أصداء استقبال الأسد في سوتشي: محاولةٌ روسية لإحياء العملية السياسية؟

18 مايو 2018
التقى بوتين الاسد أربع مرات منذ سبتمبر 2015(Getty)
+ الخط -

لم تمرّ أيام على عقد الجولة التاسعة من محادثات أستانة حول سورية، وسط مقاطعةٍ أميركية، حتى استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حليفه السوري بشار الأسد، في منتجع سوتشي، جنوب روسيا، أمس الخميس، ليؤكد خلال اللقاء على "خلق ظروف إضافية لاستئناف العملية السياسية المتكاملة"، وسحب القوات الأجنبية من سورية، دون أن يكشف موعد ذلك، وحول ما إذا كانت ستشمل كافة القوات الروسية.

ويُرجِع الخبيرُ في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف، تصريحات بوتين بشأن استئناف العملية السياسية، إلى سعي موسكو لتجنب تجدد أعمال القتال، تفادياً لموجةٍ جديدة من التصعيد في العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

ويقول سيميونوف لـ"العربي الجديد": "يبدو أن موسكو ستُعارض في الفترة المقبلة أي أعمال عسكرية في إدلب، ويمكن الاعتبار أن الأسد فقد السيطرة على هذه المنطقة بشكل مؤقت. لا تريد موسكو تجدد أعمال القتال في درعا أيضاً، لأنها قد تؤدي إلى موجة جديدة من التصعيد في العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل. لذلك اقترح بوتين التركيز على العملية السياسية".

ومجيباً عن سؤال حول ما إذا كانت روسيا تسعى لإعادة إحياء مفاوضات جنيف، أم خلق إطارٍ بديل، يرى الخبير الروسي أن "موسكو تبحث عن إقامة ساحة بديلة للمفاوضات. بعد انقضاء إمكانيات أستانة، بصفتها منصة عسكرية، يبحث الجانب الروسي لتوحيدها مع سوتشي، وفعلياً خلق إطار سياسي جديد للمفاوضات بديل عن جنيف التي لا تناسب الأسد، لمنحها صفات متكافئة للنظام والمعارضة".

ولما كان مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عقد في سوتشي في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أسفر عن تشكيل لجنة لإصلاح الدستور السوري بدلاً من كتابة دستور جديد، أثار ذلك مخاوف من تجاهل مصالح مختلف الأطياف السورية، لا سيما تلك الغائبة عن المؤتمر، مثل "الهيئة العليات للمفاوضات" والأكراد، ولعل هذا ما دفع ببوتين للترحيب خلال لقائه الأسد بقراره إرسال وفدٍ إلى الأمم المتحدة لتشكيل لجنة دستورية برعاية أممية.  

ومع ذلك، ذكرت وكالة "نوفوستي" أن عملية صياغة الدستور قد تدوم طويلاً، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن قرار الأسد في حدّ ذاته سيكون خطوة نحو التسوية السياسية.

ونقلت الوكالة عن كبير الباحثين في "مركز الدراسات العربية والإسلامية" بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، بوريس دولغوف، قوله إن "هذه نقطة هامة، ولكنه يجب القول إن عمل لجنة الدستور هو عملية طويلة، إذ يجب اقتراح دستور جديد، أو تعديلات للدستور الحالي وطرحها للاستفتاء".

وأوضح دولغوف أن "كيفية تنظيم ذلك تعدّ مسألة صعبة، ولكن قيام القيادة السورية بإيفاد ممثليها للعمل باللجنة، فهي بالطبع خطوة إيجابية تهدف إلى الدفع بالتسوية السياسية للنزاع السوري".  


من جهتها، تطرقت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، في عددها الصادر اليوم الجمعة، إلى المقاطعة الأميركية لمحادثات أستانة، مرجعة موقف واشنطن إلى اعتقادها بأن إطار أستانة هو "محاولة لإبعاد الأنظار عن مشكلات أكبر".

ونقلت الصحيفة عن مصدر في وزارة الخارجية الأميركية قوله: "نرحب بأي عملية حقيقية لخفض التصعيد في سورية تتركز على القضاء على داعش وغيره من الإرهابيين، وتساعد في خلق الظروف للانتقال السياسي".

وحول أسباب مقاطعة جولة أستانة، أضاف المصدر: "شاهدنا بما يكفي كيف تتصرف روسيا وإيران، ونعتبر أنهما لا تسهمان بأي شكل من الأشكال في وقف العنف المستمر. نتفق مع المجتمع الدولي، بما فيه روسيا، على أن جنيف هي المسار الوحيد إلى الأمام من شأنه التوصل إلى التسوية السلمية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. نركز على جنيف، والتقدم الكبير جراء هذه المفاوضات. أما جميع القنوات الأخرى، فهي مجرد محاولات لإبعاد الأنظار".

وكانت عاصمة جمهورية كازاخستان أستانة، قد شهدت، يوم الاثنين الماضي، جولة جديدة من المحادثات حول سورية برعاية موسكو وأنقرة وطهران، أسفرت عن إصدار بيان مشترك أكد على عقد مشاورات منتظمة مع المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، لإطلاق عمل اللجنة الدستورية. 

يذكر أن بوتين التقى الأسد أربع مرات منذ بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية في 30 سبتمبر/أيلول 2015، إذ عقد اللقاء الأول في موسكو بعيد بدء العملية العسكرية الروسية مباشرة، والثاني في سوتشي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والمرة الثالثة خلال زيارة بوتين إلى قاعدة حميميم في نهاية عام 2017، وصولاً إلى اللقاء الأخير الذي عقد في سوتشي هذا الأسبوع، بعد أشهر من استضافتها مؤتمر الحوار الوطني السوري.