومة التي شهدتها أقليات قومية أخرى في دول أخرى، يمكن تطبيق تجربتها على حالة الفلسطينيين في الداخل.

ويستعرض ماتسا، مسلسل أنماط هذه المقاومة، ولا سيما "العنيفة" منها، إذ يشير إلى حالتين، أو حدثين مفصليين، شكلا اندفاعاً جماعياً لاستخدام العنف من قبل فلسطينيي الداخل. وإن كان ذلك لم يكن بشكل مقصود، أو تحديداً بمبادرة منهم، وهو ما حدث في كل من يوم الأرض الأول عام 1976، وفي أحداث هبة القدس والأقصى في أكتوبر/تشرين الأول 2000.

وينطلق الباحث في مذكرته من أن السياسات الإسرائيلية المتعاقبة قبل هبة القدس والأقصى، وبشكل أكثر بروزاً بعد هذه الهبة، اعتمدت على ركيزتين أساسيتين: الأولى هي الإقصاء السياسي، وقتل ووأد كل ما يمكن أن يكون بعداً سياسياً قومياً ووطنياً، يعزز الهوية الفلسطينية من جهة؛ والركيزة الثانية، هي مسألة الانفتاح الاقتصادي، وإتاحة المجال أمام تحقيق الذات للفرد، وليس للمجموعة، كوسيلة لربط الفلسطينيين، كأفراد، بالمؤسسة وبالدولة، دون أن يكون هناك تصور أو رابط قومي جامع.

ويركز ماتسا في مذكرته، على الرد الإسرائيلي الرسمي، للمؤسسة وللأحزاب الإسرائيلية قاطبة، على التصرف الجمعي للفلسطينيين بعد هبة القدس والأقصى، وبشكل خاص ما أنتجه النشاط الجمعي والمقاومة الفكرية والثقافية التي تجلت بإصدار التصورات المستقبلية للعرب في الداخل. وهذه التصورات حددت الفلسطينيين في الداخل كجزء أصيل من الشعب الفلسطيني، وكسكان أصليين اعترضوا في تصوراتهم المستقبلية التي صدرت بين أواخر عام 2006 و2007، على مفهوم علاقتهم بالدولة الإسرائيلية وطبيعتها، من خلال تعزيز المطالبة بدولة لجميع المواطنين ورفض البنية الإثنية للدولة، ورفض الرواية التاريخية لها.


ويقول ماتسا، في هذا السياق، إن إسرائيل ردت على هذه التصورات باعتبارها خطوة تشكل تهديداً لأمن الدولة، من جهة، وسعت بشكل واضح وتظاهري إلى تجاهل كل ما جاء فيها ورفض الخوض في جوهر المطالب الأساسية لهذه التصورات. ويضيف أن سلطات الاحتلال عملت بدلاً من ذلك على الإمعان في خطة الإقصاء السياسي للعرب عن المشهد السياسي الإسرائيلي، والتقليل من أي تأثير وازن لهم يمكن أن يحرك شيئاً في السياسة الإسرائيلية.

ويرى ماتسا أن تشكيل الأحزاب العربية لـ"القائمة المشتركة" يأتي تعبيراً عن استراتيجية جديدة للعرب في الداخل تحاول، بحسب رأيه، استغلال الموضوعين الاجتماعي والاقتصادي لتحقيق أهداف ومصالح المجتمع العربي عبر استخدام خطاب اجتماعي مقبول على المجتمع الإسرائيلي ككل. ويوضح أن "القائمة المشتركة" تسعى لتحقيق هذا الهدف من خلال استغلال، مثلاً، حركة الاحتجاج الاجتماعية في إسرائيل في السنوات الأخيرة. وهو مع ذلك يدعي أن هذه الاستراتيجية، التي قد تكون صحيحة في ما يتعلق بالمواقف والسياسة العامة التي يمثلها اليوم رئيس القائمة، النائب أيمن عودة، هي كمن يواصل الطريق الطويل للحزب الشيوعي الإسرائيلي، إلا أنها لا تعكس مواقف حزب التجمع الوطني، مثلاً، أو الحركة الإسلامية الجنوبية، أو الحركة الإسلامية الشمالية.

وعلى الرغم من ذلك، يرى مؤلف المذكرة أن هذه الاستراتيجية من شأنها أن تقود العرب في الداخل إلى استراتيجية اجتماعية أخرى تنتهي إلى التقوقع الاجتماعي. ولهذا فهو يعتبر أن السياسة الحالية المتبعة من قبل الحكومة الإسرائيلية، كاستمرار للسياسات العامة للحكومات السابقة، يجب أن تكون نقطة الانطلاق في التعامل مع التوجهات المستقبلية للفلسطينيين في الداخل. ويحدد أن السؤال المحوري يتمثل بمعرفة كيف سيكون بمقدور إسرائيل الرسمية أن تدير سياستها بحيث تستطيع أن تتعايش مع استراتيجية المقاومة الاجتماعية لفلسطينيي الداخل، من جهة، وأن تتمكن من مراقبة ما يحدث داخل المجتمع الفلسطيني وتوجيه العمليات والسيرورات الجارية فيه لمنع سيناريوهات غير مرغوب فيها؟

في هذا الصدد، يقول ماتسا إنه يتعين المضي باعتماد سياسة الركيزتين: الأولى الاقصاء السياسي وبموازاتها الركيزة الثانية، وهي الاحتواء الاقتصادي. ويلفت إلى أن ما يحدث في السنوات الأخيرة هو إبراز للإقصاء السياسي للفلسطينيين في الداخل كمجموعة وجماعة قومية، مثل إخراج الحركة الإسلامية الشمالية عن القانون، إقرار قوانين ضد الأحزاب العربية، رفع نسبة الحسم، قانون الإقصاء من الكنيست. لكنه ينبّه إلى أن هذا الإقصاء يحصل دون جهد مواز أو مماثل في مجال الاحتواء الاقتصادي لفلسطينيي الداخل.

ويحذر ماتسا من أنه من شأن عدم التوازن في الاعتماد على هاتين الركيزتين أن يؤدي إلى انهيار الاستراتيجية كلها، وأن يفضي ذلك بالتالي إلى تعزيز اتجاه الانعزال الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني، إذ "سيكون ظهره للحائط دون أي أمل في الأفق"، وفق تعبيره. ولتفادي ذلك يقترح ضرورة تنفيذ الوعود الحكومية، لا سيما خطة التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي في الداخل، بالتوازي مع إطلاق حوار وتعاون مع جهات في المجتمع الفلسطيني (دون الأحزاب ورجال السياسة) وبالأساس جمعيات أهلية ورجال أعمال وجهات اقتصادية مع تحديد سلم أولويات لضمان استغلال أموال الخطة الاقتصادية للأهداف المعدة لها، حتى لا يتم استغلالها كرافعة لتحقيق أهداف لها دلالات وأبعاد سياسية قومية. ويجب أن يكون الحوار أيضاً بين هؤلاء وبين المجتمع اليهودي لمنع حالة الانعزال الاجتماعي للعرب. لكنه يقترح أيضاً تمكين "الوسط العربي" من ترميم أوضاعه الداخلية، دون أن يفقد انتماءه للإطار الإسرائيلي الأوسع. مثل هذه النشاطات يمكن تشجيعها على المستوى الحكومي من خلال خطط المساعدة الاقتصادية، وأيضاً على المستوى غير الحكومي عبر استخدام الميادين الاجتماعية غير الحكومية. ويتعلق الأمر هنا بتشجيع العلاقات بين مختلف الجمعيات، والأطراف في جهاز التعليم، وفي السلطات المحلية لخلق أساس لحوار وسجال واسع النطاق في مختلف المجالات في القضايا المحلية والاجتماعية ورعاية المصالح مع طمس الخطاب القومي وتغييبه.

المساهمون