الجيش الجزائري يتعهد بعدم الانقلاب... والمعارضة تخشى سيسي جديداً

28 مارس 2019
يُتوقع أن يرد الحراك على خطوة الجيش (العربي الجديد)
+ الخط -
حاول رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، أمس الأربعاء، احتواء الانتقادات الحادة التي تعرض لها بعد دعوته أول من أمس إلى تطبيق المادة 102 من الدستور لإقرار شغور منصب الرئيس، بتشديده على أن "الجيش لم ولن يحيد أبداً عن مهامه الدستورية"، وهو ما فسر بأنه تعهد بعدم تنفيذ انقلاب في الجزائر. لكن هذه "التطمينات" لم تكن كافية بالنسبة للمعارضة وكوادر الحراك التي تتوجس من بروز "سيسي" جديد في الجزائر يريد الاستفادة من طي حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لصالحه، لا سيما مع تزايد الانشقاقات في معسكر الرئيس. ووسط هذه المخاوف، تُجري قوى المعارضة السياسية مشاورات بشأن عقد اجتماع يوم السبت المقبل لتوحيد الموقف إزاء مقترح الجيش. كما يتوقع أن يرد الحراك الشعبي ميدانياً على خطوة الجيش، في مسيرات الجمعة السادسة، إذ دعا النشطاء إلى استمرار المسيرات الشعبية غداً الجمعة، ورفع شعارات ترفض إدارة رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي للمرحلة الانتقالية أو الإشراف على الانتخابات الرئاسية التي يقرها تطبيق المادة 102 من الدستور.

تطمينات قايد صالح

ووجه قايد صالح، أمس الأربعاء، تطمينات إلى قوى المعارضة السياسية، متعهداً بالتزام الجيش مهامه وصلاحياته التي يمنحها له الدستور. وقال، في ثاني خطاب له خلال أقل من 24 ساعة، إن "الجيش لم يحد أبداً ولن يحيد عن مهامه الدستورية"، مشيراً إلى أن "الجزائر تعيش في وضع إقليمي متوتر وغير مستقر، يشهد تفاقماً كبيراً لكافة أنواع الآفات، بما فيها الإرهاب والجريمة المنظمة بكافة أشكالها، والتي تمثل تحديات كبرى وجب علينا في الجيش التصدي لها بكل حزم وصرامة". ورد قايد صالح، خلال اجتماع موسع مع القيادات العسكرية في منطقة ورقلة جنوبي الجزائر أمس الأربعاء، على انتقادات حادة وجهتها له قوى وشخصيات سياسية ومدنية معارضة، حول دعوته إلى تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تقر بحالة شغور منصب رئيس الجمهورية، واعتبرت ذلك تدخلاً من الجيش في الشؤون السياسية وحياداً عن مهامه الدستورية بشكل غير مباشر. ودافع رئيس الأركان عن تغير موقف الجيش من الحراك ومطالبه، بعد مواقف أولى وصف فيها المشاركين في الحراك الشعبي بالمغرر بهم، قبل أن يراجع موقفه في وقت لاحق، ويعلن دعم الحراك. وأكد أن "الجيش يعرف في الوقت المناسب كيف يغلّب مصلحة الوطن على كافة المصالح الأخرى". وجدد التزام المؤسسة العسكرية "ببعث الطمأنينة وراحة البال في قلوب أبناء الشعب الجزائري. هو واجب وطني نمنحه في الجيش أهمية قصوى ونعمل جاهدين وبمثابرة شديدة على أن نكون دوماً في مستوى هذا الواجب الوطني" على حد تعبيره.

في المقابل، أعلن حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يترأسه بوتفليقة، والاتحاد العام للعمال الجزائريين دعم خطوة الجيش، فيما دعا "التجمع الوطني الديمقراطي"، حزب رئيس الحكومة المستقيل أحمد أويحيى، بوتفليقة، إلى تقديم استقالته من منصبه، والإسراع في تشكيل حكومة جديدة. وبخلاف مواقف أحزاب الموالاة التي تؤيد خطوة الجيش حتى وإن كانت تعني خلع بوتفليقة، فإن تصريحات قوى المعارضة تتقاطع عند مخاوف من أن تؤدي خطة الجيش إلى قطع الطريق على الحراك الشعبي ومنعه من تحقيق أهدافه القصوى بترحيل النظام ورموزه وتشكيل حكومة انتقالية تضم شخصيات مستقلة، وهيئة رئاسية تتولى إدارة المرحلة الانتقالية. 

وأجمعت مجمل المواقف الصادرة عن المعارضة وكوادر الحراك عند اعتبار أن مقترح الجيش يصب في صالح النظام، ومناورة سياسية لإنقاذ السلطة من المأزق السياسي الذي انتهت إليه بفعل إصرارها على ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات التي كانت مقررة في 18 إبريل/نيسان المقبل قبل التراجع عن الخطوة. وتضع شخصيات وكوادر فاعلة في الحراك الشعبي المستمر منذ 22 فبراير/شباط الماضي، تصريحات قايد صالح ضمن محاولة متأخرة للركوب على موجة الحراك، والاستئثار بقرار إنهاء حكم بوتفليقة، بينما هو قرار حتمي سيصل إليه بوتفليقة تحت ضغط الشارع. وقال الناشط في الحراك عبد الوكيل بلام، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تصريحات قائد الجيش نوع من البطولة الثورية المتأخرة. كان يمكن لقرار الفريق قايد صالح تطبيق المادة 102 من الدستور أن يكون ذا معنى لو تم قبل العاشر من فبراير الماضي، أي قبل الإعلان عن ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وخصوصاً أن قائد الجيش كان يعلم أكثر من كل الجزائريين ومن كل المسؤولين في الدولة أن الرئيس كان مغيباً عن الحكم وأن شقيقه (السعيد بوتفليقة) ومحيطه كان يتخذ قرارات باسمه. لكن الآن لم يعد للقرار معنى". وأضاف أن "قائد الجيش جزء من الكتلة التي كانت تدعم بوتفليقة للترشح، ولم يعترض على ذلك في حينه، لذلك من حق الحراك والناشطين أن يتوجسوا من أن يكون للرجل مطامح في الحكم". وتابع "سمعنا وقرأنا تقارير تتحدث عن رغبة قائد الجيش بتبوؤ منصب الرئاسة في حال لم يكن ممكناً ترشيح بوتفليقة، ولذلك نحن متحفزون من إمكانية أن ينزع قائد الجيش البزة العسكرية ويتحول على طريقة (الرئيس عبد الفتاح) السيسي في مصر إلى سيسي في الجزائر".



من جهته، ذهب الناشط الحقوقي في الحراك الشعبي، مصطفى بوشاشي، في الاتجاه نفسه. واعتبر أن "تطبيق المادة 102 من الدستور يتضمن مخاطر التفاف على مطالب الشعب، ولا يحقق التغيير الذي طالب به الملايين في الشوارع والساحات". وقال بوشاشي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المادة 102 من الدستور كحل للأزمة، تجاوزه الزمن لأن عهدة الرئيس الحالي تنتهي خلال شهر. اقتراح قائد الجيش بلا معنى، وجاء متأخراً، لأنه كان يجب على قائد الجيش أن يعلن عن هكذا موقف منذ ست سنوات غاب عنها بوتفليقة عن الحكم". وشدد بوشاشي على أن "الحراك الشعبي كان واضحاً في مطالبته برحيل النظام ورموزه، وإقرار مرحلة انتقالية تديرها حكومة وحدة وطنية تضم كفاءات مستقلة، ولم يسبق لها أن تورطت مع النظام، لتشرف على الانتخابات المقبلة، بينما تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تُقر بشغور الرئاسة، يعني أن المرحلة تدار برئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة الحالي نور الدين بدوي، وهما مرفوضان من الشعب، بالإضافة إلى رئيس المجلس الدستوري الذي وجد لخدمة بوتفليقة".

كما دعم هذا الموقف الناشط الحقوقي البارز، مقران آيت العربي، الذي وصف طلب الجيش تطبيق المادة 102 من الدستور بأنه "بلا أي معنى في الوقت الحالي"، معتبراً أن "الأزمة لا تتعلق بتغيير الأشخاص بقدر ما تتعلق برحيل النظام، وهذه المحاولة الجديدة من السلطة ترمي إلى بقاء النظام بطريقة أو بأخرى". وأشار إلى أن "تطبيق المادة 102 اليوم، بعد عدة محاولات فاشلة للسلطة للبقاء في السلطة رغماً عن إرادة الشعب، تعني عدم الاستجابة للمطالب الشعبية المتمثلة في زوال النظام الفاسد، وتعني إسناد مهام رئيس الدولة لرئيس مجلس الأمة، وبقاء حكومة بدوي و(وزير الخارجية رمطان) لعمامرة، وتنظيم الانتخابات الرئاسية وفقاً لهذه المادة من طرف نفس السلطة، وما سينجم عن ذلك من تزوير لبقاء النظام".

كذلك اعتبر رئيس حزب "طلائع الحريات" المعارض علي بن فليس، في مقابلة مع قناة "الجزيرة" أن تفعيل المادة 102 لا يمكن أن يشكل وحده القاعدة لحل الأزمة، وأن تفعيل هذه المادة يتطلب ملاءمة تضمن احترام معايير الشفافية والنزاهة التي يطالب بها الشعب. وأشار إلى أنه يمكن تعيين شخصية توافقية لإدارة مرحلة انتقالية قصيرة.

بدوره، وجه حزب "العمال" اليساري انتقادات حادة لخطاب قايد صالح الذي دعا فيه إلى تطبيق المادة 102 من الدستور، معتبراً أنه خطاب "موجه ضد إرادة الأغلبية المطلقة للشعب في طرد النظام المرتشي، وتدخل خطير للمؤسسة العسكرية في السياسة". كما وجه الناشط السياسي المعارض ومنسق الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي (قيد التأسيس) كريم طابو نفس الاتهامات إلى قائد الجيش ووصف قراره "بالمناورة السياسية لكسر الحراك". وقال إن "هدف قايد صالح هو الإبقاء على نفس النظام، وتنظيم انتخابات تأتي بأحد رموز النظام، وهذا تدخل من المؤسسة العسكرية في الشؤون السياسية. والفريق قايد صالح ليس له الحق، احتراماً للدستور، في التكلم والتدخل بالأمور السياسية، كما أنه ليس له صلاحية لتفعيل مادة من مواد الدستور".

كذلك، شجبت جبهة القوى الاشتراكية، أقدم أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر، تصريحات قائد الجيش، وعدتها "تجاوزاً لصلاحياته الدستورية ودليلاً على عدم انسحاب الجيش من العملية السياسية". واتهم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، العضو في تكتل المعارضة، قايد صالح "بمحاولة الانقلاب على إرادة الشعب"، معتبراً أن "قائد الجيش جزء من الأزمة ولا يمكنه أن يأتي بالحلول، وهو يحاول إنقاذ بوتفليقة ثم إنقاذ النظام".

وتشير بعض التحليلات إلى أن خطوة الجيش كانت تستهدف قطع الطريق على إمكانية عودة الرئيس السابق ليامين زروال أو رئيس حكومة الإصلاحات في تسعينيات القرن الماضي مولود حمروش إلى سدة الحكم ظرفياً، بما يعني ذلك من خلخلة جدية للنظام السياسي الحاكم، وخصوصاً أن تحرك الجيش باتجاه الحل تزامن مع إعلان قوى المعارضة والحراك عن خطتها للحل.