تشظّي الفصائل السورية المسلحة: طيف اقتتال أهلي متنقّل

01 فبراير 2017
تحذيرات من استمرار التوتر والاحتقان بصفوف فصائل المعارضة(حسين ناصر/الأناضول)
+ الخط -
أفرزت التطورات الأخيرة في شمال غربي سورية واقعاً ميدانياً جديداً إثر تأسيس تنظيم ضم عدة فصائل تحت اسم "هيئة تحرير الشام"، وتلعب فيه "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً) دوراً محورياً. لكن الفصائل المعارضة السورية المسلحة التي لم تنضم إلى هذا التنظيم الجديد، أعلنت عدم نيتها تشكيل كيان موحد مقابل، في ظل محاولة للتهدئة تجنباً لصدام يرفضه الشارع السوري المعارض، الذي بدأ يظهر تململاً من عدم اجتماع الكلمة في ظل أخطار كثيرة محدقة، ومهددة لمستقبل الثورة السورية.

وهدأت وتيرة الاشتباكات في محافظة إدلب وريف حلب الغربي بين "هيئة تحرير الشام" التي تشكّلت يوم السبت الماضي، من خلال اندماج عدة فصائل، في مقدمتها "جبهة فتح الشام"، وبين فصائل أخرى بعد أيام من اقتتال أدى إلى توتر واحتقان كبيرين، كاد أن يتحول إلى احتراب داخلي بين مختلف فصائل المعارضة في شمال غربي سورية. وذكرت مصادر في فصيل "صقور الشام" أن إطلاق النار توقف مساء الأحد الماضي في منطقة جبل الزاوية، على أن تبدأ "تحرير الشام" الانسحاب من مواقع سيطرت عليها داخل المنطقة، وإطلاق سراح "أسرى" لديها من مقاتلي الفصيل وحركة "أحرار الشام". لكن هذه الحركة أكدت أن قوات تابعة لـ"هيئة تحرير الشام" اقتحمت منتصف ليل الأحد محكمة "دارة عزة" في ريف حلب الغربي وحواجز قريبة منها. وذكر القيادي في "أحرار الشام"، الفاروق أحرار، أن ما أسماه بـ"البغي" مستمر، ولم يتوقف، في إشارة إلى تعدي "تحرير الشام" على مقرات وهيئات تابعة للحركة.

وكان قد تم الإعلان مساء السبت عن ولادة "هيئة تحرير الشام" باندماج عدة فصائل، أبرزها: "جبهة فتح الشام"، و"حركة نور الدين زنكي"، و"لواء الحق"، و"جبهة أنصار الدين". وجاء في بيان صادر عن "الهيئة" أن "المؤامرات التي تعصف بالثورة السورية، والاحتراب الداخلي الذي يهدد وجودها"، هو من دفعها إلى ذلك، موضحة أنها تحرص على "جمع الكلمة ورص الصف". ودعت الهيئة "جميع الفصائل العاملة في الساحة" إلى ما أسمته بـ"إتمام هذا العقد، والالتحاق بهذا الكيان جمعاً للكلمة، وحفظاً على مكتسبات الثورة، والجهاد"، وفق البيان. وجاء هذا الكيان الجديد إثر اشتباكات بين "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً)، وفصائل أخرى في محافظة إدلب وريف حلب الغربي، بالتزامن مع الحراك السياسي الهادف إلى إعادة الروح للعملية السياسية المتوقفة منذ أبريل/نيسان الماضي. واتُهمت جبهة "فتح الشام" بمحاولة "ابتلاع" فصائل المعارضة غير القادرة على الصمود أمام الآلة العسكرية للجبهة المصنفة ضمن ما تُوصف بـ"التنظيمات الإرهابية" من قبل مجلس الأمن الدولي، وتتلقى ضربات بين فينة وأخرى من قبل طيران "التحالف الدولي"، والطيران الروسي، أدت إلى مقتل عدد من قادتها ومقاتليها.

وتناقلت وسائل إعلام تابعة للمعارضة، يوم الأحد الماضي، أنباء عن نيّة فصائل كبرى تشكيل كيان جديد يحمل اسم "جبهة تحرير سورية" تضم حركة "أحرار الشام"، و"فيلق الشام"، و"جيش العزة" الفاعل خاصةً في ريف حماة الشمالي. لكن النقيب الناطق باسم "جيش العزة"، مصطفى معراتي، نفى في حديث مع "العربي الجديد" هذه الأنباء، معتبراً إياها "مجرد أكاذيب". وأكد أن لدى جيش العزة "اتجاهاً واحداً وهو النظام السوري، وإسقاط طاغيته (بشار الأسد)، والمليشيات الطائفية". وأكد أن كل شيء عدا ذلك "مضيعة للوقت، وتأخير في سقوط الطاغية"، وفق معراتي.


وتبدي أطراف سورية معارضة مخاوف من محاولات "هيئة تحرير الشام" انتزاع السيطرة على أهم المعابر الحدودية مع تركيا، وهو معبر "باب الهوى" شمال غربي البلاد، والذي تسيطر عليه حركة "أحرار الشام". وترى هذه الأطراف التي تحاول ردم هوّة الخلاف مع الكيان الجديد، وفضّلت عدم كشف اسمها، أن أي مسعى من الهيئة للاقتراب من المعبر يشكل "تأكيداً على نيتها ابتلاع الجميع، ومن ثم نسف أي مساع تحول دون الانزلاق لمواجهة شاملة تأكل الأخضر واليابس، وتدفع نحوها بكل السبل جهات لا تريد خيراً للثورة السورية"، وفق حديث الأطراف المعارضة.

وكشف قائد "حركة أحرار الشام"، علي العمر، في فيديو بُثّ يوم الأحد، عن أنه رفض الانضمام إلى "هيئة تحرير الشام"، كونها جاءت تحت "أزيز الرصاص، وهدير الأرتال"، مشيراً إلى أن "مناقشة هذا الأمر الهام يجب أن تكون في جو صحي، تُراعى فيه كافة الاعتبارات". وأضاف أن "المطلوب وحدة تصمد". ودعا "هيئة تحرير الشام" إلى تشكيل "محاكم شرعية، للنظر في المظالم، وحل الخصومات"، معتبراً أن سرعة حل هذا الملف "يُسرع من وحدة الصف".

وأشار العمر إلى أن الثورة السورية تواجه ما أسماه بـ"المكر السياسي"، داعياً إلى التمسك بمبادئ الثورة "بعيداً عن المزايدات". وأكد أن "أحرار الشام" تعد "صمّام الأمان، وحاجز الحماية"، مشيراً إلى أن انضمام فصائل إليها "مدعاة لتحمل المسؤولية". وكانت عدة فصائل تابعة للمعارضة السورية المسلحة قد أعلنت الاندماج مع حركة "أحرار الشام" لقطع الطريق أمام "جبهة فتح الشام" التي كانت تريد استئصالها والسيطرة على مناطق نفوذها في ريف حلب الغربي وداخل محافظة إدلب التي باتت معقل المعارضة الأبرز.

وأفرزت التطورات الأخيرة وحالة الاستقطاب الحاد واقعاً ميدانياً جديداً في شمال غربي سورية، لن تتوقف تداعياته عند هذا الجانب. وهناك خشية باتت مشروعة من اختفاء "الجيش السوري الحر"، الحامل والحامي لمبادئ الثورة السورية، وطغيان تنظيمات مرفوضة من المجتمع الدولي، تحمل خطاباً متشدداً ويعيق ربما التوصل إلى تسوية سياسية للقضية السورية. لكن القيادي في حركة "نور الدين الزنكي" المنضمة إلى "هيئة تحرير الشام"، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، أكد لـ"العربي الجديد" أن الهيئة الجديدة "مشروع وطني سوري، داخل سورية، وبقيادة سورية، ولتحقيق أهداف الثورة السورية"، وفق قوله.

ولا تزال حركة "أحرار الشام" التي تشكّلت أواخر عام 2011، تحظى بقبول أكبر لدى الشارع السوري المعارض، كونها تتبنى خطاباً أكثر اعتدالاً وهو أقرب إلى خطاب الثورة. وكان لها الدور الأبرز في التصدي لقوات النظام والمليشيات الطائفية على عموم الجغرافيا السورية. وأكدت مصادر في الحركة، فضّلت عدم ذكر اسمها، أنها لن تلجأ إلى خطاب تصعيدي مع "هيئة تحرير الشام"، وأنها منفتحة على كل المحاولات الجارية لتقريب الرؤى وردم الفجوات. وأضافت أن الحركة مع أي مسعى تصالحي يقطع الطريق أمام من يحاول زرع الشقاق وتمهيد الطريق أمام نزاع لا يستفيد منه إلا نظام الأسد وحلفاؤه.

وخسرت "أحرار الشام" بعض فصائلها التي انضمت إلى "هيئة تحرير الشام"، وقسماً من "لواء التمكين" الذي كان يعد من أهم ألوية الحركة لجهة التدريب والتجهيز. وخسرت بعض قادتها، أبرزهم أبو هاشم الشيخ، الذي كان من أهم قياداتها، وقادها لمدة عام، من سبتمبر/أيلول 2014 إلى سبتمبر 2015، قبل إعلان استقالته منها. والآن يترأس الشيخ "هيئة تحرير الشام" متقدماً على قائد "جبهة فتح الشام"، أبو محمد الجولاني. كذلك، خسرت "أحرار الشام" الناطق العسكري السابق باسمها، أبو يوسف المهاجر، والقائد العسكري أبو صالح الطحان. وفي المقابل، كسبت حركة "أحرار الشام" بانضمام عدة فصائل إليها، أبرزها: "جيش المجاهدين" الفاعل في ريف حلب الغربي، والذي يملك أسلحة ثقيلة وكتيبة قناصات، وفق مصادر مطلعة، و"الجبهة الشامية" التي تضم عدداً كبيراً من المقاتلين، و"جيش الإسلام" (قطاع الشمال)، وفصائل أخرى. 

وبيّنت المصادر أن انضمام عدد من قادة "أحرار الشام" الذين يُوصفون بـ"التشدد" إلى "هيئة تحرير الشام"، أنقذها من "عبء ثقيل" لازمها منذ اغتيال قادة الصف الأول فيها منتصف عام 2014. وأشارت إلى أن الطرفين (الحركة والهيئة) سيتجنبان أية مواجهة، لأنهما يدركان أن الشارع السوري المعارض يرفض بالمطلق أي صدام، والانزلاق إليه سيفقد الطرفين الحاضنة الشعبية التي بدأت تظهر تململاً من عدم وحدة الصف على كلمة في مواجهة أخطار تهدد مستقبل البلاد.

المساهمون