لم تكن الضجة التي افتعلها حزب "الليكود" ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ضد قرار المحكمة الإسرائيلية العليا بإلغاء قانون "شرعنة المستوطنات" وتبييض أعمال البناء على أراضٍ فلسطينية بملكية خاصة مفاجئاً أو غير متوقع، لا سيما أن نتنياهو أعلن، عبر مقربين منه، أن "فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات سيضع حلاً لكثير من البؤر الاستيطانية غير القانونية"، فيما أعلن رئيس الائتلاف الحكومي، عضو الكنيست ميكي زوهر، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية أمس أن الائتلاف يدرس قرار المحكمة كي يتسنى له إدخال تعديلات على القانون تحول دون شطب القانون مجدداً بعد سنّه مرة أخرى.
ومع أن القانون تم سنّه عام 2017، إلا أنه منذ البداية كان واضحاً للحكومة الإسرائيلية أنه لم يكن دستورياً وأن المحكمة ستقوم بإبطاله، بفعل بنود غير دستورية، لا سيما البنود التي اعتبرتها المحكمة تمس بحقوق الملكية الفردية للفلسطينيين، والتي تنص على مصادرة قطع الأرض التي أقيمت عليها وحدات سكنية للمستوطنين، من أصحابها الفلسطينيين بأثر رجعي وإلزامهم بقبول تعويض مالي.
وكان مصير القانون متوقعاً أيضاً بفعل الموقف الذي أعلنه، حتى قبل تشريع القانون، المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت، عندما أشار إلى عدم دستورية القانون. لكن نتنياهو اتجه، في يناير/ كانون الثاني 2017، لتشريع القانون على الرغم من هذا الموقف، بهدف ترحيل المسؤولية عن عدم شرعنة البؤر الاستيطانية إلى المحكمة العليا، وإزاحته هذه المسؤولية عن كاهله، لتجنّب غضب اليمين الاستيطاني، ولا سيما حزب "البيت اليهودي" آنذاك، الذي بادر إلى تقديم القانون للكنيست، علماً بأن محاولات التشريع كانت قد بدأت في عام 2015 وكان نتنياهو يقوم بإحباطها بسبب مخاوفه من رد المحكمة الدولية في لاهاي.
ومع أن القانون تم سنّه عام 2017، إلا أنه منذ البداية كان واضحاً للحكومة الإسرائيلية أنه لم يكن دستورياً وأن المحكمة ستقوم بإبطاله، بفعل بنود غير دستورية، لا سيما البنود التي اعتبرتها المحكمة تمس بحقوق الملكية الفردية للفلسطينيين، والتي تنص على مصادرة قطع الأرض التي أقيمت عليها وحدات سكنية للمستوطنين، من أصحابها الفلسطينيين بأثر رجعي وإلزامهم بقبول تعويض مالي.
ويمكن القول إن القرار، وعلى الرغم من أنه بدا ظاهرياً معارضاً للمس بحقوق الملكية للفلسطينيين، إلا أنه حمل أيضاً إشارات واضحة لجهة المساواة التي انتهجتها المحكمة في قرارها بين الفلسطينيين أصحاب الأرض وبين المستوطنين الإسرائيليين، من خلال اعتبار وجودهم في المستوطنات طبيعياً، واعتبار هدف القانون الأصلي، لتشريع عمليات الاستيطان والبناء على أراضٍ فلسطينية خاصة، أمراً مطلوباً وهدفاً شرعياً، لكنها أشارت إلى أن الضرر من القانون يزيد عن الفائدة المرجوة منه.
وأشارت المحكمة في قرارها إلى أن هناك بدائل غير هذا القانون يمكن للدولة من خلالها تحقيق الهدف المنشود في عمليات تسوية وترتيبات أخرى يمكنها أن تشمل غالبية البيوت التي أقامها المستوطنون على أراضٍ بملكية خاصة.
ومع أن جمعيات اليسار التي قدّمت التماسات ضد القانون وجمعيات حقوقية عربية أخرى، بينها جمعية "عدالة" ومركز "الميزان" ومركز "حقوق الفرد"، اعتبرت أن قرار المحكمة الإسرائيلية هو خطوة مهمة وإنجاز بحد ذاته، بحسب ما قالت المحامية سهاد بشارة من مركز "عدالة" في حيفا، لـ"العربي الجديد"، إلا أنها أشارت أيضاً إلى أن هذا لن يغير في السياق الأوسع واقع الاستيطان الزاحف في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عشرات السنين والتصعيد الإسرائيلي من خلال عملية الضم وفرض السيادة الإسرائيلية المخططة في الأشهر القريبة على قسم من الأراضي الفلسطينية كما حدث في شرقي القدس سابقاً. ولفتت بشارة إلى أن "عملية الضم ستؤدي إلى تفريغ قرار المحكمة من أي مضمون فعلي أو قانوني وهي محاولة لتحييد إطار القانون الدولي والمحلي في الضفة الغربية لفرض قوانين كولونيالية استعمارية بطبيعتها".
ويمكن القول عملياً إن قرار المحكمة، في هذا التوقيت بالذات، سيُستخدم من أجل الطعن في ولاية المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، بشأن جرائم الحرب الإسرائيلية، والادعاء بأن القضاء الإسرائيلي يقوم عملياً بمنع خرق القانون الدولي في مسألة الاستيطان غير القانوني، وبالتالي لا يبقى مجال لولاية المحكمة الجنائية الدولية.
وفي هذا السياق، تزامن إصدار قرار المحكمة أول من أمس، مع بدء الحديث إسرائيلياً عن تحوّل في الموقف الأميركي من تأييد ضم جارف واشتراط إجماع إسرائيلي على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جهة، وبدء تسريبات إسرائيلية من مصادر مقربة من نتنياهو، أن الأخير قد لا يتجه خلافاً لتصريحاته المتكررة بشأن ضم غور الأردن وشمالي البحر الميت، إلى تنفيذ مخطط الضم المعلن، بل الاكتفاء في المرحلة الحالية بفرض السيادة الإسرائيلية على الكتل الاستيطانية الرئيسية في الضفة الغربية المحتلة (غوش عتصيون جنوبي القدس، ومعاليه أدوميم شرقي القدس، وكتلة أريئيل جنوبي نابلس) كخطوة أولى على اعتبار أن هناك إجماعاً إسرائيلياً حول هذه الخطوة ليس فقط في اليمين وإنما أيضاً في اليسار الإسرائيلي. كما أن إعلان المبادئ في أوسلو والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، تحدثت عن بقاء كتل استيطانية في قلب الضفة الغربية، مقابل تعويض الفلسطينيين عن الأراضي التي تقوم عليها هذه الكتل، بنسبة 1-1 عبر المعبر البري إلى غزة، ومن أراضي النقب على حدود غزة.
ولفتت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أنه حتى بعد إصدار القرار المذكور أول من أمس بإلغاء قانون تبييض المستوطنات، فإن الوضع القائم يتيح عملياً تشريع نحو 2500 وحدة سكنية غير قانونية تم بناؤها بأساليب الغش والخداع على أراضٍ فلسطينية بملكية خاصة، فيما تبقى نحو 1045 وحدة سكنية بلا حل. لكن القاضي الوحيد الذي عارض إلغاء القانون أشار في معرض تسويغه لرفض شطب القانون بأن القضية سياسية ولا يمكن حلها إلا في حال ظهور النبي إلياهو (الذي يسبق ظهوره بحسب المعتقد اليهودي مجيء المسيح) أو بتسوية وقرار سياسي بشأن مكانة المكان (أي الضفة الغربية المحتلة)، وذلك في إشارة إلى قرار محتمل من الحكومة الإسرائيلية بفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، ما يعني في مثل هذه الحالة قدرة المستوطنين على تسجيل البيوت التي أقاموها على أراضٍ فلسطينية خاصة، في سجل الطابو الإسرائيلي.
في المقابل، لا يُستبعد أن تعاود الحكومة أو حتى أعضاء الكنيست من اليمين المتطرف، ولا سيما حزب "يمينا" الذي ظل خارج الائتلاف الحكومي الحالي، تقديم مشروع قانون بديل، يأخذ كما أعلن رئيس الائتلاف ميكي زوهر بالحسبان تحفظات ومسوغات الرفض التي ساقتها المحكمة، وبدء عملية تشريع جديدة، تتماشى مع الخطوات التي سيعلنها نتنياهو في سياق فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات والكتل الاستيطانية الكبيرة.