وأبلغ مسؤول عراقي مقرّب من رئيس الوزراء حيدر العبادي، "العربي الجديد"، بأن "بغداد وأنقرة اتفقتا على جملة من الأمور المهمة لتصفير المشاكل في ما بينهما، من ضمنها ملف الدعم الذي يتسلل لحزب العمال من السليمانية". وبيّن أن "العبادي غلّب المصلحة العراقية ووافق على تصفية ورقة حزب العمال الكردستاني مقابل تنظيم علاقة مائية ثابتة لا تضرّ العراق فيما يتعلق بحصة العراقيين من دجلة والفرات. وكذلك حسم الوجود العسكري وملفات اقتصادية أخرى تتعلق بالنفط العراقي المتدفق عبر ميناء جيهان التركي وفتح منفذ حدودي آخر بين البلدين، وتشجيع أنقرة لشركات القطاع الخاص لديها على الاستثمار في العراق".
وأكد المسؤول نفسه أن "ذلك يشمل تشديد الرقابة على شركات التحويل المالي في السليمانية والسعي لوقف عمليات تمويل الحزب بالمال من جهات داخل السليمانية تحديداً". ولفت إلى أن "لجنة عراقية تابعة للحكومة الاتحادية ستباشر قريباً مهمة متابعة عمل شركات التحويل المالي في مدينة السليمانية، ومطالبتها بقاعدة بيانات عن عمليات التسليم والاستلام للأموال سواء من داخل العراق أو خارجه".
وكان رئيس الوزراء التركي السابق، بن علي يلدريم، هاجم في مارس/آذار الماضي السليمانية، واتهمها بدعم الإرهابيين من حزب العمال الكردستاني، مؤكداً في معرض تعليقه على استئناف الرحلات الجوية إلى مطارات كردستان بأنه "تم استثناء مطار السليمانية من قرار رفع الحظر عن مطارات الإقليم بسبب مساعدة السليمانية الإرهابيين المعادين لتركيا"، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني.
وكانت إحدى الشعارات التي رفعها متظاهرون في السليمانية وبلدة رانية في إقليم كردستان العراق نهاية العام الماضي هي "أشبعوا من في البيوت قبل أصدقائكم في الجبال"، في إشارة إلى مسلحي العمال الكردستاني الموجودين في مرتفعات قنديل ومناطق جبلية أخرى بالسليمانية وضواحيها، مثل قلعة دزه ودوكان وبنجوي.
انتشار العشرات من مكاتب التحويل المالي في المدينة وتعاملها مع شركات مالية في أوروبا وتورط أجنحة وعائلات كردية ورجال أعمال في المدينة بدعم الحزب تحت عناوين مختلفة، أسهم في اكتساب المدينة التي يرزح أكثر من ثلث سكانها تحت خط الفقر هذه الصفة.
ويكشف مسؤولون أكراد في أربيل ودهوك عن تعاظم دور المدينة أخيراً في تمويل حزب العمال الكردستاني، إذ تستقبل شركات التحويل المالي تبرعات للحزب من دول أوروبية، أبرزها ألمانيا وفرنسا بالعادة، من ناشطين أكراد هناك، ينفذون حملات تبرع لصالح الحزب وتقوم بدورها بتحويلها للحزب.
بدوره، كشف مسؤول كردي رفيع في أربيل عن "وجود ما لا يقل عن 12 مكتباً وشركة تحويل مالي، تتعامل مع المسؤول المالي للحزب في السليمانية مراد هيماني"، لافتاً إلى أن "شركات الصرافة تلك معظمها غير مرخص من البنك المركزي العراقي في بغداد ولا من قبل السلطات الرقابية في أربيل، غير أنها لا تعد مصدر التمويل الأول، لكن هناك أجنحة داخل حزب الاتحاد الكردستاني وزعامات سياسية ورجال أعمال داخل السليمانية، متورطة في تمويل الحزب". وأضاف أن "أحد رجال الأعمال الأكراد، الذي انخرط أخيراً بالسياسة، أهدى لقيادات في الحزب سيارات جيب رباعية الدفع، مع الهجوم التركي لطرد المسلحين الأكراد في عفرين".
ولا يحظى أعضاء الحزب وقياداتهم بدعم أو ترحيب كبيرين بالشارع الكردي في السليمانية، الذي يميل معظمه إلى الإسلام الصوفي، ويعتبر حزب العمال "جماعة ملحدة" بسبب خلفيات الحزب الفكرية كالماركسية والماوية والليبرالية، كما ذكر الشيخ آزاد بيارة، وهو عضو سابق في حزب الاتحاد الكردستاني. وأكد لـ"العربي الجديد" أن "السكان لا يرحبون بهم ويعتبرونهم مصدر خطر واستنزاف لخيرات المدينة، وأعتقد أن استمرار دعم الطالبانيين (حزب الاتحاد الوطني الكردستاني) وشخصيات سياسية أخرى لهم، مع تحسن العلاقات الإيرانية التركية، يحتاج مراجعة وأن شعب السليمانية أولى بالدعم وجمع التبرعات".
وأشار بيارة إلى أن "المدينة تواجه عقوبات تركية غير معلنة إزاء موقف ساستها ومن يتحكم في إدارتها اليوم وتجربة الحصار الذي فُرض على الإقليم، بعد إجراء الاستفتاء، خير دليل على خطأ استعداء الأتراك من أجل حزب العمال الكردستاني الذي يتشارك الأكراد مع بعض أطروحاته، ومن أبرزها رفض اتفاقية سايكس بيكو وما سببته من معاناة للأكراد بتقسيمهم بين أربع دول".
ويحصل حزب العمال الكردستاني على تمويل مالي منتظم من شبكة ممولين مؤيدين له، يقيمون في دول مختلفة، أبرزها في أوروبا. والتمويل نوعان، طوعي على شكل تبرعات يقدمها مؤيدو الحزب بالخارج، كل بحسب قدراته المالية، وقسري، إذ يفرض عناصر تابعون للحزب أتاوات مالية بين الأكراد في كردستان العراق ومناطق داخل تركيا أو من خلال تجارة المخدرات، حيث يمتلك الحزب أراضي في قنديل وأراضي عراقية حدودية مع إيران وتركيا لزراعة الحشيش تنتج مقداراً لا بأس به ويتم بيعه لشبكات مختصة غالبيتها تركية وإيرانية".
وبسبب وجود معاقل الحزب على الحدود بين العراق وإيران، وبين العراق وتركيا، تقوم عناصره بتحصيل مبالغ مالية من الحركة غير الشرعية عبر الحدود بالنسبة للأشخاص والبضائع. وهذه الحركة تنشط بشكل لافتٍ بين العراق وإيران. وبسبب الفساد المستشري داخل أفراد حرس الحدود الإيراني نشطت أخيراً الحركة، إذ يتقاضى ضباط فاسدون بحرس الحدود الإيراني مبالغ مالية للتغاضي عن عمليات التهريب تلك.