حصل "العربي الجديد" على تفاصيل جديدة عن المقترح الإثيوبي الذي تمّ رفضه مبدئياً من قبل مصر والسودان، والقاضي بتوقيع اتفاق جزئي حول عملية الملء الأول لسد النهضة، وإرجاء إبرام اتفاق شامل على قواعد الملء والتشغيل إلى أجل غير مسمى. وقال مصدر إثيوبي تابع لحزب "جبهة تحرير تجراي"، المنافس الأبرز لحزب رئيس الوزراء أبي أحمد في الانتخابات المقبلة، إنّ بلاده تروج للمقترح من منطلق أنّ سنوات الرخاء الحالية التي يزيد فيها فيضان النيل عن المعدلات التي كانت سائدة في العقد الماضي، تتطلّب اغتنام الفرصة للملء الفوري، حتى لا تتضرر مصر أو السودان من أي إجراءات قد تتخذ على مجرى النيل الأزرق.
وأضاف المصدر، لـ"العربي الجديد"، أنّ المقترح الإثيوبي قائم على أن يتم إنجاز الملء الأول الكامل للخزان خلال عامين، وفقاً لتوقعات خبراء المياه والسدود، إذ تم إعداد مصفوفة حسابية تدّعي عدم تضرر أي من دولتي المصب من جراء عملية الملء حتى اكتمال تخزين كمية 18.4 مليار متر مكعب، منها 4.9 مليارات متر مكعب في الفترة من يوليو/تموز وحتى فبراير/شباط المقبلين كمرحلة أولى، ثم يتم ملء الكمية الباقية على ثلاث مراحل أخرى، أحدها طويلة تمتد من يوليو/تمور 2021 وحتى فبراير/شباط 2022، وقبلها مرحلة قصيرة وبعدها مرحلة قصيرة أخرى. وفي تلك الفترة يتم تشغيل السد تدريجياً لإنتاج الكهرباء.
وتنتهي المراحل الأربع لتشغيل السد بأقصى طاقة استيعابية لتوليد الكهرباء في صيف 2022، مع الحفاظ على حد أدنى لإبقاء السدّ ممتلئاً وقيد التشغيل، ويتم فتحه في الوقت ذاته لتمرير الكميات الفائضة بالتزامن مع فيضان النيل. وتزعم إثيوبيا أنها بذلك ستكون قد انتهت من العملية من دون أن تلحق ضرراً بالمصريين. أما السودان، فهو من وجهة النظر الفنية المحلية، وكذا يُنظر له في أديس أبابا، الطرف الأكثر استفادة من هذه العملية، بل وإنه سيتمكن خلال تلك الفترة من إجراء عملية صيانة واسعة لسدوده الصغيرة، وبصفة خاصة "سد مروي" لرفع كفاءته وتحسين قدرته على توليد الكهرباء.
من جهتها، ترى مصادر فنية مصرية بوزارة الري أنّ هذه المحاولة الإثيوبية لطرح هذا المقترح المخالف تماماً لاتفاق المبادئ الموقع بين الأطراف الثلاثة؛ مصر والسودان وإثيوبيا، في مارس/آذار 2015، تهدف في المقام الأول إلى زعزعة التحالف المستجد بين مصر والسودان في المفاوضات، لأنّ تنفيذ عملية الملء الأول بهذه الطريقة لن تضر السودان نهائياً بل ستفيده، لكنها بالتأكيد ستضر مصر على أربعة أصعدة.
الضرر الأول يتمثّل في تقليل تدفق المياه بشكل عام، وتقليص حصة مصر من المياه إلى أدنى مستوى لها ربما في تاريخها، وهو ما يجعل مصر تتمسك بإجراء هذه العملية خلال فترة أطول، وبحسب اختلاف مستوى فيضان النيل من عام لعام، الأمر الذي ترفضه إثيوبيا تماماً منذ بداية التفاوض، باعتبار أن إطالة أمد هذه العملية سيؤثر بالسلب على مستقبل المشروع كاملاً، فضلاً عما سيسببه من إخلال بالتعاقدات المبرمة مع الشركاء الأجانب.
الضرر الثاني، يتمثّل في أنّ تقليص الحصة بقدر يفوق ما كانت تحتسبه مصر خلال المفاوضات على إجراء العملية في أقل أو أكثر من 7 أعوام، سيؤدي بالتأكيد إلى ضعف قدرة مصر في توليد الكهرباء من السدّ العالي، حيث ستنخفض كمية المياه في بحيرة ناصر عن 165 متراً. ولذلك، فإنّ مصر ترى الحل الوحيد هو إبقاء عملية الملء مرنة ومتراوحة بين حدود دنيا وقصوى، فضلاً عن ربط مؤشرات القياس بين سد النهضة والسد العالي، الأمر الذي ترفضه إثيوبيا أيضاً.
أما الضرر الثالث، فهو أنّ المقترح الإثيوبي سيؤدي إلى حرمان مصر من فوائض الحصص أو بواقي الفيضان بشكل شبه كامل خلال عامين، والتي على أهميتها، فإن كلا من إثيوبيا والسودان يبالغان في تقدير كميتها، ويعتبران أنّ مصر تستفيد منها بشكل كبير، وكان يقولان خلال المفاوضات إنّ مصر يصلها حالياً أكثر من 80 مليار متر مكعب، أي بأكثر من الحصة المنصوص عليها في اتفاقية 1959 مع السودان بواقع 30 ملياراً. ويجادل الطرفان في أن ملء بحيرة سد النهضة سيخفض الحصة المصرية الفعلية إلى رقم يتراوح بين 52 و55 مليار متر مكعب، شاملة بواقي الفيضان، مقابل ارتفاع نصيب الخرطوم إلى ما يتراوح بين 18 و20 مليار متر مكعب، بدلاً من 8 مليارات كان منصوصاً عليها في اتفاقية 1959.
وذكرت المصادر الفنية المصرية أنّ الضرر الرابع للملء الإثيوبي السريع يترتب على الضرر السابق، ويتمثل في خفض جودة المياه الواصلة إلى السدّ العالي بسبب حبس الطمي (تربة أو راسبات مفككة) أو استهلاكه بكميات أكبر خلف السدود السابقة، مما سيؤدي بالتبعية إلى تراجع خصوبة الأراضي الزراعية المصرية وربما الحاجة لاستهلاك كميات أكبر من الأسمدة في السنوات التالية.
يذكر أنه في تنسيق واضح مع المواقف المصرية، أعلن السودان، الثلاثاء الماضي، رفضه للمقترح الجزئي الإثيوبي، وشدّد على ضرورة العودة إلى مسار المفاوضات والبناء على ما توصلت إليه اجتماعات واشنطن التي قاطعت إثيوبيا جولتها الحاسمة في فبراير/شباط الماضي. وقال بيان لوزارة الري السودانية إنّ "حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ستضطلع بتحركات لاستئناف عملية التفاوض بمرجعية مسار واشنطن الذي قطع نحو 90 في المائة من نقاط الخلاف، وذلك قبل حلول الفيضان في يوليو/تموز المقبل".
وسبق وكشف الخطاب الذي أرسلته مصر إلى مجلس الأمن بداية مايو/أيار الحالي، أنها رفضت المقترح الإثيوبي بالكلية، نظراً لارتباط عملية الملء الأولى بعملية التشغيل والملء المتكرر، ارتباطاً لا يقبل التجزئة. وذكر وزير الخارجية المصري سامح شكري، في الخطاب، أنّ "إثيوبيا عرضت على مصر والسودان القبول بالخطة التي أعدتها للملء والتشغيل خلال أول عامين من الملء، لكن هذا لم يحدث حتى الآن. وفي كل الأحوال، فإنّ اتفاقاً جزئياً من هذا النوع مرفوض تماماً، ليس فقط لأنه يتجاهل تنظيم فترة الملء كاملة، ويتناقض مع القواعد التي سبق الاتفاق عليها، ولكن لأنه يتناقض كذلك مع اتفاق المبادئ الموقع في مارس/آذار 2015 والذي يؤكد عدم الملء قبل التوصل إلى اتفاق شامل".
وشهدت الأيام الأخيرة تصعيداً جديداً من قبل الجانب الإثيوبي، من خلال التأكيد على بدء الملء في يوليو/تموز، وارتفاع نسبة الإنجاز في المشروع إلى 73 في المائة، واكتمال 87 في المائة من إنشاءات جسم السد. علماً أنّ مصادر مصرية كانت تجادل في أنّ إثيوبيا قد لا تستطيع فنياً البدء في ملء الخزان في الموعد المأمول بسبب عدم جاهزية الجسم الخرساني للقطاع الأوسط من السدّ حتى الآن، والمفترض أن يتم الانتهاء منه قبل شهرين على الأقل من بدء الملء.
وتتمثل النقطة الخلافية الرئيسية حالياً بين إثيوبيا والصياغة الأميركية لاتفاق الملء والتشغيل الذي وقعت عليه مصر منفردة، في اقتراح ضمان تمرير 37 مليار متر مكعب من المياه لمصر في أوقات الملء والجفاف، كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا وهو 32 مليارا وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص في أوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث. وهذا الشرط يغضب الإثيوبيين، فمن وجهة نظرهم يتطلب تمرير 37 مليار متر مكعب في أوقات الجفاف الصرف المباشر من بحيرة سد النهضة، وعدم تمكنها من الحفاظ على منسوبها عند 595 متراً لتضمن بذلك التوليد المستديم وغير المنقطع من الكهرباء لمدة 7 سنوات على الأقل.