السطو على عقارات سلوان: توسع المشروع التهويدي في القدس

11 يناير 2017
نحو 100 عقار مهددة بالتهويد في سلوان(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -



فتحت سيطرة جمعيات استيطانية يهودية في أقل من شهر على عقارين ضخمين في سلوان، جنوب المسجد الأقصى، وعلى بُعد أقل من مائة متر هوائي منه، ملف هذه الجمعيات الاستيطانية المدعومة من الحكومة الإسرائيلية، التي عهدت إلى جمعية "العاد" الاستيطانية سلطة الإشراف على مساحة واسعة من محيط البلدة القديمة في القدس المحتلة في ما يُسمى إسرائيلياً "منطقة الحوض المقدس".
ففجر يوم الأحد الماضي، استولى مستوطنون بحماية قوات الاحتلال، على عقار ضخم في سلوان لم يكن سكانه بداخله، وهو مكوّن من طابقين مساحة كل منهما 80 متراً مربعاً، تعود ملكيته للمواطن المقدسي علي محمد أحمد سرحان المعروف باسم هاني سرحان، الذي سافر إلى الأردن قبل أيام برفقة زوجته، وتم إبلاغه بالأمر وسيتوجه إلى المحاكم الإسرائيلية فور عودته.
جمعية "العاد" الاستيطانية التي سيطرت نهاية العام الماضي على عقار آخر في سلوان، ادعت ملكية منزل سرحان، من خلال شرائه من قِبل أحد السماسرة المحليين قبل سنوات، إذ باعه هاني سرحان إلى شخص من الداخل الفلسطيني، لكن سرحان علم أن هذا الشخص ينوي تسريبه إلى جمعيات استيطانية، فتوجّه للقضاء وتمكّن من استرجاع المبنى قبل ثلاث سنوات من خلال المحاكم الإسرائيلية، بحسب ما نقل مركز معلومات "وادي حلوة" المختص بالشأن المقدسي عن العائلة.

سلوان الأكثر استهدافاً
تعتبر الجمعيات الاستيطانية بلدة سلوان، مركز المشروع الاستيطاني التهويدي في القدس المحتلة، لأسباب عقائدية ترتبط بمزاعم من التلمود بأنها "مدينة داود" التي تشتمل على آثار يهودية تُعد امتداداً للهيكل المزعوم، وفيها تقع عين سلوان الأثرية.

يؤكد القيادي في حركة "فتح"، عدنان غيث، وهو أحد سكان سلوان، أن عقارات البلدة هي الأكثر استهدافاً من قِبل جمعية "العاد" وكذلك جمعية "عطيرات كهانيم" الاستيطانية. ويوضح غيث في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما يزيد عن مائة عقار مهددة بالاستيلاء عليها في سلوان، إما استيلاء بالغصب، وإما بمساعدة سماسرة محليين وتورط أشخاص فاسدين، ومن ذوي النفوس المريضة في عمليات تسريب غير قانونية لهذه العقارات".
بدورها، تؤكد عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" سلوى هديب، لـ"العربي الجديد"، وجود قائمة بنحو 180 عقاراً مهددة بالاستيلاء عليها في سلوان وحدها، جل هذه العقارات في الحارة الوسطى أو بطن الهوى من سلوان، والتي يطلق عليها المستوطنون حارة اليمن. هذه الحارة هي منطقة كان يقطنها يهود من اليمن قبل العام 1948، واستقبل أهالي سلوان فيها اليهود عام 1882 حين رفض اليهود الشرقيون استقبالهم في تجمّعاتهم إثر دعوات من الحركة الصهيونية ليهود العالم بالهجرة إلى فلسطين، وباتت هذه المنطقة بعد الاحتلال الإسرائيلي من أكثر المناطق استهدافاً من قِبل جمعيات الاستيطان، وتتميز الحارة بكثافة سكانية فلسطينية عالية.
وكان مدير مركز معلومات "وادي حلوة"، جواد صيام، قال في حديث سابق لـ"العربي الجديد"، إن "جمعية العاد نجحت في الاستيلاء على أكثر من 60 عقاراً منذ العام 1967 وحتى الآن، لتضاف إلى نحو 80 عقاراً في البلدة القديمة من القدس".


دعوات لملاحقة المسربين

تسريب عقارات سلوان والكثير من العقارات في القدس إلى المستوطنين، بحاجة إلى ملاحقة المسربين ومحاسبتهم، إذ يرى غيث أن غياب الرقيب والحسيب عن ملاحقة السماسرة المتورطين في عمليات تسريب هذه العقارات، جعل هؤلاء "العملاء والخونة" يضاعفون من نشاطاتهم المشبوهة على هذا الصعيد، داعياً السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية إلى ملاحقة المتورطين.
من جهته، يحذر عضو "هيئة العمل الوطني" في القدس، زياد الحموري، في حديث لـ"العربي الجديد"، من المخاطر الناجمة عن استمرار تسريب العقارات في سلوان وسائر أنحاء البلدة القديمة من القدس ومحيطها، موضحاً أن الهيئة تواصلت مع مصر والأردن لاتخاذ إجراءات ضد المتورطين والمدانين في عمليات التسريب هذه، والذين فر بعضهم إلى هذين البلدين، مطالباً الأجهزة الأمنية الفلسطينية باتخاذ تدابير رادعة ضدهم.
أما هديب، فتقول إن "ملفاً كاملاً بهذا الأمر موجود لدى محافظة القدس، وهي المخولة بكل ما يتعلق به". لكن اللجنة القانونية في محافظة القدس رفضت الإدلاء بأي معلومات عن ملف هذه العقارات والمتورطين بتسريبها. فيما تؤكد مصادر في محافظة القدس لـ"العربي الجديد"، أن "عملية متابعة حثيثة تجري من قِبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية لهؤلاء المتورطين، لكن لم تُسجل إجراءات عملية بعد ضد متورطين في عمليات تسريب سابقة".
وكان رئيس "الهيئة الإسلامية العليا" في القدس، الشيخ عكرمة صبري، جدد في أكثر من مناسبة فتواه بتحريم وتجريم بيع العقارات وتسريبها للمستوطنين، ودعا إلى فرض حجر تام على المتورطين ببيعها، وعدم مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم أو مصاهرتهم. وقال لـ"العربي الجديد": "لا بد من إجراءات رادعة ضد هؤلاء المنبوذين، وحث المواطنين على مقاطعتهم وكشفهم".

موقع استراتيجي
تقوم سلوان على سلسلة منحدرات تفصل بينها عدة أودية، وكانت تمتد نحو الخان الأحمر، شمال القدس، ويربو عدد سكانها عن 50 ألف نسمة، واشتهرت حتى خمسينيات القرن الماضي بالزراعة لخصوبة أراضيها الواسعة ووفرة المياه والينابيع، وكانت تُعتبر واحدة من أهم السلال الغذائية للقدس. تُعد سلوان من أكبر البلدات الفلسطينية مساحة وأقدمها وأكثرها قرباً من المسجد الأقصى، لا يفصل بين مدخلها الشمالي، حي وادي حلوة، والمسجد الأقصى، إلا سور القدس الجنوبي المحاذي لوادي حلوة، فبرز الحي في واجهة الاستهداف الإسرائيلي نظراً لأهميته التاريخية وادعاء الجمعيات الاستيطانية وعلماء الآثار بإيجاد حجارة للهيكل المزعوم في هذا الحي.
ومنذ احتلال إسرائيل لمدينة القدس عام 1948 وما تلاها من السيطرة الكاملة عام 1967، تسعى إسرائيل للسيطرة على سلوان، فقد صادرت قوات الاحتلال نحو 73 ألف دونم من أراضيها الواسعة، بعد حرب عام 1967 مباشرة، بعدما كان الاحتلال سيطر على مساحات واسعة منها بعد حرب العام 1948.
وتعتبر سلطات الاحتلال حي وادي حلوة من بقايا "مدينة داود"، أما أحياء العباسية وحي البستان ووادي الربابة فتعتبرها حدائق خلفية لـ"مدينة داود". أما القسم الشرقي الجنوبي من سلوان، فقد بنى المستوطنون مستوطنة تتحكم بشارع القدس - أريحا القديم، كذلك الشوارع والطرق المؤدية إلى داخل أحياء بلدة سلوان. ولتعزيز قبضتها قامت السلطات الإسرائيلية بإصدار أوامر هدم لعشرات المنازل في مختلف أنحاء البلدة.
على مدخل سلوان الشمالي، تقع القصور الأموية، وتم افتتاحها قبل نحو ست سنوات على أنها "مطاهر" للهيكل المزعوم، بعد سيطرة إسرائيل عليها، فبنت فيها مدرجات ومنصات حديدية على شكل مسار أطلق عليه "مسار توراتي لمطاهر الهيكل". وتتواصل عمليات الحفر في منطقة القصور الأموية منذ سنوات، وسرق الاحتلال حجارة ضخمة وأتربة من الموقع، بينما يزداد التنقيب ومصادرة الأراضي والاستيلاء على المنازل بطرق ملتوية وتسريب الكثير منها للمستوطنين.
قبل أكثر من 30 عاماً، شرعت جمعية "العاد" بالسيطرة على أملاك وأراضي المقدسيين تحت قانون "أملاك الغائبين" الذي يمنع العرب من العودة إلى منازلهم غرب القدس، أو بمساعدة ما يعرف بالصندوق القومي "الكيرن كييمت" لنقل ملكية أراضي الفلسطينيين إلى جمعية "العاد".
وتولت جمعية "العاد" مسؤولية "حماية وحفظ الحديقة الوطنية" المسماة "مدينة داود" والتي تُشرف عليها "سلطة الطبيعة والحدائق"، مستخدمة بالترويج لها الرواية التوراتية، في حين ضاعفت سلطة الآثار الإسرائيلية عمليات التنقيب والحفريات بصورة مخالفة للقوانين، وساهمت وزارة السياحة الإسرائيلية بجلب السياح اليهود والأجانب من أنحاء العالم لزيارة ما سمّته "مدينة داود" والتي أصبحت محجاً للسياح.

عام 1981 قُتل ستة جنود إسرائيليين من وحدة "جفعاتي" على أيدي مسلحين فلسطينيين، فسيطرت سلطات الاحتلال على ساحة باب المغاربة (وادي حلوة) التي كانت متنفساً ومصدر رزق للفلسطينيين، وسميت ساحة جفعاتي، التي هي عبارة عن موقف للمستوطنين. وتحاول سلطات الاحتلال جاهدة منذ سنوات إقامة مشروع "مجمع كيدام - عير دافيد - حوض البلدة القديمة"، المخصص لاستخدام علماء ودائرة الآثار الإسرائيلية، إضافة إلى قاعات مؤتمرات وغرف تعليمية، ومواقف لسيارات السياح والمستوطنين، ومكاتب خاصة لجمعية "العاد" الاستيطانية.
كما تتعرض بلدة سلوان لتغيير أسماء شوارعها إلى اللغة العبرية من قِبل بلدية الاحتلال في القدس، كما يحصل في البلدة القديمة من القدس وبلدات وأحياء مقدسية أخرى توجد فيها بؤر استيطانية، لطمس الواقع وتزييف التاريخ والحقائق.