كلفة سياسية واقتصادية باهظة لتأخر ولادة الحكومة المغربية

06 ديسمبر 2016
بنكيران ينتظر حسم "التجمع الوطني للأحرار" قراره(عبدالعلي عيساوي/الأناضول)
+ الخط -
مع تأخر تشكيل الحكومة المغربية الجديدة لمدة شهرين تقريباً، لم تتردد الأوساط السياسية والاقتصادية المحلية في التعبير عن قلقها بشأن تداعيات هذا التأخير وعواقبه على الوضع في البلاد. وكان العاهل المغربي، محمد السادس، قد كلف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، إثر تصدره الانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بتشكيل الحكومة، لكن المغرب لا يزال يُسيّر بحكومة تصريف الأعمال، ولم يتمكن بنكيران بعد من تشكيل ائتلافه الوزاري، مع العلم بأن الوقت الذي يستغرقه تأليف حكومة بنكيران الثانية يعد من بين الأطول في تاريخ تشكيل الحكومات في المغرب. كما أنه يتجاوز المدة التي احتاج إليها بنكيران لتشكيل حكومته الأولى، إذ لم يستغرق تأليفها سوى شهر وبضعة أيام.

وينتظر رئيس الوزراء المكلف لقاء زعيم التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، من أجل الحسم في موضوع مشاركته في الحكومة من عدمها، بعدما ضمِنَ مشاركة كل من حزبي "الاستقلال" و"التقدم والاشتراكية" فيها، مع تردد حزب "الاتحاد الاشتراكي".
ويعرّض الجمود الذي اعترى مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة البلاد لتكلفة باهظة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي خصوصاً لجهة التعطيل الذي يصيب عمل البرلمان، فضلاً عن وجود خطر عدم إقرار قوانين مهمة، في مقدمتها قانون الموازنة للعام المالي المقبل، الذي بات معرضاً للتأخير، مع ما لذلك من تداعيات سلبية.

ومع مرور حوالى شهرين على عدم تشكيل الحكومة، تبرز مظاهر سلبية في المشهد السياسي المغربي، اتسمت بتبادل للاتهامات، وتذبذب في المواقف، وافتقار أحزاب بعينها لقرارها السياسي.

يقول الخبير في الشأن السياسي والدستوري، عثمان الزياني، إن للتأخير في ولادة الحكومة لأكثر من 50 يوماً، تكلفة سياسية باهظة "تلقي بظلالها على المسار الديمقراطي في كليته، وتبعث ببذور الشك وعدم الثقة في المؤسسات السياسية، لا سيما على مستوى عمل البرلمان، سواء في ما يتعلق بوظائفه الأساسية التشريعية والرقابية والدبلوماسية، أو على مستوى التكلفة المالية التي يتم هدرها بدون موجب حق"، وفق قوله. ويلفت في حديث مع"العربي الجديد" إلى أنه يوجد "الكثير من المشاريع والمقترحات القانونية التي تحتاج إلى النقاش والاعتماد والمصادقة عليها، وهي تهم قطاعات حيوية في تدبير السياسات العمومية، ومرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين". 


ويعتبر الزياني أنه في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، سيحدث إشكال وخلل في عمل البرلمان. وبالنسبة إليه، فإن "البرلمان سيكون في صراع مع الوقت من أجل المصادقة على مجموعة من مشاريع ومقترحات القوانين التي لن تنال حظها الوافر من المناقشة الجادة والتعديل، وسيكون عمل البرلمان محكوماً بهاجس إخراجها إلى حيز الوجود من دون أن تكون محل دراسة وتمحيص وتدقيق". كما ينبه من تأثر مضامين القوانين بفعل عامل السرعة، لا سيما أن البرلمان أمام تحدي مناقشة واعتماد مشروع قانون الموازنة لسنة 2017. كذلك يلفت إلى أن التأخر في تشكيل الحكومة أنتج أيضاً "عطالة برلمانية مؤدى عنها"، مبيناً أن "البرلمانيين الذين تم انتخابهم يتقاضون أجورهم من دون القيام بأي عمل، خصوصاً بعد افتتاح البرلمان من طرف الملك، بالإضافة إلى نفقات التسيير والتدبير وأجور الموظفين".
ووفقاً للزياني فإن هذا الوضع يثير استياء الرأي العام الوطني، ويزيد من الصورة النمطية السلبية حول المؤسسة البرلمانية والبرلمانيين على حد سواء، ولا سيما أن المعضلة مرتبطة إلى حد كبير بما تثيره تعويضات البرلمانيين وتقاعدهم ومعاشاتهم من نقاشات وردود أفعال سلبية لدى فئات عريضة من المجتمع.

ويرى الزياني أن استمرار المأزق بشأن ولادة الحكومة يزيد من متاعب المؤسسة البرلمانية، إذ إنه أمام هذا الوضع الاستثنائي يساهم طول أمد عطلة البرلمان في تعطيل إمكانيات تطوير وتفعيل العمل البرلماني بفعل هذه الفراغات القائمة، وفق تعبيره.

من جهته، يقول المحلل والأستاذ الجامعي، محمد نشطاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه على الرغم من عدم تشكيل الحكومة الجديدة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2016، إلا أن الأمور تبقى عادية، وتسيّر شؤون البلاد كما لو أن هناك حكومة بالفعل تقوم بعملها، وليست حكومة تصريف الأعمال. لكنه يستدرك بالتحذير من أنه "في حال استمرار الانحباس في تشكيل الحكومة، ومعه تأخر خروج قانون الموازنة أكثر من ثلاثة أشهر، فإن رئيس الحكومة المعين يحتاج إلى إصدار مرسوم حكومي يوفر "الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها على أساس ما هو مقترح بالميزانية المعروضة على الموافقة"، ما يفرض عملياً تجميد ميزانية الاستثمار وميزانية التجهيز. ويعتبر أن "هذه الانعكاسات الناتجة عن التأخر في المصادقة على القانون المالي ستجعل معدل النمو سلبياً، مما سيؤدي حتماً إلى غياب إمكانية التوظيف وعدم القدرة على إنجاز مشاريع الاستثمارات العمومية، كخدمات أساسية يجب أن توفرها الدولة للمواطنين، علماً بأن للدولة أعباء أخرى مجبرة على تنفيذها، تتعلق بالديون الخارجية والديون العمومية الوطنية". ويرى أن التقاعس في كل هذه المسائل "سيضع البلاد أمام حالة اقتصادية مزرية قد تهز المكانة الائتمانية للمغرب أمام المؤسسات المالية الدولية"، وفق تعبيره.

ووفقاً لنشطاوي فإنه في ظل غياب أرقام دقيقة ومحددة عن حجم الخسائر التي تكبدها المغرب جراء التأخر في تشكيل الحكومة، يعيش الفاعلون الاقتصاديون في وضعية "انتظارية" بسبب غياب معطيات واضحة حول مضامين قانون الموازنة للسنة المقبلة. ويشير إلى أن ذلك يساهم بحالة ركود، وبالحد من خلق فرص عمل جديدة ومن الاستثمارات أيضاً، لأن التعطيل الحكومي والبرلماني لا يطمئن المستثمرين حول الوضعية المالية المستقبلية وتوجهات الحكومة في مجالات الاستثمار، بحسب وصفه.