بريطانيا: الحكومة و"العمال" يجتمعان مجدداً لبحث "بريكست"

04 ابريل 2019
تجتمع ماي مع كوربن من جديد اليوم (دان كيتوود/Getty)
+ الخط -
تُعقد من جديد اجتماعات، اليوم الخميس، بين الحكومة البريطانية وحزب "العمال" المعارض، في إطار البحث عن حل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست".

وكانت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي قد عقدت، أمس الأربعاء، محادثات مع زعيم حزب "العمال" المعارض جيريمي كوربن، وصفها المتحدث باسم مكتبها بأنّها كانت "بنّاءة" بشأن كيفية كسر الجمود الذي يعتري "بريكست"، وقال إنّ "كلاً منهما أظهر مرونة".

وقبيل محادثاتها مع كوربن، أكدت ماي أنّهما متفقان في نقاط عدة، وهو ما أكدت عليه في حديثها للبرلمان: "هناك بالفعل عدد من النقاط نتفق بشأنها في ما يتصل بالخروج من الاتحاد... ما نسعى له الآن هو إيجاد طريقة للمضي قدماً تضمن دعم هذا المجلس وتنفيذ الانفصال".

وأشارت إلى الرغبة في حماية الوظائف، والانفصال عن الاتحاد باتفاق، وإنهاء مبدأ حرية الانتقال، كنقاط تتفق عليها مع كوربن.

وقالت للبرلمان: "ما أريد أن أراه الآن هو أن نتمكّن من إيجاد وضع يمكن من خلاله الحصول على دعم هذا المجلس (مجلس العموم) لاتفاق الانسحاب، واتفاق يتيح لنا الخروج بحلول 22 مايو/أيار".

وفي وقت متأخر من مساء الأربعاء، أيّد أعضاء مجلس العموم البريطاني (البرلمان)، اقتراحاً يمنع ماي من الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون التوصّل إلى اتفاق.

وصوّت مجلس العموم، بأغلبية 312 صوتاً مقابل 311 صوتاً، لصالح هذا المقترح المقدم من مختلف الأحزاب. ونجح مشروع القانون في تجاوز المراحل البرلمانية الثلاث في غضون ست ساعات، وهو ما يتطلب أشهراً أحياناً، ونال دعم المشرعين البريطانيين بفارق صوت واحد.

ويطالب المقترح ماي بالسعي للحصول على تأجيل آخر لعملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتمرير تشريع يمنع الخروج من التكتل الأوروبي من دون التوصل إلى اتفاق، ومن دون موافقة البرلمان.

وقد صوّت رئيس مجلس العموم جون بيركو، على تعديل للمقترح الرئيسي بعد تعادل أصوات المؤيدين والمعارضين له.

وتعد هذه هي المرة الأولى منذ عام 1993 التي يستخدم فيها رئيس البرلمان الحق في التصويت.

ومن المنتظر أن يتم طرح نفس المقترح للتصويت أمام مجلس اللوردات (الغرفة العليا من البرلمان)، اليوم الخميس أو غداً الجمعة، وفي حال تمريره سيدخل حيز التنفيذ بعد مصادقة الملكة إليزابيث الثانية عليه.

وتقف بريطانيا الآن أمام خيارين أحدهما الخروج من دون اتفاق بحلول الموعد الذي حدده الاتحاد الأوروبي في 12 إبريل/نيسان، في حال عدم وجود أي بديل لاتفاق ماي، والذي سبق أن رفضه البرلمان.

أما الخيار الآخر فيتمثل في طلب بريطانيا تأجيلاً طويل الأمد، في حال تبلور اتفاق على خطة بديلة قبل ذلك الموعد، وذلك مرهون بقبولها تنظيم انتخابات البرلمان الأوروبي، في 23 مايو/أيار.

وكانت ماي قد قالت، في تصريح لها بعد اجتماع لمجلس الوزراء، الثلاثاء، إنّ هناك حاجة لتمديد إضافي قصير للموعد النهائي للخروج من الاتحاد، والذي كان قد مدّد أساساً من 31 مارس/آذار الماضي حتى 12 إبريل/نيسان الجاري.

وتدافع ماي عن ضرورة الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون الاضطرار إلى خوض الانتخابات البرلمانية الأوروبية المزمع إجراؤها في 23 مايو/أيار المقبل.

وهناك إمكانية لتتقدم بريطانيا بطلب لتمديد جديد لموعد الخروج النهائي، خلال القمة الأوروبية المزمعة في 10 إبريل/نيسان الجاري.

في المقابل، قال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، أمس الأربعاء، إنّ الاتحاد الأوروبي لن يوافق على تمديد آخر لـ"بريكست"، في حال لم يتوصل البرلمان البريطاني إلى اتفاق حتى 12 إبريل/نيسان الجاري.

وأضاف يونكر، في خطاب حول اتفاق "بريكست"، في مقر البرلمان الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل "نحن سنعمل حتى اللحظة الأخيرة لتجنب سيناريو الخروج من دون اتفاق".

وأشار إلى أنّه في حال توصل البرلمان البريطاني إلى اتفاقية الخروج في الأيام المقبلة، فبإمكان لندن تمديد تاريخ الخروج من الاتحاد حتى 22 مايو/أيار المقبل.

وسبق أن شدد الاتحاد الأوروبي على ضرورة أن تكون هناك "ذريعة ملموسة" من أجل الموافقة على أي تمديد جديد، ولمّح بعض القادة الأوروبيين إلى أنّ هذه الذريعة قد تكون استفتاءً جديداً على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

تأجيل حتى التوصل إلى اتفاق

واليوم الخميس، قال وزير المالية البريطاني فيليب هاموند، إنّ بريطانيا ستطلب من الاتحاد الأوروبي تأجيلاً يمنحها خيار الرحيل بمجرد أن يوافق البرلمان على اتفاق الانسحاب.

وقال هاموند، لتلفزيون "آي تي في"، وفق ما نقلت "رويترز"، "المهم الآن هو أن يكون هناك وضوح تام، في أي تمديد نحصل عليه من الاتحاد الأوروبي، بأنّه بمجرد أن ننجز الاتفاق سيكون بوسعنا إنهاء ذلك التمديد".

وأضاف: "ومن ثم، فالأمر لا يتعلّق بطول فترة التمديد، وإنّما بالآلية لإنهائه بمجرد إنجاز الاتفاق.. هذا ما نتوقعه".



كما أشار هاموند إلى ضرورة الإبقاء على الاستفتاء الثاني على طاولة الخيارات المتاحة، قائلاً إنّ "بعض الأفكار التي تم التقدم بها لا يمكن تطبيقها أو التفاوض عليها، ولكن فكرة الاستفتاء الثاني، وهو ما يختلف الكثير من الناس معه، ولا أعتقد بوجود أغلبية برلمانية لصالحه، يبقى مقترحاً مثالياً ويستحق اختباره في البرلمان".


دعم متزايد للاستفتاء الثاني

ومع عودة مفاوضات الحكومة و"العمال"، اليوم الخميس، كشفت تصريحات من قادة المعارضة وجود انقسامات حول الاستفتاء الثاني، ودعوات إلى ضرورة أن يشمل أي اتفاق مع المحافظين خضوعه لتصويت شعبي.

إلا أنّ كوربن غرد، أمس الأربعاء، بعيد اجتماعه مع ماي، قائلاً "لقد تقدّمت بخطة العمال البديلة وأكدت على خيار التصويت الشعبي لمنع عدم الاتفاق أو مغادرة الاتحاد باتفاق سيئ".


واعتبر عدد من قيادات وناشطي حزب "العمال"، أنّ تصريح كوربن لا يعني تبنّي الاستفتاء الشعبي على أيّ اتفاق بشأن "بريكست"، وهو ما خرج عن مؤتمر الحزب السنوي في ليفربول العام الماضي.

غير أنّ وزير "بريكست" في حكومة الظل المعارضة كير ستارمر، قال، أمس الأربعاء، أمام البرلمان إنّه "في هذه المرحلة، من الجلي أنّ أي اتفاق يوافق عليه البرلمان سيحتاج المزيد من التصديق الديمقراطي" في إشارة إلى الشرعية الشعبية.

وفي السياق ذاته، أعلنت أحزاب أخرى، وهي "الحزب القومي الاسكتلندي"، و"الديمقراطيون الأحرار"، وحزب "ويلز"، وحزب "الخضر"، والمجموعة البرلمانية المستقلة، والتي يبلغ عدد نوابها جميعاً في البرلمان نحو 65 نائباً، تبنّيها موقفاً موحداً مطالباً بدعم الاستفتاء الثاني على "بريكست".

خلافات المحافظين

وفي شأن داخلي، دافع وزير الصحة البريطاني مات هانكوك، عن قرار ماي التشاور مع كوربن، وذلك بعد انتقادات حادة تعرّضت لها ماي من متشددي "بريكست" في حزبها "المحافظين"، واستقالة وزيرين من حكومتها احتجاجاً.

وكان وزير الدولة لشؤون ويلز نايجل أدامز، قد استقال، صباح الأربعاء، لرفضه دخول ماي في مفاوضات مع "ماركسي" حسب تعبيره، وليتبعه مع نهاية اليوم وزير الدولة لشؤون "بريكست" كريس هيتون هاريس، والذي برر استقالته بتوجه ماي لتمديد موعد "بريكست" مجدداً.

وقال هانكوك، في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إنّ "دعم كوربن لتطبيق بريكست أهم من الاعتبارات الأخرى، من الضروري أحياناً البحث عن تسوية... فالمصلحة الوطنية الآن في أن نصل إلى اتفاق ينال دعم الأغلبية في مجلس العموم".

كما أكد أنّ معارضة متشددي ماي لاتفاقها هو ما دفعها للتواصل مع حزب "العمال". وقال "لقد حاولنا تمرير الاتفاق بأصوات المحافظين والحزب الاتحادي الديمقراطي، ولكن ذلك لم يجد نفعاً بعد ثلاث محاولات وأشهر من العمل لإقناعهم، ولذلك فإنّ الطريق الوحيدة التي بقيت أمام رئيسة الوزراء هي الاتجاه إلى كوربن للبحث عن أصوات العمال لدعم الصفقة ولنغادر الاتحاد الأوروبي".

كما لمّح في مقابلته إلى احتمال قبول ماي بالاتحاد الجمركي كجزء من التسوية مع كوربن، ولكنّه أكد أنّ الاستفتاء الثاني لا يزال مرفوضاً من قبل ماي.


وانتقد متشددو "بريكست" في حزب المحافظين، وعلى رأسهم الوزير السابق بوريس جونسون والنائب جاكوب ريس موغ، ماي، على خلفية استعدادها للعمل مع المعارضة، وتخليها عن محاولات إرضائهم.

وكانت ماي قد رأت، مع دخول بريطانيا في مسار مأزوم بشأن "بريكست"، ضرورة البحث عن الأغلبية البرلمانية خارج إطار نواب حزبها وشريكه "الاتحادي الديمقراطي الأيرلندي" اللذين صوت كثيرون منهم ضد اتفاقها، وكانوا السبب الرئيس في عدم إقراره بالبرلمان.

وما يزال متشددو "بريكست" يعارضون اتفاق ماي، وهو ما قد يعود إلى حساباتهم الانتخابية، ومحاولة تصوير أنفسهم مدافعين عن حزب "المحافظين"، وتطبيق نتائج استفتاء "بريكست" 2016.